حماس تحرص على الهدنة مع إسرائيل، برغم استمرار الحصار، وهي حريصة على التوافقات مع الفصائل المقاوِمة، برغم اعتداءات جيش الاحتلال على غزة؛ فإلى متى؟
وهي تصعد مع السلطة, على لسان الزهار, وتتهمها بالعمالة والخيانة, على خلفية ملف معتقلي حماس في سجون السلطة؛ فهل أضحت المصالحة في خبر كان؟

والسلطة، في المقابل، تقف عاجزة عن فعلٍ ملموس، أو انتزاع موقف أمريكي قوي ضد الاستيطان الذي ارتفعت وتيرتُه، بعد استئنافه، على نحو لم يسبق له مثيل، بحسب معطيات المنظمة الإسرائيلية laquo;سلام الآنraquo;.

وعباس يعرب عن استغرابه من عدم موافقة واشنطن على مساندة قرار في مجلس الأمن يَعتبر الاستيطان في الضفة الغربية والقدس غير شرعي، على الرغم من أن القرار المطالب به فلسطينيا، توافق أميركا على مضمونه.

فيما تهدد فتح وحماس، كلٌ منهما الأخرى بإسقاط (حكمها)؛ إذ حذَّر الزهار laquo; السلطة من غضبة الشعب، مذكرًا بتجربة غزة، وتوجه إليهم بقوله: quot;ألستم أنتم أصحاب مشروع الفساد في الضفة؟ ألم تكونوا أنتم الأمن الوقائي والمخابرات والاستخبارات والشرطة؟ ألم تكونوا رعاة كل مفسدة في الوطن؟، أين أنتم وأين نحن؟ ألا تتعظون؟ ألا تتفكرون؟، أم على قلوب غلف كقلوب حلفائكم الذين لعنهم الله بكفرهم؟raquo;.

وفي مقابل تحذيرات الزهار تحذيراتٌ لعزام الأحمد: laquo; بأن laquo;لدى فتح استراتيجية أخرى للتعامل مع ظاهرة الانقسام إذا ما فشل الحوارraquo;، وقال laquo;لن نترك غزة مخطوفة من قبل ميليشيات حماس المسلحة التي تمردت على القانونraquo;، مؤكدا laquo;نحن قادرون على إجهاض التمرد واستعادة غزة.. وحتما سيكون معنا أهلنا في القطاع، وهناك أساليب أقوى من السلاحraquo;، في إشارة إلى أن فتح لن تلجأ للسلاح في الخلافات الداخلية.raquo;.
وتدور حرب إعلامية من مواقع الطرفين، باتهامات تجعل من الحديث عن المصالحة أبعد ما يكون.
أزمة الحركتين:

هذا المشهد الفلسطيني يعكس تأزما تمر به الحركتان، فتح, وحماس، والسلطتان, في غزة والضفة الغربية، ناتج في الأساس عن عجز الطرفين عن مواجهة مشاريع الاحتلال، وتحقيق المشروع الوطني، كل ببرامجه التي تتجمد، فحماس المستندة للمقاومة، لا تستطيع المقاومة! وفتح, والسلطة المرتكزة إلى التفاوض، لا تستطيع المفاوضة!

وكل منهما يهدد الآخر, ويتوعد، فيما تبدو تلك التحذيرات أقرب إلى الأمنيات، والرغبات، منها إلى القدرات السياسية، أو الميدانية؛ فلا حماس تملك من القوة، والالتفاف الشعبي الذي يمكنها من هبة شعبية على السلطة، في الوقت الراهن، على الأقل، ولا فتح، تتوفر على قدرات تمكنها من استرداد غزة، وإسقاط حكم حماس.

السلطة وخياراتها المحدودة:
والسلطة في محاولاتها الخروج من مأزقها السياسي تلوذ بآمال الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية. وتأمل أن تحذو أوروبا حذو الدول التي اعترفت بها، وآخرها الأكوادور , ومن قبلها بوليفيا والبرازيل والأرجنتين، والأوروغواي التي أعلنت عزمها الاعتراف بها في عام 2011م على الرغم من كون أوروبا لا تقوم لها سياسة مستقلة، أو مختلفة عن أميركا تُجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؛ إذ رفض وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الذين اجتمعوا في بروكسل مؤخرا طلب السلطة الفلسطينية الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وأوضح مسؤولون في الاتحاد الأوروبي أنهم يرون في المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية الطريقَ الوحيد لإقامة الدولة الفلسطينية. ورفض الاتحاد الاعتراف بالدولة الفلسطينية بموجب طلب السلطة، وأكد أنlaquo;أوروبا ترى في حل الدولتين الطريق لإنهاء الصراع عن طريق المفاوضات، بوساطة أمريكيةraquo;.

وأمريكا لا توافق على إصدار قرار من مجلس الأمن؛ لأنها ترى التفاوض الطريق الوحيد لتحقيق الدولة الفلسطينية، ولأنها لا تريد تدويل الأزمة، وأن تخرج من رعايتها، وفق رؤيتها الخاصة.

فلا يخفى أن خيارات laquo;القيادة الفلسطينيةraquo; الحقيقية محدودة؛ فبعد أن لوَّحت بحل السلطة، عادت وقدمت خيار إقناع العالم بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، وإذا استثنينا من العالم أميركا والاتحاد الأوروبي اللذين يريان وجوب أن يكون التفاوض هو السبيل إليها؛ فإن تلك الاعترافات لا تعدو الدعم المعنوي، والتعاطف مع الحقوق الفلسطينية.

أما على المستوى الداخلي فإن السلطة ترفض، وبشدة العودة إلى الانتفاضة، أو النضال المسلح، وإن كانت تحاول التقدم في النضال الشعبي السلمي. وهي جهود لا يُرجى منها إحداث تغييرات دراماتيكية، تواجه، أو تحد من الهجمة الاستيطانية المتسارعة.


لماذا تصر السلطة على الاحتفاظ بمعتقلي حماس؟
وأما قضية معتقلي حماس في سجون السلطة فتأتي كردة فعل على ما فعلته، حماس في غزة, ضد فتح، وما تفعله، وتخوفا من أية عمليات عسكرية تشنها حماس ضد الاحتلال، في الضفة، أو بالانطلاق منها؛ ما يمثل إشارة على استمرار السلطة في مشاريعها الأمنية، بمعزل عن التأزم السياسي.

كما تأتي تلك الاعتقالات تحوطا من احتمالات مساس حماس بالسلطة، أو بعناصر أمنية، أو سياسية فيها، وإن كان هذا السبب الأقل تأثيرا، إلا في فترات الاحتقان، والتصادم المسلح بين اللدودين، فتح، وحماس.

وفي حمأة هذا التصعيد الفلسطيني الفلسطيني تتعرض غزة لتهديدات بحرب جديدة؛ فهل هي قريبة؟
وهل إسرائيل عاجزة عن إعادة احتلال غزة؟
ثمة ما يقترب من الاستحقاق بمواجهة أخرى بين الاحتلال الإسرائيلي وحماس على أرض غزة، وإن كان الطرفان في الوقت الراهن ما يزالان يفضلان التهدئة؛ لكن حماس ما تزال في نظر إسرائيل عدوا لا يمكن التعايش معه.
فحماس مستمرة في التسلح، وآخر المؤشرات على ذلك إقرار رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال غابي أشكنازي بتحسن القدرة الصاروخية المضادة للدروع، وقوله:laquo; إن دبابة laquo;ميركافاraquo; تعرضت فعلا قبل نحو أسبوعين لإصابة من صاروخ laquo;كورنيتraquo; مطور، موضحا أن احتمال إطلاق صاروخ من هذا الطراز على تجمع سكني إسرائيلي من شأنه أن يلحق خسائر وأضرارا أشد فتكا من قذائف القسام.raquo;.
وحماس كذلك، منطوية على عناصر laquo;متشددةraquo; ولا سيما في كتائب القسام، في مواقفها التي تدعو إلى استئصال إسرائيل، من كل شبر من فلسطين، وآخرها ما جاء في رسالة محمد الضيف القائد العام لكتائب القسام التي وجه بعضها لإسرائيل قائلاً: laquo;إنكم إلى زوال، وإن فلسطين ستبقى لنا بقدسها وأقصاها ومدنها وقراها، من بحرها إلى نهرها ومن شمالها إلى جنوبها، لا حق لكم في شبر منها، مهما طال الزمن ومهما حاولتم طمس معالمها، ولن نرفع لكم راية بيضاء ما دام هناك مسلم واحد على وجه هذه البسيطةraquo;.
فمثل هذه الحركة المرتبطة بإيران، والطامحة إلى التسلح، والمنطوية على عناصر فاعلة تصر على تدمير إسرائيل، وتحرير فلسطين بالكامل لن تكون مستساغة، أو مرحبا ببقائها بجوار التجمعات الإسرائيلية, ولو أنها لا تمثل تهديدا خطيرا على إسرائيل الدولة والجيش.

ومن المؤكد أن حربا تخوضها إسرائيل على غزة، ولا سيما، إذا توغلت في القطاع، وأرادت السيطرة عليه بالكامل، لن تكون نزهة، وسيتكبد جيش الاحتلال خسائر، لكنه، في الأغلب، لن يعجز عن تحقيق هدفه النهائي، وفق المقاييس الواقعية للقوة التي تعترف حماس بتفاوتها الكبير، وآخر ذلك، على لسان الناطق باسم كتائب القسام الذي وصف قدرات حماس العسكرية مقابل جيش إسرائيل بالمتواضعة.

لماذا تتردد إسرائيل في حرب تستأصل حماس؟
فثمة أسباب أخرى تقف وراء تردد إسرائيل في شن حرب استئصال على حماس في غزة، لعل من أهمها عدم الرغبة في العودة مجددا إلى غزة، ما دامت أوضاعها تحت السيطرة، والأوضاع الأمنية منضبطة، وتسهم في ضبطها حماس.

وفي معلومات حديثة كشف عنها كتاب لإيهود أولمرت رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق أن وزير الدفاع إيهود باراك أحبط مخططات المجلس الوزاري المصغر القاضية بإسقاط حماس والسيطرة على القطاع وتجنيد آلاف الجنود من قوات الاحتياط لهذه الغاية، الأمر الذي لم يلتزم به باراك مفضلا إنهاء العمليات القتالية مبكرا، كما جاء في صحيفة laquo;يديعوت أحرونوتraquo; الناطقة بالعبرية.

هذا يدل على افتقار المسئولين في إسرائيل إلى قرار مجمع عليه بهذا الصدد، ومما يمنع هذا الإجماع السؤال حول: ما الذي ستفعله إسرائيل في اليوم التالي للاحتلال؟ وهل ستعود مرة أخرى لمستنقع غزة، وأزمتها السكانية، واحتقانها، والتمنيات بيقظةٍ تكون بعدها غزة قد غرقت بالبحر!

يضاف إلى ما سبق، وإن لم يكن في تقديرات الموقف الإسرائيلي الأكثر أهمية انعكاساتُ العملية العسكرية الواسعة على غزة, على عملية السلام، وعلى الوضع برمته، كما حذر الرئيس الفلسطيني عباس. ما قد يدفع إسرائيل إلى تأجيلها؛ لأن ذلك يمكن أن يحدث فوضى، وانفلاتا، ويهدد السلطة تهديدا حقيقا.

وفي ظل الانسداد السياسي، الذي تشهده العملية السياسية، والأزمات السياسية التي تواجه الأطراف الفلسطينية كان المؤمل أن نشهد حراكا مختلفا، يتجاوز الدوران في الحلقة المفرغة.
[email protected]