هذا ما كشفت عنه وثائق ويكيليكس، ونفته حماس، لكن تصريحات رئيس وزراء حكومة حماس إسماعيل هنية التي أعلن خلالها قبول الحركة بنتائج أي استفتاء على حل سياسي مع إسرائيل، ولو خالف قناعات حماس، تزامنت مع تلك التسريبات. ورآها البعض مؤكِّدة لها، ولو بأسلوب غير صريح. وبالرغم من أن هذا الموقف ليس جديدا على الحركة؛ إذ سبق أن كرره رئيس المكتب السياسي خالد مشعل إلا أن تكراره من هنية، في هذا الظرف السياسي الفلسطيني قد لا يعدم دلالات خاصة.

فثمة غرابة في توقيت هذه التصريحات؛ لأنها تأتي في لحظة يأس فلسطينية رسمية من المفاوضات مع هذه الحكومة الإسرائيلية. الأمر الذي دفع بالرئيس محمود عباس إلى التلويح بحل السلطة؛ لأن وضعها الحالي يخدم الاحتلال أكثر ما يحقق الطموحات الفلسطينية في التحرر، و(نيل الاستقلال) بحسب أبو مازن الذي وصف الاحتلال الإسرائيلي الحالي للأراضي الفلسطينية بأنه أرخص احتلال في العالم.

فهل تحاول حماس أن تسوِّق نفسها طرفا بديلا عن السلطة ومنظمة التحرير، ولو بشكل غير مباشر؟ علما بأن مبادىء حماس تقبل بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران، مقابل هدنة طويلة الأمد.

والسؤال: إذا كانت السلطة الفلسطينية، بكل الاستحقاقات التي وفت بها، من أمنية، وسياسية، وغيرها، لم تفلح في حمل إسرائيل على تفهم طلباتها، والتعاطي معها بجدية؛ فهل تنفع طروحات حماس، وتلميحاتها، في تحقيق شيء، إسرائيليا؟! وإذا كانت حماس تعوِّل على الاعتراف الدولي بها؛ فهل تقبل واشنطن، بحماس، رغم أن إسرائيل، ترفضها؟! وهل يمكن للاتحاد الأوروبي، أو روسيا أن تجعل من حماس لاعبا سياسيا، رغما عن أمريكا، وإسرائيل؟!

فما أهداف حماس من تكرار هذه المواقف؟
رأت حركة فتح أن تصريحات هنية تهدف إلى تستر حماس على تنازلاتها التي كشفت عنها ويكيليكس. وقد تكون حماس تريد بهذه التصريحات، وفي أضعف الإيمان، الاحتفاظ بمكتسباتها السلطوية في غزة؛ وتجنيب نفسها ضربة عسكرية إسرائيلية محتملة؛ ولتغيير صورتها المتطرفة في أعين القوى الدولية.

ولكن ثمة أسئلة أعمق عن توقيت هذه التصريحات، في هذا الوقت الذي يواجه فيه مشروع السلطة, وحركة فتح مأزقا حقيقيا، ويتهدد الأوضاع في الضفة الغربية مخاطر الفراغ، أو الفوضى بحسب ما يلمح إلى ذلك مسئولون إسرائيليون؛ فهل تتقاطع حماس مع الطروحات الإسرائيلية التي تقترح دولة بحدود مؤقتة؟ وكانت مواقف حماس حول هذه المقترحات تذبذبت، بين القبول، والرفض.

وفي المقابل قد تجد إسرائيل نفسها منجذبة إلى هذا الخيار الذي لا يُلزمها حلا شاملا، بقدر ما يضمن لها نوعا من الأمن، ويكفيها تلك المطالبات الفلسطينية التي يصعب على أي سياسي إسرائيلي القبول بها، من مثل حق العودة، والقدس الشرقية، عاصمة للدولة الفلسطينية.

فهل تتقاطع الرؤيتان اليمينية الإسرائيلية والحمساوية على حل مؤقت؟
تبدو حماس من الناحية الأيديولوجية غير بعيدة عن هذه الرؤية؛ لأنها تجنبها التورط في حل نهائي للقضية، والاعتراف الصريح بإسرائيل، وفي أدبياتها الهدنة الطويلة الأمد، ومن الممكن أن تسعى إسرائيل إلى آليات تساعد في إخراج هذا الحل المؤقت إلى الواقع بتنسيق مع الأردن، وإعطائه دورا في التعامل مع الضفة الغربية، والإشراف على الحدود.
وكان كاتب إسرائيلي دعا بصراحة إلى تمكين حماس من الضفة الغربية؛ لتحل محل السلطة التي باتت أكثر إزعاجا لإسرائيل؛ بسبب المطالبات الصعبة المتعلقة بالإنهاء التاريخي للصراع.
وقال:laquo; لا يمكننا أبدا أن نتعايش مع مطالب السلطة مثل نقل السيطرة التامة على البلدة القديمة إلى سيادة السلطة، لكن عملية الانفصال عن دولة حماس laquo;ظهر إلى ظهرraquo; مجدية أكثر بكثير بل وممكنه أيضا، دون اتفاق ودون مظاهر الشراكة. وبما أن كيان حماس يفتقر إلى الاعتراف بوجوده؛ فإنه بذلك يشطب رؤيا الدولة الفلسطينية. وعلى الأرض ستقوم أمارتان إسلاميتان لحماس واحدة في غزة، والثانية في الضفة الغربية، واحدة خاضعة للسوط المصري، والثانية للسوط الأردني، وبهذا ستنفض إسرائيل عن كاهلها العبء الفلسطيني الذي يثقلها منذ زمن بعيد. raquo;
ولا يخفى أن هذا الطرح الذي يفضل حلولا مؤقتة يعكس وجهة نظر شريحة من السياسيين الإسرائيليين، ومن الشعب الذي يتجه نحو اليمين بخطى ثابتة. مع صعوبة تقبلهم لحماس، بما تحمله من مواقف ضد إسرائيل الدولة، بالرغم من تخفيف الحركة المتواصل لتلك المواقف, وضبطها للأوضاع الأمنية في غزة.


إسرائيل بين السلطة وحماس:
فإسرائيل قد تغدو بين خيارين، كلاهما مر، إمَّا التعاطي مع السلطة تفاوضيا، والقبول بوقف الاستيطان في القدس والضفة الغربية، وما بعد وقف الاستيطان من مطالب الدولة والانسحاب، والتخلي عن موارد مهمة لها فيها مثل المياه، وإما المضي في إضعاف السلطة، والنتيجة تقوية حماس التي ما تزال تتسلح، وتكتسب شرعيتها من رفع شعار المقاومة، والثوابت الفلسطينية الأبعد مدى من ثوابت السلطة؛ فإلى أي الخيارين تنحاز؟!
والذي يترجح أنه مثلما يلوِّح أبو مازن بحل السلطة، وفي طريق تنفيذه عقبات تشكك في جديته، فكذلك مَنْ يهدد في إسرائيل بتسليم الضفة الغربية لحكم حماس لا يعدو حالة التخويف للسلطة، لا غير؛ فوضع الضفة التي تمتلىء بالمستوطنات، في تداخل كبير مع التجمعات والقرى الفلسطينية يختلف عن وضع غزة.

كما أن المضي في هذا المقترح يتطلب إما موافقة دولية، أمريكية، وموافقة من الدولة التي ستشرف على الحدود الشرقية, وهي الأردن، لتكون للضفة، مثلما هي مصر لغزة, وكلاهما: الموافقة الدولية، والأردنية غير متحققتين.
وإما يتطلب ذلك أن تتصرف إسرائيل في هذا الموضوع، وكأنه شأن داخلي، تتفرد به، بفرض الأمر الواقع، وهذا ليس سهلا؛ لأنها تريد حلا قابلا للبقاء، يغلق لها باب الإزعاج والتنديد الدولي، والإقليمي.
ثم إنه من المستبعد على حماس أن تقبل بمثل هذا الواقع الذي قد تسعى إسرائيل لتوريطها فيه؛ لأنها لن تقبل بترتيبات إسرائيلية, ولو دون اتفاق طوعي، وصريح، دون حل للنزاع العربي الإسرائيلي، مع الدول العربية المتنازعة مع إسرائيل, ولا سيما سوريا.

اليمين الإسرائيلي لا يريد حلولا نهائية:

وفي ظل سيطرة اليمين الإسرائيلي على الحكومة, وتنامي قوته في الشعب، فإن الحلول النهائية مستبعدة، ولا سيما مع غياب ضغط أمريكي، نحو حل نهائي مقبول فلسطينيا وعربيا.
وكان اليمين المتطرف، وتكتل الليكود برئاسة نتنياهو رفض اتفاقية أوسلو ؛ فهم لا يؤمنون إلا بالحلول المؤقتة، وليس لديهم استعداد للتنازل عن الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ لتقوم عليها دولة ذات سيادة.
والأمر الواقع الآن في الضفة الغربية هي سلطة مفتقدة للسيادة، ولكنها ماضية في بناء مؤسسات فلسطينية، بإشراف رئيس الحكومة الثابت بقاؤه سلام فياض، بالرغم من العراقيل التي تضعها حكومة نتنياهو أمام بعض برامجه، وأعمال التخريب والتدمير التي تتعقب بها بعض المشاريع التي تنجزها حكومة فياض في الضفة الغربية، وفي الريف الفلسطيني، خصوصا.

ويبقى السؤال عن معنى تصريحات هنية واشتراطاته للحل، في قوله:laquo; نحن نقبل بدولة بحدود عام 1967م عاصمتها القدس، وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية، وحل قضية اللاجئينraquo;، وقبوله بـ laquo;عرض الموضوع على الشعب الفلسطيني على أي استفتاء، يعني أن حماس ستحترم أي استفتاء، حتى وإن خالف قناعاتهاraquo;, إذا لم تكن هذه الاشتراطات والمطالب مصحوبة، أو مسبوقة باعتراف الحركة بإسرائيل؟!
[email protected].