عباس أخطر رجل على إسرائيل، وفياض سيقتلها باعتداله، هكذا تنظر جهات إسرائيلية يمينية، ويسارية، إلى المسار الذي تنتهجه السلطة لمراكمة الاعتراف الدولي، بدولة فلسطينية، في حدود الرابع من حزيران، ومنه توجهها لمجلس الأمن؛ لاستصدار قرار منه، يدين الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، بما فيها القدس الشرفية ، ويطالب بوقفه؛ فكيف تتشكل العلاقة بين حكومة نتنياهو والسلطة الفلسطينية؟ وهل حقا أبو مازن خَطِر على إسرائيل، أم على حكومة نتنياهو؟

في الحقيقة الحكومة الإسرائيلية الحالية في عداء مع العالم، وحتى في خلاف مع أمريكا، حول التعاطي مع العملية السلمية، والاستيطان، وليست في تناقض مع السلطة فقط.

والسلطة, برئيسها، عباس، ورئيس وزرائها، فياض، تبدو حريصة على الاقتراب من المجتمع الدولي، وأمريكا، إلى حد التماهي، وتعاطيها مع مشروع القرار الذي يطاب بإدانة الاستيطان مؤشر واضح على ذلك؛ إذ تعمل بتؤدة، وحرص، في الصياغة, وفي الحشد الدولي له؛ حتى إن المشروع قد تم تبنيه من قبل 122 دولة في الأمم المتحدة، ويحظى بتأييد ودعم 14 دولة من الدول الأعضاء الـ15 بما فيها 4 من الـ5 دائمة العضوية (بريطانيا، وفرنسا، وروسيا، والصين). بحسب رياض منصور مندوب فلسطين لدى الأمم المتحدة.

ومن المؤشرات على حرص السلطة على أن تبقى في حيز التأييد الدولي, والأمريكي موقفُها من إعلان الدولة الفلسطينية؛ إذ لا تسعى إلى انتزاع اعتراف بها يفرضها، ويحدد حدودها، كما صرح فياض، في لقائه بصحيفة 'لوس أنجليس تايمز'، إذ رفض الاتهامات الإسرائيلية التي تتهمه بالعمل من أجل إعلان الدولة من طرف واحد، بدون التوصل لاتفاق حول الحدود، خاصة في ظل اعتراف عدد من دول أمريكا اللاتينية بالدولة الفلسطينية، مؤكدا أن أي دولة ستظهر ستكون عبر العملية السياسية. وأكد قائلا:laquo; إن إسرائيل تريد حل الدولتين، ونحن نقوم بعمل هذا، وعليه لا توجد خطط سريةlaquo;. وهذا يتطابق مع الموقف الأمريكي الذي يرى بأن تحقيق الدولة الفلسطينية، وحدودها سيكون عبر التفاوض.

هذا الاختيار للسلطة, ولقادتها حصيلة قناعة حقيقية، بأن نيل الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية لن يكون بانتهاج العنف، أو النضال المسلح؛ لأن العالم لا يقبل ذلك، أو لأن الإماكانات الفلسطينية لا تقوى على تحقيق تلك الحقوق؛ بالصدام، والمواجهة العسكرية، أو لأن العالم العربي، والإسلامي، بوضعه الحالي، لا يؤمل منه الانخراط في مجهود حربي؛ لانتزاع الحقوق الفلسطينية، أو لأن الشعب الفلسطيني عانى الكثير جراء استخدام النضال المسلح، أو شبهه، غير المتكافىء، أو لكل تلك الأسباب، مجتمعة.

الموقف من هذا النهج، فلسطينيا، وعربيا، سيكون مختلفا؛ وفق مرجعية كل جهة، وزاوية نظرها، وموقفها من جملة الصراع، ومن التفاوض مبدئيا؛ فمن يقر التفاوض، ربما يكون أقرب إلى الموافقة على رؤية السلطة، وإن كان البعض، يدعو إلى تعزيز ذلك، بنضال أقوى، ضد الاحتلال الذي لن يزول إلا إذا رأى بأمِّ العين أن خسائره من تمسكه بالأراضي المحتلة أكبر من تلك الناجمة عن الجلاء عنها، وهذا لا يتحقق بالنضال السلمي وحده.

هذا من جانب الرؤية التي يراها أبو مازن لكيفية الوصول إلى الحل: التفاوض، والأساليب غير العنفية. وأما على صعيد الرؤية للحل نفسه؛ فهو أكثر ما يمكن أن يذهب إليه أي زعيم فلسطيني: دولة في حدود الرابع من حزيران، والقدس الشرقية عاصمة لها، وحل عادل لقضية اللاجئين، مع قبول بتبادل الأراضي، وقبول بتواجد قوات دولية من دون تقييد، على الحدود بين الدولتين.

ومن ناحية أداء السلطة الأمني والمالي فقد شهدت لها, أمنيا، إسرائيل، من خلال التنسيق الأمني الذي لا ينقطع، وجهوزية رجال الأمن الفلسطيني. وفي الإدارة المالية شهدت لها المؤسسات الدولية. ولعل هذا ما حمل يوسي سريد، الرئيس السابق لحزب ميريتس اليساري، على أن يقول ساخرا، في صحيفة 'هآرتس':laquo; إن فياض سيقتلنا باعتداله مضيفا: إن فياض يعتبر العدو الأول لإسرائيل.

بالرغم من كل هذا تكشف وثائق ويكيليكس أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وصف الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأنه أخطر زعيم عربي وفلسطيني واجهته إسرائيل في تاريخها، قائلا: إننا حاولنا استخدام حماس ضده؛ فلم ننجح، مؤكداً أنه يجب التخلص من هذا الرجل.

وعلى الأرض لا تقدم هذه الحكومة اليمنية التي لوزير خارجيتها الأكثر تطرفا تأثير واضح فيها، لا تقدم لسلطة عباس الكثير مما يقويها؛ فحتى في ملف الأسرى لم تطلق تلك الحكومة عددا يسمح برفع أسهم عباس، إلا بمقدار ما تعتقل يوميا، أو يزيد!

وتمضي في الاستيطان الذي ظل مبعثا للانتقاد الفلسطيني للسلطة؛ حتى توقفت عن التفاوض؛ لما أيقنت أن الحكومة الحالية هي حكومة استيطان، بالدرجة الأولى، ولو حاولت التخفيف من فداحة فعلها، وسياساتها الاستيطانية بالتذرع بضآلة المساحة التي تشغلها؛ لأن المستوطنات، في موقعها، ومجالها, وطرقها, وفي المدى الذي تريد بلوغه في القدس، وفي الضفة الغربية، دون توقف، وفي رمزيتها الدينية والتوسعية، لأنها بكل ذلك، تتناقض مع أية تطلعات معقولة، أو آمال ممكنة في دولة فلسطينية متواصلة جغرافيا، وقابلة للحياة.

وبالمقارنة بين الموقف الذي تمثله السلطة, والمواقف والأفعال التي يخطها الاحتلال على الأرض لم يعد صعبا على دول العالم، ومنه دول الرباعية الدولية, (ولعل زيارة الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف الأخيرة من الدلائل) لم يعد صعبا على تلك الدول التي طالما طالبت الفلسطينيين بما أصبحوا عليه، منذ تسلم فياض رئاسة الوزراء, فور انفصال غزة, على الأقل. أن تعلن اصطفافها إلى جانب السلطة، حتى الولايات المتحدة، وإن كانت مضطرة، بدوافع ذاتية، وأخرى بحكم تأييدها الاستراتيجي لإسرائيل، إلى معارضة التوجه الفلسطيني إلى مجلس الأمن؛ لاستصدار قرار يندد بالاستيطان في الضفة الغربية والقدس؛ فإن مراقبين يرون في عدم إعلانها أنها ستصوت ضد القرار علامة على ضغط خفي تمارسه على نتنياهو؛ للعودة إلى التفاوض، وتليين مواقفه.

فمن يرى في (أبو مازن) الأخطر على إسرائيل، إسرائيليا؟
لا شك, أنه اليمين الإسرائيلي الذي يقدم الاعتبارات الأمنية، أو لعله، الأدق، يتذرع بها؛ للتلكؤ، ما وسعه التلكؤ، في الوفاء بـ الاستحقاقات الدنيا للعملية السياسية؛ فالرأي العام ليس معلقا بهوى اليمين ونتنياهو وليبرمان الذي حذر من انهيار العلاقات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وقال إن هناك فجوة خطيرة في نهج الجانبين، وهدد بوقف العلاقات الدبلوماسية مع السلطة الفلسطينية، وطلب أن تمتنع الولايات المتحدة عن تقديم المساعدات الخارجية للحكومة في الضفة الغربية، نعم، ليس الشعب الذي يحكمه نتنياهو في عقد مقدَّس معه؛ إنه يتذبذب، وَفْق التطورات، والمخاطر التي قد يراها في الأفق؛ جراء الانسداد السياسي الذي يتسبب به نتنياهو، أو جراء أدائه الداخلي؛ فلأول مرة، منذ انتخابه رئيسا للوزراء، أظهر استطلاعا أجرته القناة الثانية، وهي قناة تلفزيون تجارية مستقلة في إسرائيل أن نتنياهو خسر مكانته كأفضل مرشح لرئاسة الحكومة. وأن الجمهور يفضل عليه رئيسة حزب كديما المعارض، تسيبي ليفني، ويمنحها 40% من أصواته مقابل 38% لنتنياهو.

فإذا كان أبو مازن بكل ما قدم، من (واقعية سياسية) الأخطرَ على إسرائيل ، بمنطق نتنياهو, ومن هم على يمينه؛ فمن سيكون صديقها المقرب، يا ترى؟!