ما يزال عضو اللجنة المركزية لحركة فتح, محمد دحلان متهما، ومهددا بموقعه ومستقبله السياسي، وآخر إجراءات السلطة الفلسطينية ضده كانت في اعتقال مدير مكتبه في الضفة الغربية، كما شنت أجهزة السلطة الأمنية حملة اعتقالات شملت laquo;أنصار دحلانraquo; في الضفة، حصل هذا بعد أن علَّقت اللجنة المركزية عضويته فيها، كما قررت اللجنة وقف عمل دحلان مشرفا على مفوضية إعلام الحركة، وعينت عضو اللجنة المركزية نبيل أبو ردينة ناطقا إعلاميا باسم الحركة.
والتهم التي توجه إلى دحلان، بعضها سياسي، والآخر شخصي يتناول إساءته للرئيس عباس، وأبنائه، أما السياسي فيذكر منها laquo;التحريض ضد الرئيس عباس وأعضاء المركزية، ومحاولة تشكيل اصطفاف داخل الحركةraquo;.
وكذلك ينقل عنه التحدث في لقاءات مع كوادر ومؤسسات فتحاوية عن laquo;ضعف الرئيس عباس وعدم قدرته على قيادة أوضاع الحركة في مواجهة إسرائيل، أو في الصراع الداخليraquo;.
ونقل عن دحلان laquo;اتهامه الرئيس عباس بأنه رئيس المصادفة، ويتردد أن دحلان ملّك أنصاره في الضفة سلاحا ومالا كثيرا يتجاوز لعبة الحماية الشخصية، ومراكمة القوة للحركة، ليصل بذلك إلى فرض أمر واقع في أي خلاف سياسي مقبل مع الرئيس عباسraquo;
فما دوافع دحلان؟
وثمة احتمالات ثلاثة على الأقل قد يكون أحدها، أو أكثر وراء أعمال دحلان، وأقواله، في هذه المرحلة غير المستقرة التي تمر بها السلطة الفلسطينية, والعملية السلمية المجمدة. فإما أن تكون دوافعُه شخصية، تعود إلى رغبته في زعامة أرفع، بالاستعانة ببعض الشخصيات السياسية غير الراضية عن الخارطة السياسية الحالية والمتنفذين فيها.
وإما أن يكون دافعُه إلى ذلك أنه تلقى دعما أمريكيا؛ لأن واشنطن باتت غير راضية عن الرئيس عباس؛ بسبب ثباته على مواقفه السياسية التي ترفض laquo;التنازلraquo; عن الثوابت الفلسطينية.
وإما أن يكون دحلان مدعوما من جهات إسرائيلية؛ رغبة في التخلص من الوضع السياسي الحرج الذي يحاصر حكومة نتنياهو؛ بسبب إصرارها على المضي في استئناف الاستيطان، في الضفة والقدس، وعدم اكتراثها باستحقاقات السلام المجمع عليها دوليا.
فهل دوافعه شخصية؟
أما فيما يتعلق بالدوافع الشخصية فإنها غير مستبعدة، ولو أن دحلان دأب على نفي رغبته في أن يكون رئيسا للسلطة، وحتى لو لم يكن هو الرئيس القادم، فقد يكون في موقع يسمح له بأن يكون الفاعل الأكبر، أو من أكبر المؤثرين، ويكون الرئيس المعلنُ واجهةً أكثر منه رئيسا قويا.
وكان دحلان طالب مع إطلاق المفاوضات المباشرة مع إسرائيل إعادة تأليف لجنة المفاوضات، بإقصاء رئيس دائرة المفاوضات في المنظمة صائب عريقات عنها، وتكليفه مع عضوي اللجنة المركزية للحركة: جبريل الرجوب وناصر، القدوة مهمة قيادة المفاوضات المباشرة مع إسرائيل، مما يعني عودة دحلان إلى الدائرة الأكثر أهمية وحساسية, وهي المتعلقة بتقرير شكل الحل النهائي، وهذا يحقق له طموحه الشخصي، ورؤيته السياسية للحل.
ومع كون هذا الدافع الشخصي غير مستبعد عن دحلان، إلا أنه لا يقوى على تحقيقه دون دعم دولي أمريكي، أو إقليمي، أو إسرائيلي.
أما الإقليمي فإنه لن يكون مستقلا عن الموقف الأمريكي؛ فلم يبقَ فعليا، غير النظر في الموقف الأمريكي، والإسرائيلي. أيهما المتأذي من حال السلطة الراهن، ومن سعيها الجاد، في المحافل الدولية؛ لإقامة الدولة الفلسطينية، وسعي فياض الدؤوب نحو تأهيل laquo;مؤسساتraquo; تلك الدولة، وظيفيا، وماليا، لتتعانق مع الجهود الدولية، والضغط الشعبي السلمي نحو تحقيق الدولة الفلسطينية، ولو خرجت قليلا، أو أكثر عن السقف الذي يسمح به اليمين الإسرائيلي المتشدد دينيا، والمتطرف قوميا.
وكانت بعض القيادات في حركة فتح لمحت إلى ارتباط دحلان بمخططات إسرائيلية, وأمريكية، إذ أكد قيادي سابق في حركة فتح، بحسب ما جاء في laquo;الجزيرة نتraquo; أن دحلان، صاحب النفوذ في الأجهزة الأمنية، laquo;كان يعد العدة لتنفيذ مخطط إسرائيلي أميركي، بدأ يهدد بكشف أوراق قيادات كبيرة في السلطة، في محاولة للضغط عليهم لعدم إدانته بأي من التهم المنسوبة إليهraquo;.
فهل أمريكا تدعم دحلان بديلا عن عباس؟
يحلو للبعض المقارنة بين ما حصل لعرفات، من عزل أمريكي؛ مهَّد، سواء بموافقة أمريكية صريحة، أو بغضها الطرف، للتخلص منه، إسرائيليا.
ويستند هذا التحليل إلى تشابه الوضع الذي وصل إليه أبو مازن، مع ما انتهى إليه أبو عمار, غير أن فروقا غير بسيطة تبقى ماثلة بينهما، لعل أبرزها اختلاف طبيعة عباس، ومواقفه من العمل المسلح، وطريقة إدارته للوضع الفلسطيني؛ فعباس لا يراوغ واشنطن، ولا يبني تحالفات غير معلنة مع فصائل مسلحة، ولا يكرِّس قيادته الفردية, ولا يحتكر المال، والمؤسسة الأمنية، وهو بعد ذلك, وقبله، يفي بمتطلبات خارطة الطريق، بكل الجهد، والجدية، وعلى يمينه، أو أكثر, رئيس الوزراء الذي يحظى بدعم أمريكي ودولي، سلام فياض.
وحتى قريب كانت إدارة أوباما تتوافق تماما مع مطالب عباس بوقف الاستيطان، وكل التغير الذي حصل، أمريكيا، لا يعدو كونه تراجعا، أمام تعنت نتنياهو، وتملصه من الضغوط الدبلوماسية المكثفة التي مارستها إدارة أوباما عليه، وقد اضطر أوباما إلى التوقف عن الضغط بسبب محدودية أوراق الضغط، بعد نجاح الجمهوريين بالفوز بالأغلبية في مجلس النواب. فقررت تغليب ملفات خارجية رأتها أقل تعقيدا في تحقيق الإنجازات, أو أكثر حيوية للمصالح الأمريكية حول العالم.
وعلى العكس من ذلك تصدر اليوم عن الإدارة الأمريكية مؤشرات تدل على أن غضبها إنما هو على حكومة نتنياهو أكثر مما هو على عباس والسلطة، ومن ذلك استغلال أوباما لعطلة الكونغرس؛ ليرسل بالسفير الأمريكي إلى سوريا، في تحد واضح لموقف الكونغرس المؤيد لإسرائيل في هذه المسألة؛ لما تمثله سوريا من دولة متحالفة مع (أعداء إسرائيل) إيران، وحتى تركيا، وحزب الله وحماس.
والظرف السياسي المحيط بعباس لا يشبه كثيرا ذلك الذي أحاط بعرفات؛ فما يزال عباس يلقى الدعم العربي الرسمي الواسع، ولا تزال مواقفه مدعومة من الجامعة العربية, والدول العربية الكبرى.
فمن المستفيد من تغيير في السلطة؟
الامتعاض الإسرائيلي، ولا سيما في حكومة نتنياهو، واضح، وهي لا تكف عن اتهام عباس بافتقاد الجدية للتوصل إلى سلام معها، وتتصاعد تلك الاتهامات إلى درجة محاولة نزع الشرعية عن سلطة عباس، كما ورد على لسان وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان الذي رأى أنه انه laquo; من المستحيل بالنسبة إلينا توقيع اتفاق شامل اليوم مع الفلسطينيين. ولنكن واضحين، ينبغي أن نفهم جيدا أن حكومتهم غير شرعيةraquo;.
صحيح أن نتنياهو أبقى هذه التصريحات في نطاق المواقف الشخصية لوزير خارجيته، لكننا نبالغ إن قلنا إنها في جوهرها تتفق مع التصور الذي يحمله نتنياهو عن عباس والسلطة، والسلام مع الفلسطينيين بشكل عام، فالرؤية الأقرب لدى اليمين تقوم على الحلول المؤقتة والسلام الاقتصادي اللذين يمهدان بعد فترة لا نعلم مداها لحل آخر.
وبالرغم من كل التنازلات التي قدمتها السلطة، وبالرغم من كل التعاون والتنسيق الأمني الذي تنخرط به بجدية؛ ومساعيها للحد من التحريض على إسرائيل، فإن اليمين المتطرف في الحكومة الإسرائيلية، لا يسلم بالمطالب التي تريدها السلطة، ويرى في تماسكها، واستقرارها، وتناميها مصدر قلق، ومبعثا لمزيد من الضغوط الدولية لترقية تلك السلطة إلى دولة تفرد سلطاتها إلى مناطق أخرى في الضفة الغربية وتضم إليها غزة، والقدس الشرقية، ولها إشراف على الحدود.
وأيا كانت دوافع دحلان، ومخططاته فإن إضعاف زعامة السلطة الحالية، وتنامي الصراعات داخل أجنحتها من شأنه أن يصرفها عن أهدافها السياسية, ويشكك باستحقاقها الدعم الدولي. وهذا بالتأكيد بعض ما تريده إسرائيل.
[email protected].
التعليقات