على الرغم من وقوف حكومة laquo;العدالة والتنميةraquo; في تركيا، مع النِّظام في سوريا، حتى لم يَعُدْ بإمكانها أكثر، فإنها ظلَّت تنظر بعينين، وتوزع نظراتها إلى الشعب تارة؛ فتطالب السلطاتِ السورية بالكفِّ عن قتله، وقمعه الوحشي، وتطالب الأسد بالإصلاح. وفي الوقت نفسه تنظر إلى النظام ومصالحها معه؛ فلا تؤيد الدعوةَ إلى رحيله، أما إيران، وأتباعُها فقد ألقَوْا كلَّ بيضِهم في سلَّة هذا النظام الخاسر, مهما كان.
ولم يقتصر دعمُ إيران لسوريا على الجوانب السياسية المعروفة، بل تعدَّتْها، بحسب شهادات سوريين، إلى الدعم الأمني، في القمع والقتل والتنكيل، فقد نقلت وكالة رويترز للأنباءlaquo; عن بعض اللاجئين السوريين الفارِّين إلى تركيا قولَهم: إن جنودا إيرانيين، بملابس سوداء، يساعدون القوات السورية على قمع المتظاهرين.
وقال أحد اللاجئين، واسمه مصطفى: إن عناصر من الشرطة السورية، بملابس مدنية، كانوا ينسقون مع جنود إيرانيين؛ لأن الإيرانيين لم يكونوا يتكلمون اللغة العربية، وكانوا ملتحين، واللحى ممنوعة في الجيش والآمن السوريraquo;.

هل يجتمع الضدان؟
المقاومة صفةٌ شريفة، تنبع من ضميرٍ إنسانيٍّ راقٍ، ونقيٍّ؛ فكيف تجتمع المقاومةُ والإجرام؟!
سؤالٌ بِرَسمِ القوى السياسية في لبنان، وغيره، ممن ربطوا مصيرهم بمصير أنظمة آيلة للسقوط، فأخذت صدقيتُهم تتآكل مع تآكل شرعية تلك النُّظم.
نقدِّرُ لحزب الله، ولجماعات المقاومة نضالاتِها المشرِّفة، من أجل تحرير المحتلِّ من أوطانها، ولكننا نُنْكر, ونستغرب من مواقفها الداعمة لنظام فاقَ النظمَ العربية التي سبقته في مواجهة شعوبها.

إنَّهم بذلك يعيدون السؤال عن معنى مقاومتهم، وأهدافها
فليس كبيرا الفرقُ بين احتلال خارجيٍّ، وآخر داخلي، بل إن الأخير أشدُّ مضاضةً على الشرفاء من وقْعِ الحُسام, وأخطر على بِنْية المجتمع الداخلية... يقول مواطنون سوريون إنهم لم يكونوا، قبل الاحتجاجات الأخيرة، يتداولون ألفاظَ شيعيٍّ، وسنيٍّ، وعَلَويٍّ، وغيرها. في الوقت الذي يصرُّ الشعبُ السوريُّ في هُتافاته، وشعاراتِه، على أنه شعبٌ واحد، بَعَربِه وكُرْده، وشيعته، وسنَّته، وكلِّ مكوناته.
يغذِّي النظامُ المَخَاوفَ من الفتنة الطائفية، ويحذِّر أنصارَه من تقسيم سورية، فيما يشبه التهديد، على غرار تهديدات رامي مخلوف لإسرائيل، فيما يشبه النُّصحَ لها، أو الاستبقاء، من أنَّ الاستقرار الذي نعمت به من جهة الجولان لن يبقى، إذا زال نظامُ الأسد.
وعلى فَرَض أن النظام في سوريا نظامٌ ممانع, ومقاوم، وأنه الواقفُ في وجه التهديدات الإسرائيلية, والمتصدي للسياسات الأمريكية، مع أن الأحداثَ الأخيرة، والمواقفَ الأمريكية, وحتى الإسرائيلية من تغيير النظام في سوريا جعلتْ من هذا وهما، أو أضحوكة.
وعلى فرض صحة هذا الوهم؛ فهلْ من الشَّرف، أو الإنسانية، أو الوطنية، أو العروبة، أو الدِّين أنْ يتعامى أنصارُ إيران عن جرائم النظام في سوريا؛ فلا يدينونها، بما يليقُ بها من الإدانة, والتَّجريم؟!
لو كان ثمةَ إنصافٌ، ومواقفُ غيرُ محسومة، مسبقا، لَوَقف حزبُ الله, وغيرُه موقفا يراعي حقوقَ الشعب السوري المظلوم، منذ عقود, تحت حكمٍ من الطِّراز الأول: دكتاتوريةً وقمعا، وحرمانا من أبسط الحقوق المدنية والسياسية.
ولكنَّ إيران لم تنجح في الاندماج في المنطقة العربية، وكذلك يُخشى على الموالين لها.
والمتابع للسلوك الإيراني في مختلف القضايا الخلافية، مع العالم العربي يرى أنها لا تبالي كثيرا, ولو حتى في المستوى اللفظي, ببقاء الحد الأدنى من الاحترام، أو حسن الجوار، فكثيرا ما يغلبُها، مع أتباعِها، الانفعالُ، والاستفزازُ، والاستعراض، ولسنا بحاجة إلى التذكير بالمواقف من البحرين، قديمها، وحديثها، ومن اليمن إبَّان الحرب مع الحوثيين، وغير ذلك.
والمشكلةُ, الآن, في حزب الله والقوى السياسية المؤيدة له، أنهم، وهم يعانون حالة تناقص في رصيدهم، يبالغون في استنفاد ذريعة المقاومة، والممانعة، وlaquo;الخطر الصهيونيraquo; الذي هم مَنْ يقفُ في وجهه، بل هم أولُّ مَنْ قاوم, وناضل! وكأن هذا يعطيهم تخويلا مفتوحا بمواقف منحازة، وانتقائية، ومصادرةً لحق الشعب السوري في اختيار الجهة التي تحكمه!
إن نظام مبارك الذي دعم حزبُ الله إسقاطَه، وابتهج لمَّا رَحَل، لم يفعل شيئا بالمقارنة مع ما يرتكبه نظامُ الأسد! ومثلُ ذلك الرئيسُ السابقُ زين العابدين بن علي، وحتى علي عبد الله صالح.
فيخشى، إنِ استمرَّ حزبُ الله, ومَنْ على شاكلته، ولاءً لإيران، في دعم النظام في سوريا، أن يوحِّد النَّاسُ بين نظرتهم إليه، وإلى هذا النظام البائد، وأن يساووا, بين هذا الاستخدام الفَج لورقة مقاومة إسرائيل: حين سمح نظامُ الأسد- بعد طول تشديد ومنع- للفلسطينيين، ومناصري حقوقهم، بالوصول إلى قوات الاحتلال الإسرائيلي على الحدود السورية؛ ليكونوا كبشَ فداءٍ له؛ فترتد؛ نتيجة لهذه الموازنة، النظرةُ إلى ما حققه حزبُ الله، من تحرير لجنوب لبنان، من أنه ورقة للتقوِّي، والاستخدام، ويا ليته استخدامٌ سياسيٌّ يعود عليه, وعلى برنامجه الوطني في بلده بالنفع، بل استخدام إقليمي منحاز, إلى نظم باتت خارج اللحظة التاريخية, وخارج المصلحة الوطنية.
فلا يغترَّ حزبُ الله, والموالون لإيران وسوريا بالتعاطف الذي حققه، في العالم العربي، والتأييد، حين خاض حروبا مع إسرائيل؛ لأن الأمور بخواتيمها، ولأن الذين أيدوه لم يفعلوا لِسَوادِ عينيه، وإنما؛ لأنَّه استثار مناطقَ مكبوتةً في ذواتهم، وروحهم الجمعيِّة، ولا يقلُّ ما يتعرض له الشعبُ السوري، الآن، بواقعه، ورمزيَّته، قدسيةً, واستثارةً مِنْ سابقه؛ فلهذه النظم الدكتاتورية، ونظام الأسد في سوريا من أسباب الإدانة ما لا يقل كثيرا.
[email protected].