الآن, وبعد 63 عاما على النكبة، هل ما زالت الروح الفلسطينية تحلق في السماء العربية, والفلسطينية؟ وبعد ارتفاع صوت الشعوب العربية, ضد الظلم الداخلي الذي مارسه الحكام عليهم، هل تتوسع أنظارهم، ويتحركون لمناصرة الفلسطينيين ضد ممارسات الاحتلال الإسرائيلي؟


الثورات العربية تنعش الفلسطينيين:
من المؤكد أن للتغيرات العربية انعكاسات على النفسية الفلسطينية التي كادت تسقط في إحباط عظيم، بعد وصول التفاوض الذي قادته السلطة الفلسطينية مع إسرائيل إلى طريق مسدود، وبعد تكريس الانقسام الفلسطيني، ودخول الطرفين، فتح وحماس، و(سلطتيهما) في حالة تناحر, وتآكل ذاتي.

لكن الروح عادت إلى الفلسطينيين، بعد أن دبت في شعوبهم الشقيقة، في تونس ومصر، وغيرهما الحياة، من جديد؛ فكانت المصالحة أولى إنجازات القيادة المصرية الجديدة, على الصعيد الخارجي. وهي التي وفرت جهود الاقتتال الذاتي؛ لتُصوَّب إلى الهدف المشترك، وهو إحقاق الحقوق الفلسطينية في حركة جماعية تشمل الفصائل كلها، ويلتحم فيها الفلسطينيون في الداخل، مع الفلسطينيين، والعرب حول حدود فلسطين.

إسرائيل، ومحدودية الخيارات:
فليس من السهل على حكومة إسرائيل أن تواصل إدارة الظهر للمطالب الفلسطينية، وللرأي العام الذي تحدثه؛ فإذا ما استمر هذا الضغط الجماهيري، على إسرائيل، وهي ترفض الاستجابة لـ(متطلبات السلام) مع ما يعنيه ذلك من توقف العملية السياسية والتفاوض؛ فإن هذا الزخم سيصب في مساعي الفلسطينيين لنيل اعتراف بالدولة الفلسطينية من مجلس الأمن، في أيلول القادم، أو من الجمعية العمومية, إذا رفعت أمريكا laquo;الفيتوraquo; في وجه القرار، كما تتوقع السلطة الفلسطينية.

ولا يوجد لحكومة نتنياهو الكثير من الدعاوي؛ لتبرزها في وجه المساندة الدولية لإعلان الدولة، اللهم إلا دخول حماس في الحكومة الفلسطينية، ولو بطريقة غير مباشرة، عن طريق شخصيات تكنوقراط، ولكن الموقف الدولي، هذه المرة يبدو أقل رفضا لهذه التشكيلة السياسية التي ستفرزها المصالحة؛ فأمريكا آثرت أن تنتظر؛ لترى برنامج الحكومة الجديدة، والشخصيات التي ستقودها، والأوروبيون يميلون إلى الاعتراف بهذه الحكومة، وتقديم الدعم المالي لها، والسياسي، على أن يكون برنامجها السياسي مقبولا.

وقد بدت على قيادة حماس، ورئيس مكتبها السياسي، خالد مشعل بوادر الميل إلى ما أسماه laquo;الاعتدال الإيجابيraquo;, وهو لا يرفض مبدأ الاعتراف بإسرائيل، لكنه يفضل أن يتشكل الموقف الفلسطيني، بعد قيام الدولة الفلسطينية في حدود الرابع من حزيران، وسبق لحكومة الوحدة الوطنية التي ضمت حماس أن أبدت احترامها للاتفاقات التي وقعتها السلطة, ومنظمة التحرير مع إسرائيل.

وفي أيلول القادم يُتوقع أن تحظى الدولة الفلسطينية باعتراف دولي واسع، بعد أن شهدت المؤسسات الدولية بمهنية سلام فياض، وقدرته على بناء نظام مالي يلبي المقاييس الدولية، وبعد أن شهدت له الدول المؤثرة بإنجازه مؤسسات الدولة الفلسطينية.


المتغيرات العربية هل ما تزال تسمح بالسلام؟
ولو عدنا إلى الشعوب العربية, والمتغيرات السياسية المهمة، ودققنا النظر؛ فإن التغيرات حتى الآن ليست جوهرية إلى درجة التهديد بالحرب، وتسخين الجبهات، والحدود؛ فمصر، وهي الأهم ليست في وارد نقض معاهدة السلام الموقعة منذ 1978م، ولكن ذلك لا يسمح للساسة في إسرائيل بالاطمئنان التام، والنهائي؛ لأن الطبقة السياسية في القاهرة صارت أكثر اقترابا من الشعب، ومزاجه.

وهذا المزاج الشعبي يتأثر بالممارسات والمواقف، وحتى التصريحات التي تتبناها الحكومة الإسرائيلية. صحيح أن لمصر، مشكلاتها الداخلية، ولكن التحركات الأخيرة التي شهدتها القاهرة, وانطلاق المناصرين إلى الحدود مع فلسطين أثبتت أن مصر, وهي في عز التأزم الداخلي تظل على اهتمام بمجريات القضية الفلسطينية, وكثير منهم يرتبط بها عقائديا، أو عاطفيا، أو إنسانيا، وبعضهم يصنفها على أنها قضية أمن قومي، وما تزال, عقيدة الجيش المصري تتوجس من إسرائيل، إن لم نقل تعتبرها عدوا.

ومعنى هذا أن التصعيد ضد إسرائيل سيكون مرهونا بأداء حكومتها؛ فإذا استمر الاحتقان، وتمادت حكومة نتنياهو في الاستيطان، وقضم الأراضي فإن المحيط العربي لن يكون مريحا لإسرائيل.


الدول العربية مع شعوبها مستاءة:
ومن الأهمية أن نتذكر أن الاستياء من السياسة الإسرائيلية، ولا سيما اليمينية، ليس مقتصرا، على الشعوب العربية المناصرة للشعب والقضية الفلسطينية، وإنما تشاركها فيه، نظم عربية؛ فالأردن، مثلا شديد القلق والغضب من حكومة نتنياهو التي تغلق آفاق الحل، وفي أدبيات نتنياهو مشروع الوطن البديل، إذ كان تحدث عن ذلك، في كتابه laquo;مكان تحت الشمسraquo;؛ وهو يرى أن الدولة الفلسطينية مقامة فعلا، في الأردن، يقول: laquo;إنهم(يعني منظمة التحرير الفلسطينية ومعظم الدول العربية) يطالبون بحقوق وطنية على المناطق؛ أي إقامة دولة عربية أخرى، ونظام حكم عربي آخر، وجيش عربي آخر؛ إنهم لا يكتفون بوجود دولة فلسطينية شرق الأردن؛ التي تسيطر على معظم أراضيquot; أرض إسرائيلquot; وفيها أغلبية فلسطينية حاسمة؛ إنهم لا يوافقون على أن تعيش الأقلية الفلسطينية خارج حدود الأردن في منطقة خاضعة لإسرائيل، ويتمتعون بحقوق فردية كاملة..raquo;.

وإسرائيل، بعد المتغيرات العربية، وتصاعد الضغط الفلسطيني، وتنامي التأييد الدولي، للدولة الفلسطينية، بين خيارين، إما الاستجابة للحلول العربية المطروحة، وكان آخرها المبادرة العربية التي عرضت التطبيع الكامل من الدول العربية كلها، ودول إسلامية أخرى، وإما رفض الدخول في أية اتفاقات في ظل أوضاع عربية متغيرة، وقيادات عربية غير موثوق بقدرتها على السيطرة، أو البقاء.

وربما تُغلِّب؛ بحكم قلقها الأمني العميق، الخيار الثاني، إلا إذا اطمأنت إلى استقرار يتحقق، بعد حين، في المدى المتوسط، مصر، وفي غيرها من الأقطار العربية المجاورة.
ولذلك، هي تميل الآن، إلى الحلول المؤقتة، وتعمل على فرض حل على الأرض، تحتفظ به بالمستوطنات الكبرى في الضفة الغربية، والقدس الموحدة، وغور الأردن. وإذا أراد الفلسطينيون أن يسموا ما تبقى من المدن التي تصنف على أنها مناطق(أ) وبعض القرى التابعة لها، على أنها الدولة الفلسطينية؛ فقد لا (تناضل) إسرائيل لمنع ذلك.

أما التحركات الحالية, وجديدُها، هذه الهبة الفلسطينية والعربية من الأقطار العربية المحيطة بفلسطين، فقد لا تكون في الحسابات الإسرائيلية التي اعتادت على تظاهرات ونضالات من هذا النوع في الداخل، ولكن التقديرات تشير إلى استبعاد انتفاضة فلسطينية ثالثة, ولا سيما في الوقت الحالي؛ لأن حركة فتح وحماس، معنيتان بفترة هدوء؛ لترتيب الأوضاع الداخلية، والتهيؤ لاستحقاقات الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وقد تتوجه الأنظار ثانية إلى شهر أيلول؛ فإذا ما أجهضت تلك المساعي الدبلوماسية التي تنخرط فيها السلطة؛ فقد يكون من العسير الاستمرار في ضبط الناس.
[email protected].