تضمن خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما عناصر ترضي إسرائيل، وحتى القوى اليمينية فيها، وأخرى ترضي الفلسطينيين، وأدخله ذلك في مواجهة مع نتنياهو؛ فما آفاق هذه المواجهة؟

ما يرضي إسرائيل في خطاب أوباما:
مما يرضي إسرائيل إقرار أوباما بيهوديتها، وهذا إذا لم يهدد الفلسطينيين الذين ما يزالون فيها، فإنه على أقل تقدير يشطب laquo;حق العودةraquo; إلا من أعداد رمزية، تسمح بها إسرائيل.
و ترضى إسرائيل، كذلك، عن تأجيل قضية القدس واللاجئين إلى ما بعد الاتفاق على الحدود والأمن، والقبول بمبدأ تبادل الأراضي؛ لتحتفظ بالمستوطنات الكبرى في الضفة الغربية, والقدس.
ولا بدَّ أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد ابتهج من موقف أوباما الذي دعا الفلسطينيين إلى عدم التوجه إلى مجلس الأمن، والجمعية العمومية للتصويت على اعتراف بالدولة الفلسطينية، ولن يكون هذا الموقف عديم الأثر على الدول الأوروبية الفاعلة, وغيرها.
وهذا الموقف يسهم في طمأنة إسرائيل من الوقوع في تلك العزلة الدولية التي ستكون أكثر إحكاما في حال توجه الفلسطينيون إلى الجمعية العامة، وصوتت معظم الدول لصالح الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وفي هذا دلالة رمزية، لصالح تدويل الأزمة، بعد أن لم تنجح المفاوضات منذ ما يقارب العشرين عاما في تحقيق الدولة, والحل.
ومما يطمئن إسرائيل، أمنيا، أن الدولة الفلسطينية ستكون منزوعة السلاح، وهذا, يتضافر مع ما تؤكد عليه واشنطن من ضمانات للحفاظ على أمن إسرائيل.

ما يرضي الفلسطينيين:
وأما العناصر التي ترضي الفلسطينيين فمنها المطالبة بدولة فلسطينية، في حدود الرابع من حزيران؛ ما يعني إضعاف الطلب الذي ينادي به نتنياهو بالاحتفاظ بالسيطرة على وادي الأردن، كمنطقة أمنية عازلة ، فأوباما يرى أنه يجب أن تكون للدولة الفلسطينية حدود مشتركة مع الأردن.

فما انعكاسات هذه الخلافات على أوباما؟
وهذه المسألة المتعلقة بالحدود رأتها جهات أمريكية موالية لإسرائيل laquo;تقلص قوة إسرائيل التفاوضيةraquo; لأن أوباما قال إن الاتفاق حول حدود 1967م يجب أن يكون أساس المفاوضات، أي أن الحدود يجب أن تكون نقطة بدء العملية التفاوضية، وليس نهايتها.
وهنا تقدَّم أوباما خطوة على المواقف الأمريكية السابقة التي ترى أن الدولة الفلسطينية ستقام في حدود الرابع من حزيران، لكنها لم تجعل ذلك أساسا للتفاوض.
وهذا ما يفسر الخلاف الحاد الذي نشب بين أوباما ونتنياهو، إذ اندفع نتنياهو، وأبلغ أوباما بشكل صارم أن رؤيته بشأن كيفية تحقيق السلام في الشرق الأوسط laquo;غير واقعيةraquo;. وأن هذه الحدود laquo;لا يمكن الدفاع عنهاraquo;.
كما أدى هذا الموقف الذي أعلنه أوباما بكبار اليهود في الولايات المتحدة إلى إعادة النظر في دعمهم لحملة إعادة انتخابه عام 2012م. ومنهم رئيس بلدية نيويورك السابق إيد كوتش.
وكذلك الملياردير مورتيمر زوكرمان -المستثمر العقاري والناشر- الذي قال: laquo; تحدثت مع أشخاص كثيرين خلال اليومين الماضيين، وهم أنصار سابقون، ويشعرون بقلق كبير وبنفور، وسيقلُّ الدعم السياسي لأوباما، وسيقل الناشطون من أجل حملته، وأنا واثق من أن هذا سيمتد إلى الدعم المالي أيضاraquo;.
بالطبع هذه المواقف الإسرائيلية واليهودية الأمريكية غير الداعمة لأوباما مرهونة، بثباته على مواقفه، وكيفية تعامله مع الضغوط التي ستحاولها هذه الجهات، وجماعات الضغط الموالية في أمريكا لإسرائيل، وعلى رأسها الـ laquo;إيباكraquo;.
لكن أوباما، مدعوما بالرباعية الدولية، التي تضم بالإضافة إلى أمريكا الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا، ربما يستمر في مساره، وهو الذي يدرك أبعاد موقفه هذا، قبل إعلانه، وردود الفعل الإسرائيلية اليمينية عليه، وقد ذكرت الـ laquo;أوبزيرفر raquo; البريطانية أن أوباما سيسعى وراء اتفاق مشترك مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون حول الشرق الأوسط يشدد على أن الدولة الفلسطينية المستقبلية ستستند إلى حدود ما قبل العام 1967م.

فما أدوات أوباما للضغط؟
من الواضح أن استراتيجية أوباما في التعامل مع نتنياهو لم تتغير؛ فهو يعمل على توفير الظروف الكفيلة بدفع هذا الرئيس اليميني، ومَنْ هم على يمينه، نحو مواقف laquo;أكثر واقعيةraquo;, من خلال الضغوط الدولية التي كان يحرص أوباما على أن لا تكون واشنطن في مقدمتها، أو أن تظهر بمظهر الأكثر صرامة، وكانت أوروبا تتقدم على أمريكا في هذا الاتجاه.
ولعل أحدث المواقف الأوروبية التي تصب في الضغط على إسرائيل اتهام وزير شؤون الشرق الأوسط البريطاني ألستير بيرت إسرائيل بالقيام quot;بنشاط لا يساعد بل يزعزع الاستقرارquot; من خلال إعلانها عن مخططات لبناء 1500 وحدة سكنية استيطانية في القدس الشرقية، قبل الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأميركي، حول الشرق الأوسط، يوم الجمعة الماضي.
كما أن أوباما حرص على التأكيد لنتنياهو على ضرورة الانتباه إلى المتغيرات العربية المهمة, وأخذ التحولات الديمقراطية في المنطقة العربية، وفي الدول المجاورة لهم، كمصر، في عين الاعتبار. فلذلك عدة رسائل لإسرائيل، منها تصاعد تأثير الشعوب، وهذا قد يكون له انعكاسات على قرار المسئولين في الأقطار العربية المتحولة عن الحكم الاستبدادي الفردي. كما أن اقتراب دول عربية من الديمقراطية سيحرم إسرائيل من علامة فارقة طالما لوَّحت بها، وهي أنها laquo;الدولة الديمقراطية وسط عالم عربي غير ديمقراطيraquo;.
لم يخرج أوباما عن الخطوط العريضة في السياسة الأمريكية تجاه قضية النزاع العربي الإسرائيلي، ورؤية الدولة الفلسطينية، لكنه جعلها أكثر وضوحا، أو أكثر إلزاما، والمشكلة هي في الظهور بمظهر غير المتوافق مع إسرائيل، وإذا نجح نتنياهو في توظيف كل مهاراته الخبيرة بمخاطبة الرأي العام الأمريكي، ومراكز القوة فيه، وأهمها الموالية لإسرائيل فإن على أوباما هو الآخر أن يوضح أن هذه المواقف هي لصالح إسرائيل، بالمعنى الحقيقي، وأن خلافه ليس مع إسرائيل الدولة، ولكن مع بعض التفصيلات التي يصر عليها نتنياهو، ولا تخدم التوصل إلى حل لهذا النزاع الذي لم يعد محتملا الصبر عليه أكثر، ولا سيما في ظل المناخ العالمي، والعربي الآخذ في التشكل.
وكما رأى محللون غربيون أن أوباما، لو أصر، على هذه المواقف غير المتوافقة مع اليمين الإسرائيلي فإنه يدخل في مغامرة ليست سهلة تتعلق بفرص فوزه لولاية ثانية.
وفي هذه الحالة نتوقع أن تشهد الأشهر القليلة القادمة تكثيفا في أدوات الضغط الأمريكية، دبلوماسيا، ودوليا، كما يمكن أن تفعِّل دول عربية، مؤثرة، كمصر، وإقليمية، كتركيا، من ضغوطها على حكومة نتنياهو، للقبول بالعودة إلى التفاوض على أسس واضحة، منها مسألة الحدود، وفي حال نجحت هذه الضغوط فستكون ورقة داعمة لأوباما لفوزه بولاية رئاسية ثانية.
[email protected].