ألِكَونِ بشار إلها راح يهدم مساجدَ الله، ويدنِّس المقدَّسات، بعد أن سمح بترداد مقولة:laquo; لا إله إلا بشارraquo;؟! إذ ليس غريبا على من اعتقد ألوهية حاكمه أن يُقصي المعتقدات المناقضِة؛ فلا شرك في الآلهة، إنَّه إلهٌ واحد!
هذه الحالة جديرة بالتحليل، من جهة من يرددها، ومن جهة الذي يطرب لسماعها.
إن فكرة خضوع الإنسان، حتى للإله الحق، لا تزال تلقى تمردا؛ فمِنْ الناس مَنْ لا يستسيغ الخضوع، مع أنها حاجة فطرية راسخة في الوجدان الإنساني، وفي تاريخ البشرية، فما مِنْ مجموعة بشرية، على مر التاريخ، إلا قدست وعبدت، وإن اختلفت الآلهة المعبودة، لكن كل ( الآلهة) كانت في عيون عابديها عَليَّةً، فائقة القوة؛ حتى تدفع العُبَّاد إلى أن يتخذوها ملاذا، ومعينا.
فهل رأى مؤلِّهو (بشار) فيه تلك القوة الفائقة، والجبروت فوق البشري؟
بكل بساطة أنا لا أرى ذلك فيه، ولو أمعنتُ النظر، لا أرى فيه حتى القدرات المتميزة في الشخصيات القيادية؛ فليس فيه كاريزما الزعامة، ليس فيه مما كان للرئيس الراحل، جمال عبد الناصر، من شخصية آسرة، وقدرات خطابية كانت تسيطر على أفئدة الشعوب العربية، وتترقب خطاباتِه، بكل تعظيم.
ولا نجد في شخصية (بشار) حتى ما يضاهي حضور الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، وخطاباته المجلجلة التي طالما جذبت إليه الأسماع والأبصار والقلوب، في البلاد العربية، سُنيِّها وشيعيِّها، دون فروق تذكر.
فهذا الشاب الذي لم تكن لديه رغبات واضحة في السلطة، ولا استعدادات كافية لتسلمها، وإنما حَكَم عليه القدر، وعلى والده من قبل أن يزج به في معمعة السياسية، والدولة، هذا الشاب قليل الخبرة السياسية، والدهاء الشخصي، أمْيَلُ إلى التنظير، والتفلسف، منه إلى حنكة الساسة، ودرايتهم. لا نقول إنه متواضع الذكاء، ولكنه قد يصلح لمجالات غير أن يكون حاكما، ولو أن مقدرات الدولة كلها وضعت تحت إمرته، وخبرات القيادات ظلت رافده، وربما، كان تحت تأثيرها، حتى شكك الكثيرون، في قدرته على (الإصلاح) فيما لو أراد.
فكيف قفز أولئك المؤلِّهون ببشار إلى رتبة الإله؟!
قد لا تلامس قلوبُهم أدنى قناعة بفحوى ما يلفظون، إنما هي عبارات ثأرية انتقامية، كيدية، ليس إلا، نكاية بمن يسفّه زعيمَهم، وفي هذه الحالة تكون تلك التعبيرات علامةً على استشعار نقص كبير، بمقدار ما فيها من مبالغة؛ فلم يكونوا ليبلغوا به مرتبة الإله، إلا وهم يرونه ينقص عن مَلْء منصبه، ومكانته المفترضة.
وأما إذا آمنوا، أو بعضُهم بألوهية بشار، وأنه فوق البشر؛ فهذا يتطلب منهم أن يتقدموا له بأسمى آيات التقديس، وأخلص طقوس العبادة.
ولكن، أمَا وهو، لا يطاول الزعماء الكبار، فضلا عن أن يُخشى منه (مزاحمة) الله؛ فكيف هي أحجام من يؤلهونه؟! فإذا كان بشار إلههَم؛ وهو في مستوى الأرض، يمشي عليها، وقد تسوخ أقدامُه فيها؛ ففي أي أرض ينبغي على عُبَّادِه أن ينخسفوا؟!
لا شك، أن هذه العبارات المؤلِّهة ليست شاذة، ولا حالات فردية، إنها تعكس عقلية النظام وكثيرين من أتباعه، والسياق العام للحالة يؤكد ذلك؛ فالقتل وحشي لمن تجرؤوا على المطالبة بالإصلاح، والانتهاك شمل أنواع الحرمات، المقدسة والشخصية، حتى طاولت الفنانين والمثقفين، وسلاحهم بالتأكيد ليس الرصاص، ولا المدافع، وهم، ولا سيما الفنانين أبعد الناس عن الإملاءات، والتسخير، إن الرسام، مثلا، يعبر عن ذاته ورؤاه وآماله بالريشة، والألوان، فإذا كانت ردة الفعل تجاههم بتلك الهمجية؛ فهذا يكشف عن مدى ضيق النظام وأزلامه بأدنى معارضة، ولو كانت جمالية؛ فهل عالم بشار بديع إلى هذه الدرجة؟! حتى لم يعد يحتمل أية جمالية، تخلُّ ببديع خلقه؟!
لا يخفى أن المنطقة العربية تَعْبر مرحلةً جديدة في طبيعة الحكم، ونمط الحكام، من التأليه إلى الحكم البشري، من الحكم المطلق، إلى الحاكم المسئول؛ فمرحلة التأليه آخذة، وعلى نحو سريع، بالانهيار، كبقية خلق الله؛ ليكون الحاكم من طينة الناس، يختارونه، هم، ليدير مهام رئيس الدولة، فإذا أحسن فهذا واجبه، وله التقدير، وإذا أساء، فعليه اللوم، والمساءلة، وقد يُعزل، وقد يُحاكم.
هذه الحالة الطبيعية، ولم يكن فيما جرى للرئيس السابق، حسني مبارك، أية غرابة، لكن ما ترسخ في وجدان الناس من أوهام التعظيم له، ولأمثاله، جعل الكثيرين يدهشون.
وكلما بالغ هذا النوع من الأنظمة في تعظيم نفسه كان ذلك أدلَّ على انشداده إلى الماضي السحيق، حين قُدِّس البشر، وقال قائلُهم:laquo; ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشادraquo;.

[email protected]