يتجه نظام الأسد، إلى فقد الزِّمام، إن لم يكن قد فَقَده، فعلا.
المهلة الأخيرة التي منحتها الجامعة العربية لتوقيع بروتوكل المراقبين انتهت، والاحتجاجات الدولية على الانتهاك الفاضح، والمنهجي لحقوق الإنسان تزايدت، والتنسيق العربي التركي برعاية أمريكية، ودولية يتكثف، فقد قال وزير الخارجية التركي، أحمد داود أوغلو: laquo; إنه لدى تركيا خريطة طريق لمواجهة الأزمة السورية اتفقت عليها مع الجامعة العربيةraquo;. وفي الأفق تتبلور خطةٌ عمليةٌ لبدء تدخل دولي اقترحته فرنسا، فيما سُمِّي بالممرات الآمنة لحماية أرواح المدنيين، وتهيء الجامعةُ العربية لمثل هذا النوع من التدخل؛ بالعقوبات السياسية والاقتصادية، وتجميد عضوية سورية؛ لتضعف النظام، والأهم؛ لتنزع عنه الشرعية العربية.
ومع ازدياد عديد القتلى في سورية، وارتفاع وتيرة القمع، والخطورة من اقتتال داخلي، بفضل صعود تأثير laquo;الجيش الحرraquo;، والجمعة الأخيرة كرَّسته عنوانا سياسيا شعبيا، يمكن أن يكون موطىء القدم، أو نواة القوة ضد النظام، بعد أن أضحى laquo;المجلس الوطنيraquo; هو النواة السياسية، شعبيا، وعربيا، وإقليميا من تركيا، وغربيا.
النظام وحلفاؤه الدوليون، وأهمُّهم روسيا، يفقدون القدرة على الفعل، ويكتفي النظام بالرفض، أو طلب التوضيحات والشروح! وأما روسيا فتدعو إلى الحوار، وهو ما يبدو أمرا تجاوزته الأحداث.
ولا نحتاج إلى كبير عناء، لندرك أين تتجه الأمور، والنظام نفسُه يستشعر الخطر الحقيقي، ويفقد توازنَه بتهديدات تشعل المنطقة، وتحدث الزلازل! ليزيد من دواعي التخلص منه، واستحضار نواياه، وليُشعِر بطريقة غير مباشرة أنه يرى مصرعه، وبعد أن تتسارع المواقف الدولية، والعربية، ستعلم روسيا والصين اللتان لم تظلا على نفس الحماسة للنظام السوري والدفاع عنه، أنَّ الجدية الدولية والعربية تعرِّضهما للمواجهة، مع الموقف العربي العام، والأضرار الاقتصادية، مقابل الرهان على نظام يتآكل داخليا، وخارجيا.
وبمقياس الربح والخسارة، فإن حجم المصالح والتبادلات التجارية الروسية مع الدول العربية المنددة بنظام الأسد، يفوق تلك التي لروسيا مع ذاك النظام (من المتوقع أن يبلغ مع العالم العربي في نهاية العام الجاري نحو 12 مليار دولار) أما مع سورية فيشير الإعلام الروسي إلى العلاقات التجارية والاقتصادية التي تربط بين البلدين خصوصاً عقود السلاح المربحة، واستثمارات الشركات الروسية في مجالات البنية التحتيّة والطاقة والسياحة السورية، والصادرات الروسية إلى سورية بلغت قيمتها 1.1 مليار دولار في العام 2010م .
ولا ضمانة، أصلا، على بقاء نظام الأسد مسيطرا على مقدرات سورية، ولولا أن روسيا تستشعر جدية الخطر الذي يتعرض له النظام في دمشق لما فتحت حوارا رسميا مع المعارضة السورية، وفي حال نضجت الظروف، وبلغت مرحلة الحسم فإن المصالح هي الأبقى، وهي عرضة للمساومة. وصحيح أن روسيا استخلصت دروسا في الحذر مما جرى في ليبيا، بعد أن رفعت غطاءها عن القذافي، إلا أن ذلك قد يضعها في موقع الأكثر تطلبا لضمانات تحفظ مصالحها، في سورية، ما بعد الأسد.
ومن المهم أن نتذكر أنه، وإن كان لروسيا مطامع في العالم العربي قديمة، وأنها حاولت أن تجد لنفسها موطىء قدم فيه، بعد الحرب العالمية الثانية، وواجهتها الولايات المتحدة فيما عرف بمبدأ ترومان، إلا أن نفوذها لم يتعدَّ كثيرا العلاقات الاقتصادية، وبيع الأسلحة، ولم تنجح في أن تصبح فاعلا سياسيا مهما في القضايا العربية، ولعل من المؤشرات القديمة الحديثة على تواضع الدور الروسي قضية السلام، أو ما يسمى بالصراع العربي الإسرائيلي، فروسيا وإن كانت عضوا في laquo;الرباعية الدوليةraquo; إلا أن تأثيرها محدود مقابل الأمريكي، والأوروبي...
وما ينطبق على روسيا قريب مما ينسحب على الصين الأقل تأثيرا، في المنطقة العربية سياسيا.
فالواضح أن نظام الأسد وحلفاءه الدوليين، والإقليميين، تبعا له، يتخذون موقع الدفاع، بعد أن استهلك الأسد خطابه، وفقدت دعواته للحوار صدقيتها، ولذلك فإن معظم أدواته هي سلبية تخويفية، لا مبادِرة، يخوِّف، ويروِّع بالقتل، وأشباهه، من حصار وسجن، وخطف، وتضييق معيشي... ويخوِّف من دخول الفوضى، ومن حرب أهلية، ويشرئبُّ فرحا، إذا اضطربت جوانبُ الحياة في مصر، أو في ليبيا، ويحذر من حكم ديني متطرف، إذا زال، ثم يحاول شراء الوقت بالتفاوض مع الجامعة العربية حول مقترحاتها، للخروج من الأزمة. وفي حالات أخرى يحذر من عودة الأتراك العثمانيين من بوابة الثورة!
وبعض ما يسوقه من مخاوف ممكن، وبعضها مُهَوَّلٌ فيه، ولكن الاحتقان الداخلي وانفتاح البلد على خيارات التدخل الخارجي يتحمل هو وزره الأكبر.
ومما هو محلُّ تهويل واضح تحوُّل سورية إلى دولة دينية، فلا أحد من القوى المعارضة المنسقة مع الخارج ينادي بدولة دينية، ومثل هذا الأمر محتاج إلى قناعات مسبقة، وإلى تمهيد شعبي.
وكذلك مثله في المبالغة الخطرُ العثماني؛ لأن تركيا اليوم ليست تركيا العثمانية، والعالم غيرُ العالم، ولو أن حكومتها ذات مسحة إسلامية لا تتحول إلى مرجعية سياسية.. وهي تصرح بأنها لا مطامع لها في سورية، وليس هذا بعيدا عن التصديق فقد كانت علاقات أنقرة بدمشق الأسد بلغت المستوى الاستراتيجي، قبل الثورة، ولا يمكن بجرة قلم أن يقبل الشعب السوري، ومعارضوه الحريصون على التماهي معه، بعلاقة تبعية لتركيا، وأما علاقات حسن الجوار والعلاقات التجارية والاقتصادية فقد سبقهم النظام إليها، وفي سبيلها تناسى لواء الإسكندرون، وارتكب ما يجرحُ الكرامة الوطنية!
ولا جدال في أن التدخل الخارجي، ولا سيما العسكري، يبقى مؤلما وخطرا، ولا تزال الدول الغربية والجامعة العربية ترجئه، أو تحاول أن تجعله في نطاق أضيق مما كان في لبيبا لطبيعة الموقع والظروف التي تتموضع فيها سورية.
لكن الفاعلية المضادة لنظام الأسد باتت، اليومَ، أكثر تسارعا، وهو بات أكثر سلبية وافتقارا...
[email protected].