لن يأتي هذا العيد على سورية عاديا، ولن يسهل على السوريين ملامسةُ الفرحة، ولا عيش مراسيم العيد وطقوسه.. للأسف سيظل وقْعُ الفقْدِ، والترقب القَلِق، حاضرا. ولا يبدو أن المشهد المُؤْسي يقترب من نهايته.. فكان الله في عون الشام، وأهل الشام!
من الناحية السياسية تختلف التقديرات للحالة الراهنة، ولا سيما، بعد موافقة نظام الأسد، على المبادرة العربية.. هل كانت طوقَ نجاة للنظام؟ أم أن تلك المبادرة هي الفرصة الأخيرة؟ أو أنها لرفع العتب؟
ومهما كانت التأويلات، فإن ثمة أمورا أكثر وضوحا، وأوسع اتفاقا، بين طرفي الأزمة السورية المستمرة، منذ ثمانية أشهر...
لعل أبرزها عجزُ السلطات عن وقف الاحتجاجات، بالرغم من استفرادها بالمناوئين، ومنعها وسائل الإعلام، وتفرد الإعلام الرسمي بالتغطية، وبالرغم من تماسك المؤسسة الأمنية، واجتهادها في استخدام الوسائل والأساليب القمعية، من قتل، وحظر للتجول، وتقطيعٍ للمدن، والحصار، وقطعٍ للكهرباء، والظروف المعيشية الصعبة التي طالت الغذاء والإسعاف والدواء. هذا فضلا عن السجن والاعتقال.. بالرغم من كل ما ذُكر، وغيره، لم تستطع قوات الأمن إسكاتَ التظاهرات السلمية المصرَّة على إسقاط النظام، ومحاكمة الرئيس..
هذا يدل، على رسوخ حالة الاحتجاج، ومدى التصميم الذي يعادل الأرواح، والحياة، دون أن نزعم أن هذه الحالة هي الشاملة، لكل المدن السورية، والفئات بتنوعاتها.
لكننا لا نملك أن نغمض الأعين عن وضع جديد نشأ في سورية.. ارتفعت فيه المطالب عن الإصلاحات الجزئية، وانعدمت فيه الثقة من جانب المحتجين، تجاه الدولة التي تحكمهم، بما يزيد عن أعمار معظمهم!!

والسؤال الذي يُسأل وسط المحتجين على بقاء النظام، والمفضلين له: هل النظام أهمُّ من البلد ووحدة أبنائه، واستقراره؟
قد يقول المؤيدون له: إنه ليس الأهم، ولكنه الضامن لوحدة البلد واستقراره، وكرامته. وهنا يخرج السؤال الثاني: هل يرى غيرُكم من أبناء وطنكم هذه الرؤية؟

فإذا كان الجواب: لا، وكان قسم كبير من السوريين لا يرى في بشار وطاقمه خيرَ ما أنجبت، وما يمكن أن تنجب سورية؛ فإن انقساما عميقا وكبيرا قد نشأ؛ ذلك أن المطالبين برحيل النظام سلميا، والرائين أنَّ حرية المواطنين وكرامة الوطن ستكون أفضل في نظام منتخب يقوم على المشاركة، وليس على أساطير مبالغٍ فيها، هؤلاء ليسوا أقلية، ولا قناعاتهم هشة، أو نتيجة إملاءات خارجية.
وأما الخوف من التدخل الخارجي فالذي يعززه هو أداء النظام نفسه؛ فالمعارضة السورية تواجه مشكلةً في تقبُّل التدخل الأجنبي، ويطالب البعض، على قدر من الاستحياء، والتردد، بحماية دولية، فالذي يتحمل مسئولية تدهور الأحداث، وحتى تشكُّل قدرٍ من المعارضة المسلحة هو النظام بالدرجة الأولى، فالمناوأة المسلحة كانت ردةَ فعلٍ متواضعة، على ارتفاع وتيرة القتل التي طالت الأطفال، والعزّل. والإمكانات التَّسليحية التي يملكها هؤلاء المنشقون لا تقارن بإمكانات النظام الذي يتحكم في مقدرات البلد لصالح فئة متسلطة، تحتكر القرار، والوطنية!!
فإذا تذكرنا أن (بشار الأسد)، ومِنْ قبله والده لم يتربعا على عرش سورية؛ نتيجة انتخابات حرة ونزيهة، وأنَّ الرئيس الحالي مشكَّكٌ جدا في شرعيته الدستورية؛ فهو وريث حكم جمهوري، بالتفصيل، على المقاس الخاص، فإن مناداة إخوانكم في الوطن بإعادة الأمور إلى نصابها واستشارة الشعب فيمن يريده حاكما يلبي طموحاته، ويعبر عن إرادته أمر مشروع، ويعد مخرجا من الأزمة؛ فلا توجد وصفة ناجزة، ولا شكل للحكم خاص، وها هي تونس، بعد أن عانت مخاضا وحراكا خرجت إلى انتاخابات هادئة ونقية...

ومن الأمور الواضحة، وقد يتفق عليها الجميع، أنَّ النظام في سورية ليس النموذج الأكمل للحكم، وأنه يشترك مع سائر النظم البوليسية، وأنه لم (يفكر) في (الإصلاح) التنفيسي الترقيعي إلا تحت ضغط التظاهرات، وكأنَّ الإصلاح تنازلٌ يدفع النظام ثمنه، ولا يقدمه إلا بالاحتجاج الذي قد يفضي إلى الموت!
ولا تملك أطرافٌ خارجية حلولا تنوب عن الحل الداخلي؛ فمبادرة الجامعة العربية مبادرة تهدئة، وليست مبادرة حل.. تحاول تهيئة الأجواء داخليا، وبين طرفي الخلاف الرئيسيين: النظام والمعارضة، أو المجلس الوطني؛ للتوصل إلى حل.. لكن الأمور في الداخل، وبين النظام والمعارضة أشبه بالبيت القائل:
quot; إنَّ القلوبَ، إذا تنافَرَ ودُّها/ مثلُ الزجاجِ، كسرُها لا يُجبرُquot;

فبعد هذا القدر من الدم المسفوح، وبعد كل تلك الاعتداءات المادية والمعنوية، يصعب أن تستمر دولة، أو أن تستقيم أمور مجتمع، ولا ننسى حالة الكبت والخوف التي تحول دون خروج الآلاف من الناس في كل أنحاء سورية، ومنها دمشق، وحلب، فقد خرجت في دمشق، مثلا، مظاهرات من مثقفين وفنانين فما كان لها إلا القمع والترويع، ولم يسمح النظام بأية تظاهرات سلمية أن تخرج، كما يهيء، وأحيانا، يُجبِر، الناس على الخروج؛ لتأييده!!!
فحتى نحكم، ونكون منصفين، وغير انتقائيين، يجب أن يمتلك النظامُ الجرأة والمسئولية، ويسمح بالتظاهر السلمي، في كل المدن والتجمعات السورية، بلا تخويف، أو (شبِّيحة) أو اتهامات جاهزة.. وهذه تعادل استفتاء على النظام، وليَسْمَح بوسائل إعلام غير وسائله بالتغطية؛ للتحقق من روايات مفجعة، ومنها ما نقلته، البي بي سي، الجمعة(4/11) عن مصادر:quot; أن المشفى الوطني في حمص تسلم خلال الـ 48 ساعة الأخيرة أكثر من مئة جثة من المدنيين....
ونقلت وكالة رويترز للأنباء عن شاهد عيان في حمص قوله quot;إنه شاهد عشرات من جثث المدنيين في المستشفى الوطني الذي تسيطر عليه قوات الأمنquot;
فإذا كان هذا صحيحا، بعد التعهد بسحب الجيش، والسماح بالتظاهر، فعن أية مبادرة نتحدث؟! وإذا لم يكن صحيحا فلتسمح السلطات بنقل الصورة، ولتُثبتْ صدق نواياها، وتسمح بالتظاهرات السلمية؛ حتى لا يكون الشعبُ، على وجه هذا العيد، قربانا للنظام !
[email protected].