فوز حركة النهضة التونسية الإسلامية بنحو أربعين في المئة من مقاعد المجلس التأسيسي، وإعلان رئيس المجلس الانتقالي الليبي، مصطفى عبد الجليل، أن ليبيا المحررة ستعتمد الشريعة الإسلامية مصدرا لقوانينها ربما يثير التساؤلات حول المدى الذي سيذهب إليه البلدان في العلاقة بالإسلام.

كان القبول الغربي، والأمريكي لهذا الحراك العربي، مع ما ينطوي عليه، من احتمالات تعزيز مكانة الإسلاميين، علامةً على انفتاح غربي على هذا الخيار، لكنه بالتأكيد ليس إسلامَ القاعدة، ولا الخطاب الراديكالي الذي يعادي الغرب، ويعمل على استئصاله، فكريا، ومَصْلحيا، وسياسيا...إنه الخطاب الذي يحترم قواعد اللعبة العالمية، لكن المحددات ليست فقط خارجية، فلا بد من أن يتوفر هذا الخطاب الإسلامي على عناصر توافقية ديمقراطية داخلية، لا تستفرد بالقوانين، ولا تُؤَسْلِم الحياة، وتقصي التيارات الفكرية الأخرى، ومن هنا كان التحذير الغربي بعد تصريحات عبد الجليل التي أعلن فيها أن القوانين التي تخالف الشريعة ستعتبر لاغية، ومنها القوانين التي كانت تحظر تعدد الزوجات... فعاد، وحاول تلطيف تلك التصريحات بالتأكيد على احترام حقوق الإنسان، وغيرها من الحريات.

وبالرغم من اختلاف الحالة التونسية عن الليبية (في ليبيا ثمة تأثير للطابع القبلي التي، وإن كانت ثمة تجليات سياسية تحاول تجاوزها، فإنه ليس من السهل تجاهل تأثيراتها على الجوانب الاجتماعية، والعرفية) فإن ثمة مشتركا يتعلق بوجود تأييد شعبي للأطروحات الإسلامية، وقد عبرت عن ذلك، في تونس، نتائج الانتخابات، وفي ليبيا كان المتدينون في أوساط الثوار الميدانيين نسبة غالبة.

وتتعامل أمريكا والغرب،عموما، مع هذه القوى المعتدلة، بواقعية، ما دامت تنبذ العنف، وتحترم التعددية، ولا تكتفي من الديمقراطية بالعبور إلى الاستحواذ على السلطة، وتعمل أمريكا والغرب، على تقوية مؤسسات الدولة، ومنظمات المجتمع المدني، وتراقب بيقظة أداء هذه الجماعات، في الحكم، وفيما يتعلق بحقوق المرأة.

وفيما يتعلق بحركة النهضة فقد أكد قادتها على احترام الديمقراطية والتعددية الفكرية، وطمأنوا المرأة إلى الحفاظ على المكانة التي بلغتها في تونس، وقد بارك الاتحاد الأوروبي لها هذا الفوز.
وأما الوضع في ليبيا فلا يزال غير واضح، ولا مبلور من جهة المدى الذي سيبلغه الإسلاميون في الدولة، والمدى الذي سيصلون إليه في تطبيق الشريعة، أو تعاطيهم معها، لكن لا يبدو أنهم يتجهون إلى صدام مع الغرب.

ولا يخفى أن الولايات المتحدة، وقد سلمت بتغير طبيعة الحكم في تلك البلاد (الثائرة) كتونس، ومصر، وليبيا، وغيرها، لن تتشدد في وصول إسلاميين إلى الحكم، بالمشاركة مع غيرهم من التيارات الفكرية والسياسية، ما دامت هذه التركيبة الأقرب إلى الديمقراطية ستوفر قدرا أكبر من الاستقرار، ولن يؤثر جوهريا، على خريطة المنطقة، وفي صلبها إسرائيل، ولكن المرجح أن الإدارة الأمريكية لن تضع موافقة إسرائيل،ـ والموالين لها، في الكونغرس، عقبة أمام تطبيع العلاقة مع الإسلاميين المعتدلين الذين لا يتوقع منهم، كذلك، أن يدعوا إلى نقض المعاهدات الموقعة معها، كما في مصر، أو التواضعات غير المشتملة على الخيار العسكري، كما في ليبيا، وتونس.

فالوضع في المنطقة غير ناضج لدعوة تلك الحركات الإسلامية المرشحة للحكم، للاعتراف الصريح بإسرائيل، كما لم تفعل النظم البائدة، من قبلها، فهي أولى بترك هذا الاعتراف، ولا سيما وقاعدتها الشعبية لا تتقبل ذلك، وخصوصا في ظل حكومة نتنياهو واليمين المتطرف....وقد قبلت أمريكا من حركات ذات مرجعيات إسلامية في العراق، مثلا، المشاركة في الحكم، دون اشتراطات من هذا القبيل.

كما تفهت(ولو ضِمْناً)، وهذا أوضح، من حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، تصعيدَه الملحوظ، ضد حكومة نتنياهو. وأبقت واشنطن،على تحالفها مع أنقرة، وتعاونها، في الملفات المهمة، كالعراق، وسورية.

ولعل الأقرب إلى البرغماتية والحكمة من الجانب الأمريكي، والغربي، السماح بمثل هذه القوى المعتدلة بالدخول إلى الحياة السياسية، والاندماج في العلاقات الدولية، مع (تهذيبات معينة) على أن تكبتها؛ فتتولد ردَّات فعل عنيفة، وأهم من ذلك تفقد أمريكا والغرب، حبل التواصل مع هذه البلدان المهمة لها، اقتصاديا، وسياسيا، وجيبوليتيكيا.. ما دام التأثير الإسلامي لا يقلب المعادلة السياسية داخليا، ولا خارجيا.
[email protected].