في تصنيف هو الأول من نوعه، أجرت منظمة quot;اليونسكوquot; قبل أيام quot;استبيانquot; حول أكثر الدول التي يخشي فيها الفلاسفة علي حياتهم، وذلك بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة. حيث يجري الاحتفال بهذا اليوم عادة في الخميس الثالث من شهر نوفمبر كل عام، وهو تقليد أقرته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة quot;اليونسكوquot; عام 2002، ويتم اختيار إحدي الدول الأعضاء في المنظمة لإجراء هذا الاحتفال، بهدف تشجيع تقاسم مختلف مصادر الإرث الفلسفي عبر العالم، وإثارة النقاش بشأن التحديات التي تواجه مجتمعاتنا الإنسانية.
تصدرت إيران قائمة هذه الدول بالإجماع، وبشهادات موثقة من الفلاسفة العالميين أنفسهم. فقد أعلن مرشد الثورة علي خامنئي مرارا وتكرارا: أن الفلسفة خطر، وأنه سيحذف كل أعمال الفلسفة الغربية من المقررات الجامعية في إطار ثورة ثقافية شاملة. خامنئي يخشي علي شباب إيران من quot;إغواء الفلسفةquot;، وعلي خلفية هذه المخاوف وجهت السلطات الإيرانية ndash; في الألفية الثالثة - إلي الفيلسوف الإيراني quot;سعيد هاجاريانquot; نفس التهمة التي وجهت إلي الفيلسوف اليوناني (سقراط) قبل الميلاد، وهي إفساد عقول الشباب، لكن حظ هاجاريان كان أفضل من سقراط، لأنه لم يعدم حتي الآن وإنما اكتفي النظام الإيراني بإصابته بعاهة مستديمة أثر محاولة اعتقال فاشلة، واضطر هاجاريان إلي الاعتذار في محاكمة صورية العام الماضي، بعد أن اعترف بأنه قرأ بالفعل مع طلابه بعض المؤلفات الفلسفية وأغواهم (بالتفكير).

السلطات الإيرانية سبق أن أعتقلت الفيلسوف الإيراني quot;رامين جهانبكلوquot; عام 2006، وهو من أبرز رواد الحوار بين الثقافات في العالم. تهمة جهانبكلو هي (التخابر) مع فلاسفة غربيين، فقد دعا شيخ الفلاسفة في العالم يورجن هابرماس ومعه الفيلسوفان ريتشارد رورتي وأنطونيو نيجري لزيارة إيران.
إيران أنجبت نخبة من ألمع الفلاسفة المعاصرين، يكفي أن أذكر منهم علي سبيل المثال لا الحصر، الفيلسوف محمد شبستري، المتخصص في فلسفة هانس-جورج جادامر (1990-2002) والنمساوي لودفيج فيتجنشتين (1889-1951)، والذي أُجبر علي التقاعد. فضلا عن البروفيسور محسن كاديفار، الذي يقيم حالياً في الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن أدانه النظام الإيراني (بالهرطقة).

هذا الوضع المأساوي لم يكن موجودا في عهد الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، فقد حضر إلي طهران العديد من الفلاسفة الغربيين للتحاور حول قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهو ما أثمر في النهاية عن فكرة (حوار الحضارات) التي بدأ التفكير فيها بشكل جدي، مما دفع هابرماس إلي صياغة اشكالية quot;عدم التكافؤ في علاقات الفهم المشتركquot; بين الغرب والإيرانيين، لأن الايرانيين يملكون اهتماما جوهريا بالخطاب الفلسفي الغربي علي عكس اهتمام الفلاسفة الغربيين بالفلسفة الإيرانية.

هابرماس يقف اليوم في الجهة المقابلة مع شيلا بن حبيب ورامين جهانبكلو، الذي وجه رسالة احتجاج إلي منظمة اليونسكو العام الماضي 2010 حين أختارت اليونسكو علي سبيل الخطأ إيران لإنعقاد المؤتمر الدولي في اليوم العالمي للفلسفة. فقد هدد هابرماس في رسالته إلي أنهم سيعقدون بمشاركة مثقفين إيرانيين آخرين، يعيشون في المنفي بسبب معارضتهم للنظام، مؤتمراً صحفياً في نيويورك لفضح تجاوزات طهران في مجال حقوق الإنسان واحتقارها للفلسفة واضطهادها للفلاسفة.

اللافت للنظر أنه رغم المنع والمطاردة والصاق التهم من وزن (الإغواء والتخابر والهرطقة)، فإن الفلسفة في إيران تلقي رواجاً كبيراً لدي الشباب، خاصة أعمال هابرماس وحنة أراندت وميشيل فوكو وجاك دريدا وريتشارد رورتي وغيرهم، ليس من باب (الممنوع مرغوب) وإنما باعتبارها أحد أشكال المعارضة للايديولوجيا السياسية، وسلاح المقاومة ضد التعصب الديني، وتلك من أهم مميزات الفلسفة في كل زمان ومكان.

[email protected]