لم ينص الدستور الأمريكي علي اللغة الرسمية للدولة، فقد أصبحت اللغة الانجليزية لغة سائدة ووسيلة للتواصل بين شعوب الولايات المتحدة لأنها أكثر اللغات تقدما وأوسعها شيوعا، على المستوي العالمي، بين كل اللغات التي كان يتحدث بها المهاجرون مثل: الهولندية والألمانية والإيطالية والإسبانية ولغات أهل الشمال الاسكندنافي.
وبالتالي باتت اللغة الانجليزية وسيطا لصهر كل الثقافات الوافدة في بوتقة واحدة، مما سهل عملية التمازج، وأفسح الطريق أمام quot;المواطنة الديموقراطيةquot;، وهكذا أصبحت quot;الليبراليةquot; التي تعني التعدد والتنوع الثقافي في ظل المساواة السياسية، هي أهم ما يميز أمريكا.
لم تجابه أمريكا، كغيرها من الدول quot; مشكلة الأقليات quot; التي نعاني منها في الشرق الأوسط، خاصة بعد ثورات الربيع العربي أو قل الخريف العربي (سيان). أقول quot;مشكلة الأقلياتquot; لأن تعبير الأقلية، في الأدب السياسي والدستوري، يشير إلى مجموعة غريبة تعيش في حمى وطن أو قوم يرعونها وهي، بالضرورة، منقوصة الحقوق والواجبات، أما في الدول الديمقراطية الليبرالية، التي يتميز دستورها بالمساواة، نصا وفعلا، بين مواطنيها جميعا، فإن هذا التعبير لا يعني شيئا علي الاطلاق.
فأنت لا تستطيع علي سبيل المثال أن تتحدث عن الأقلية الزنجية في أمريكا، فهؤلاء أصحاب حق في الأرض لهم ما لأهلها كلهم من حقوق وعليهم ما على أهلها جميعا من واجبات، ومنهم جاء quot;باراك حسين أوباماquot; رئيسا للولايات المتحدة.
quot;خطورةquot; الديموقراطية التي تحكمها الأغلبية ولا تقوم على أساس ليبرالي، أنها تعرقل تحرر الأفراد والمجتمعات وتضيع حقوق الأقليات، وبالتالي لابد وأن تستند الديموقراطية إلي دستور مدني (ليبرالي) يحقق المواطنة الكاملة والمساواة بين جميع المواطنين.
لكن يبدو أن تجاهل quot;مشكلة الأقلياتquot; في الشرق الأوسط، في خضم الثورات والاضطرابات التي تموج بها المنطقة، بات يهدد الأمن والسلام في العالم والمنطقة بالتقسيم، حيث تتواجد جميع أنواع الأقليات كالأقباط في مصر والجنوبيون في السودان والأشوريين والكلدان والسريان والمارون والأرمن والأكراد والبربر وغيرهم في كل من العراق وتركيا وإيران وسوريا ولبنان والمغرب الكبير.
نحن أمام سيناريوهات ثلاث محتملة بالنسبة لمشكلة الأقليات في هذه المنطقة، تتمثل في: تغيير الجغرافيا بالتقسيم أو تعديل الحدود، وإما بتغيير البشر بالانصهار القسري أو الإبادة أو الهجرة، وإما تغيير المؤسسات بجعلها اكثر ديمقراطية اعتمادا على فكرة المواطنة الديمقراطية الليبرالية.
هذا السيناريو الثالث ليس هو الحل لمشكلة الأقليات فقط بل وللمنطقة والعالم أيضا، لأن الديمقراطية الليبرالية التي تؤمن quot;بالتعدديةquot; تعني إشراك جميع أطياف المجتمع ومختلف تياراته السياسية وقواه الفاعلة في صنع القرار وفي الحياة السياسية، و بالتالي لا تسمح بأن يتحول الصراع الطبيعي داخل المجتمع إلي quot;العنفquot; خارج الشرعية أو إلى صراع على طريق الحرب الأهلية.
من هنا فإن التيار الليبرالي هو الأكثر قدرة اليوم على التعامل مع (تحديات) المرحلة الراهنة، ومع ملف الطائفية والقبائلية والعشائرية التي يفرض نفسه بقوة، فضلا عن أنه التيار الأكثر موضوعية وحيادية كون منطلقاته الفلسفية والنظرية غير دينية أو مذهبية، وهو التيار الوحيد الذي له مصداقية أخلاقية عالية، تفتقدها أغلب الأنظمة السياسية السابقة والتيارات الإسلامية الحالية علي السواء، ناهيك عن ان الكيمياء العالمية في القرن الحادي والعشرين، تتجه نحو التعددية والاختلاف بعد سقوط الشمولية والأحادية والمطلقية.
إن أفكار العدالة الاجتماعية والحريات السياسية، ومفاهيم المواطنة والمساواة وأحترام سيادة القانون والدولة المدنية، هي أهم مقومات الليبرالية، التي دعمت حرية الاعتقاد والأديان، ومنظومة الحريات والحقوق الإنسانية، في مقابل منطق المنع والانغلاق الديني.
لكن يبدو أن التحول الديمقراطي (غير الليبرالي) في الشرق الأوسط، الذي تلح عليه إدارة أوباما اليوم : هو قول quot; حق يراد به باطل quot;، لأن هذا التحول سيلغي quot; الديمقراطية quot; بسلاح quot; الديمقراطية quot;، مثلما فعل quot; هتلر quot; حين وصل عن طريق الديمقراطية في ألمانيا النازية وquot; موسوليني quot; في إيطاليا الفاشية والإسلاميين في معظم دول آسيا وأفريقيا.
هذا من ناحية، من ناحية أخري فإن المتابع لمواقف الولايات المتحدة من الديمقراطية الليبرالية في الشرق الأوسط، يكتشف أنها لم تدعم أبدا quot; الليبرالية quot; في المنطقة، بل إن الأفراد الذين تظاهرت أمريكا بمناصرتهم، شخصيات هي بالصدفة quot; ليبرالية quot;، لكنها لم تسعي أبدا إلي خلق quot; توجه ليبرالي quot; أو تيار ليبرالي يتجذر في المنطقة. وبينما نجح الاتحاد السوفييتي السابق في نشر عقيدته quot; الشيوعية quot; في العالم العربي منذ الخمسينيات من القرن العشرين، ونجحت الجمهورية الإسلامية الإيرانية في تصدير أفكارها ونشرها في المنطقة بعد عام 1979، فشلت الولايات المتحدة في نشر الديمقراطية الليبرالية سواء بالقوة الناعمة أو القوة العسكرية ...
وهو ما يضع العديد من علامات الاستفهام حول ما الذي يقصده quot; أوباما quot; اليوم بالتحول الديمقراطي في الشرق الأوسط؟
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات