quot; القتل علي الهوية quot; هو أهم توصيف أطلق علي quot;مذبحة ماسبيروquot; الدموية التي خطط لها ونفذها المجلس العسكري الحاكم، وهو مؤشر خطير علي تغيير خريطة مصر وجغرافيتها في السنوات القليلة القادمة، إذ سيصبح الحديث عن التقسيم وتغيير الحدود والتدخل الخارجي، الذي لن تسلم منه دولة في منطقة الشرق الأوسط، من الأمور المألوفة والمعتادة في أدبيات السياسة والإعلام ومراكز الأبحاث والدراسات.
طريقة إدارة المجلس العسكري للملف القبطي بعد ثورة 25 يناير 2011 من هدم الكنائس في أطفيح مرورا بإمبابة والماريناب بأدفو، وأنتهاء بإطلاق الرصاص الحي المحرم دوليا ضد المتظاهرين الأقباط العزل في ماسبيرو ودهسهم بالمدرعات، لا يكشف ndash; كما يردد البعض الآن - عن عجز المجلس العسكري في إدارة شئون البلاد، وإنما مشاركته ndash; عن وعي وقصد وإصرار - في زعزعة استقرار البلاد وهدم أمنها القومي، وكأنه يقود مصر بنفسه نحو خطة quot; التقسيم quot; بالفعل.
أولا : لا تستطيع موجات تسونامي في quot; تكفير الاقباط quot; قبل quot; مذبحة ماسبيرو quot; مباشرة، أن تنطلق دون موافقة ومباركة quot; ولي الأمر quot; أو المجلس العسكري الحاكم الذي يدير المرحلة الانتقالية حاليا : ليس الأمر قاصرا علي مشايخ الإرهاب وقيادات الجماعات الإسلامية المتطرفة بل تخطت ذلك إلي شيخ الأزهر نفسه ومفتي الديار المصرية وكبار الإخوان المسلمين فضلا عن السلفيين، وكأن هناك منافسة مستعرة علي الفوز بأسبقية (قص الحبل السري) الذي يربط المصريين جميعا برحم الوطن.
ثانيا : هناك استراتيجية إعلامية رسمية حرضت ndash; ولاتزال تحرض- المصريين ضد الأقباط وتبث مشاعر الكراهية والعنف، لا يمكن أختزالها في خطأ مذيعة أو حتي وزير الإعلام، فالكل ينفذ سياسة عليا ممنهجة : تمنع بعض المقالات وتنزع الصفحات من المطبوعات قبل صدورها بساعات، بل وتقتحم القنوات الفضائية الخاصة علي الهواء مباشرة وتهدد بإغلاق بعضها الآخر، ناهيك عن الهجمة الشرسة علي منظمات المجتمع المدني، ووضع العراقيل أمام التحول الديمقراطي وتداول السلطة سلميا، فضلا عن إهدار حقوق الإنسان وتهميش مؤسسات الدولة وإقصاءها بإستثناء حكومة quot; شرف quot; الضعيفة.
ثالثا : الأقباط أصبحوا علي موعد مع تصاعد العنف الدموي ضدهم، وحادث القتل البشع للطالب المسيحي الذي أرتكبه ثلاثة عشر طالبا مسلما بالمدرسة الثانوية التجريبة بquot; ملوي quot; محافظة المنيا قبل يومين، هو نتيجة طبيعية للشحن الطائفي المتزايد والقتل علي quot; الهوية quot; الذي يمارس ضد الأقباط منذ السبعينيات من القرن العشرين وحتي اليوم. الجديد هو أن مسلسل quot; العنف الدموي quot; بعد (مذبحة ماسبيرو) يستدعي فكرة (التقسيم) مباشرة كحل (لوقف العنف)، ومثلما نجح تقسيم يوغسلافيا السابقة بعد الحرب علي صربيا وقيام دولة quot; كوسوفو quot; في وقف العنف في العقد الأخير من القرن العشرين، سينجح quot; تقسيم quot; مصر بالمثل في وقف العنف ضد الأقباط .
رابعا : لقد شاهدنا في غضون سنوات قلائل دولاً مثل laquo;الاتحاد السوفيتيraquo; و laquo;يوغوسلافياraquo; تختفي وتتلاشي بينما وجدنا دولاً جديدة (حوالي عشرين دولة) تظهر وتبزغ علي المسرح العالمي، ومعظمها
خرج من عباءة دول كبيرة لتعلن عن هويتها. إن الموجة الجديدة من انفصال quot; الهويات quot; و(الدول) في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين بدأت بquot; جنوب السودان quot; ومخطط له أن يشمل : مصر وليبيا والصومال وكوت ديفوار ونيجيريا في أفريقيا، والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن في آسيا، حيث تولد مجموعة جديدة من الدول في الأسرة الدولية.
خامسا : أن quot; القتل علي الهوية quot; سواء في صورة تطهير ديني أم تطهير عرقي، يصنف تحت ما يعرف ب(حرب) ما بعد الحرب الباردة، وهي عبارة صيغت في عهد الدكتور بطرس غالي الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، الذي أعلن وهو علي رأس المنظمة الأممية: quot; أن الدول المستقلة أختفت من العالم تقريبا quot;، ولا حديث بعد اليوم عن داخل وخارج، أو تدخل خارجي في الشؤون الداخلية للدول. كما صدر في عام 1999 تقرير دولي عن الأمم المتحدة، دشن مرحلة جديدة في النظام العالمي، جاء فيه: quot; ان التدخل العسكري يمكن أن يصبح ضروريا لمنع عمليات إبادة جماعية أو (تطهير عرقي - ديني) واسع النطاق أو طرد قسري أو ترويع واسع المدي أو اغتصاب مدنيينquot;.
سادسا : بينما يسعي المجلس العسكري الحاكم بكل السبل إلي إسترضاء (أمريكا وإسرائيل) علي حساب مصلحة الوطن ووحدته ولحمته، عن طريق تبادل الأسري تارة والجواسيس تارة أخري. فإن إعلان واشنطن عن استعدادها لإرسال قوات أمريكية لحماية الكنائس المصرية، وقلق الأتحاد الأوروبي على وضع الأقباط في مصر، ينبغي أن يؤخذ علي محمل الجد (حتي لو تراجعت وزيرة الخارجية الأمريكية عن تصريحاتها الموثقة) لأنه في لحظة لن يتوقعها أحد ينقلب (القول) إلى (فعل)، فقد تدخل حلف الناتو في كوسوفو عام 1999، وتدخلت بريطانيا عسكريا في سيراليون عام 2000 دون موافقة مجلس الأمن، ليبدأ عهدا جديدا شعاره : أنquot; القتل علي الهوية quot; يعلو علي (الشرعية) و(السيادة) في القرن الحادي والعشرين.

[email protected]