أعترف أنني من أشد المعجبين بالمرشد العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين quot; مهدي عاكف quot;، لما يتميز به من خصال شخصية، أهمها البساطة والاتساق مع النفس والصدق مع الآخرين ووضوح الرؤية وخفة الدم أيضا، وهي خصال قل أن تجدها في معظم المنتمين للجماعة (أو المتعاطفين معها) منذ نشأتها عام 1928 وحتي اليوم.
لذلك كنت من أشد المعارضين للحملة الشرسة التي تعرض لها الرجل، حين قال في حوار صحفي (نشر في روز اليوسف) مع الكاتب المتميز quot; سعيد شعيب quot; : quot; طظ في مصر وأبو مصر واللي في مصر quot;، وصدر حديثا في كتاب عن دار quot;صفصافة quot; بعنوان quot;حوار الطظ.. خطايا الإخوان المسلمين quot;، لأنه في الواقع قال quot; الصدق quot; ولم (يجمل كلامه) أو (يكذب) كغيره ممن يجيدون التلاعب بالألفاظ وquot; المراوغة quot; بالكلمات، كجزء أصيل من (خداعهم السياسي).
لم يقصد الرجل إهانة quot; مصر quot; علي الإطلاق، حين قال بأنه : لا يمانع في أن يأتي شخص من أي بلد إسلامي آخر ليحكمها، ذلك لأن الإسلام في عقيدة الجماعة هو : دين و(وطن) ودستور، ومن ثم فإنهم ضد فكرة quot; الوطن quot; وquot; المواطنة quot; بالمفهوم الحديث، وضد فكرة المساواة : (الرجل والمرأة... والمؤمن وغير المؤمن) في المشاركة في الحياة السياسية، لأن مصلحة (الأمة الاسلامية) تعلو علي مصلحة (الوطن).
وحسب عقيدة : البراء والولاء والصفاء، فإن المسلم الماليزي أفضل من المسيحي المصري في (حكم مصر)، وأن المسلم الباكستاني أقرب للمسلم المصري من المسيحي المصري، وهو ما قاله الشيخ صلاح أبو اسماعيل أيضا في السبعينيات من القرن العشرين : المسلم الأفغاني أقرب إلي من القبطي المصري، وهو بالمناسبة والد (حازم) صلاح أبو إسماعيل المرشح المحتمل القادم لرئاسة مصر.
الإخوان المسلمون في كل البلاد العربية يفضلون الانتماء الى الامة الاسلامية أكثر من الإنتماء الى الأوطان، كما أن الأهداف الاستراتيجية التي يطرحونها (عابرة) للأوطان، وإن شئت الدقة، (محطمة) للأوطان في أغلب الأحيان، حتي يتحقق حلم quot; الخلافة الإسلامية quot; أو quot;النظام الاسلاميquot; في العالم.
ولخص quot; سعيد حوى quot;، أحد أبرز قادة الإخوان المسلمين في سوريا، في كتابه quot;جند اللهquot; هذه الأهداف الاستراتيجية التوسعية، حين قال : quot;ان على المسلمين في كل قطر أن يكونوا يدا واحدة، وهذه فريضة، وأن تكون لهم قيادة واحدة، وهذه فريضة، وأن يعدوا العدة كاملة لقيام حكم إسلامي، ولإستئصال كل ما عداه، وهذه فريضة، وأن يمدوا أيديهم لإخوانهم في الأقطار الأخرى، وهذه فريضة، وأن يقيموا وحدتهم، وهذه فريضة، وأن يوجدوا خليفتهم، وهذه فريضة، وأن يعبئوا طاقتهم، وهذه فريضة، وأن ينشروا الإسلام في العالم كله، وهذه فريضةquot;. (ص413).
ويكشف تاريخ الإخوان المسلمين quot; خطابهم المزدوج quot;، والظهور بوجوه متعددة وركوب أي موجة تمكنهم من الوصول إلى أهدافهم، فهم ينطقون بعدة ألسن، يقدمون خطاباً للغرب مداهناً متملقاً، وآخر مناقضاً ومحرضاً لأبناء دينهم في بلدانهم، أحياناً تخفق قيادتهم والوجوه البارزة منهم في المحافظة على هذا الفصل في خطابهم بين هذين المستويين، ومع ذلك يظل quot; مهدي عاكف quot; استثناء فريدا ونادرا في هذا التاريخ.
في افتتاح المقر الجديد لجماعة الإخوان المسلمين بمدينة كفر الدوار (دلتا مصر) يوم الجمعة الماضي، قال quot; عاكف quot; : إنه إذا تولى الإخوان الحكم الآن فى مصر فإنهم لن يملكون حلولا سحرية لحل مشكلات البلد وذلك ينطبق على أى فصيل سياسى آخر، لأن مصر الآن ضعيفة وواهية. وأضاف : أن quot;عبد المنعم أبو الفتوح quot; عضو مجلس شورى الجماعة السابق، خالف قرار الجماعة وأعلن الترشح لانتخابات الرئاسة.
الجماعة اتخذت هذا القرار ndash; حسب عاكف - لمصلحة مصر ولحبهم لها، لأنها الآن ضعيفة فى الاقتصاد والتعليم والسياحة، وحينما يتولى الإخوان المسلمون السلطة فى مصر بهذا الحال يبقى بلاء جديد على مصر، أما حينما تنهض مصر فى كافة المجالات فمن الممكن أن يحكم الإخوان، لأننا فى هذه الحالة ndash; كما يقول - نعتمد على أنفسنا وقوتنا، أما الآن فنحن نشارك الناس فى نهضة مصر لا يمكن الآن لأى فئة من فئات الأمة أن تحكم مصر وحدها، لافتا إلى أنه بهذا القرار الذى اتخذه أبو الفتوح : quot; ليس منا ولسنا منه quot;.
quot; أبو الفتوح quot; أحرج الإخوان ndash; وأظهرquot; انتهازيتهم quot; الفجة أمام العالم ndash; وquot; عاكف quot; بصراحته الزائدة عن الحد (أكد) هذا الحرج وكشف المستور، لأن الإخوان يفضلون في المرحلة الراهنة ركوب الموجة والتصرف وفقا لمبدأ : quot; كلما زادت الأوضاع سوءا، كلما كان ذلك أفضل للجماعة quot;، وبالتالي هم لن يغامروا أبدا بحكم مصر في هذه الظروف الاقتصادية الكارثية، حتي لا يخسروا مكتسباتهم التي حققوها منذ السبعينيات من القرن الماضي وحتي سقوط نظام مبارك 2011.
هم يعلمون علم اليقين أن تمركزهم في خانة quot; المعارضة quot; هو أفضل المراكز وأأمنها حاليا، لأن التغلب على الصعوبات الاقتصادية مستحيلا خلال العقود القادمة، وأن فرحة المصريين بثورة 25 يناير ستنقلب إلى quot; كابوس quot; مدمر وغضب عارم سينفجر (حتما) في وجه من يتقلد الحكم في مصر.
ان الإلحاح علي شعار : quot; الإسلام هو الحل quot; وهم في موقع quot; المعارضة quot;، يتابعون من الشاطئ البلد وهي تغرق في دوامات وأمواج متلاطمة، سيمكن الإخوان المسلمين من الإجهاز علي نظام الحكم (شبه العلماني) نهائيا، وتحويل مصربسهولة إلى نظام الحكم الإسلامي المنشود.

[email protected]