في الخطاب الملكي السنوي لأعمال السنة الثالثة من الدورة الخامسة لمجلس الشورى (25 سبتمبر 2011)، أمر العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز بمشاركة المرأة في عضوية مجلس الشورى المقبلة إضافة إلى ترشيحها في المجالس البلدية، وقال: quot;قررنا مشاركة المرأة عضواً في مجلس الشورى، اعتباراً من الدورة القادمة وفق الضوابط الشرعيةquot;.
وأضاف، quot;ان هذا القرار جاء بعد التشاور مع كثير من علمائنا في هيئة كبار العلماء، وآخرين من خارجها، والذين استحسنوا هذا التوجه، وأيدوهquot;، مؤكداً رفضه تهميش دور المرأة في المجتمع السعودي في كل مجال عملquot;.
مجلس الشورى السعودي هو هيئة استشارية تأسست سنة 1993، يبدي الرأي في السياسات العامة للدولة التي تحال إليه من رئيس مجلس الوزراء، وله صلاحية مناقشة الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ودراسة الأنظمة واللوائح والمعاهدات والاتفاقيات الدولية، وكذلك مناقشة التقارير السنوية المقدمة من الوزارات والأجهزة الحكومية وإبداء الاقتراحات حيالها.
أما المجالس البلدية فهي مجالس استشارية أيضا، ومجال خصب لممارسة اللعبة الديمقراطية من خلال عملية الانتخابات، وهذا في حد ذاته تطور جديد بإتجاه الديمقراطية سيزداد مع الوقت، حتى تصبح لهذه المجالس البلدية صلاحيات كاملة في إدارة مناطقها، مثل حق التصرف في الميزانيات، أو أن يكون رئيس هذه المجالس مستقلا، لا يؤتمر من الدولة، حتي تكون الكلمة الفصل (في النهاية) للشعب عبر حكومات محلية مصغرة.
ما حدث ndash; ولا يزال يحدث = في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي علي وجه الخصوص، من quot; ثورات quot; سواء سميت بquot; الربيع العربي quot; أو أطلق عليها البعض quot; الخريف العربي quot;، يحمل رسالة مهمة إلي كل من يعنيه الأمر، تتلخص في كلمتين أثنتين بينها quot; أو quot;: (تجدد أو تبدد). لأن quot; عدوي الثورات quot; آتية لا ريب فيها وهي تتحور الآن لتأخذ أشكالا مختلفة وغير مسبوقة، والنظم المرنة (العاقلة) هي التي لا ترغب في التبدد أو السقوط، وبالتالي فهي تسعي جاهدة وفي (الوقت المناسب) إلي تجديد نفسها وquot;تطعيمquot; سلطتها بعدد من القرارات والقوانين (الجديدة).
مشاركة المرأة في عضوية مجلس الشورى المقبلة إضافة إلى ترشيحها في المجالس البلدية، خطوة مهمة علي الطريق الصحيح، رغم أن سقف مطالب المرأة السعودية ndash; ومعها كل الحق - يتجاوز هذا الأمر الملكي بمراحل، يتجاوز عملية الترشيح والانتخاب وكافة أشكال وآليات quot; الحقوق السياسية quot; إلي جوهر quot; الحقوق الأساسية quot; ذاتها، بإعتبارها (إنسان) كامل الأهلية وليست كائنا ناقصا، كالمساواة مع الرجل في quot; العمل quot; وفي المناصب المختلفة، ناهيك عن أبسط حقوقها الأساسية مثل (قيادة السيارة).
أتفهم جيدا كلام العاهل السعودي: quot; ان هذا القرار جاء بعد التشاور مع كثير من علمائنا في هيئة كبار العلماء quot; أو أن القرار جاء quot; وفق الضوابط الشرعية quot; .. لأن نظام الحكم في المملكة العربية السعودية يستمد سلطته من الشريعة الإسلامية، ويحظى بدعم مستمر من المؤسسة الدينية، ما يعني أننا أمام معضلة quot; ثقافية quot; في المقام الأول، ولا يمكننا أن ننتظر من القرارات السياسية أو quot; القوانين quot; أن تحل كل المعضلات الثقافية في مجتمعاتنا التقليدية (دفعة واحدة). ولكن من الممكن أن تلعب مثل هذه القرارات السياسية أو quot; القوانين quot; دوراً إيجابيا كأداة للتحرر. وفي أحسن الأحوال هي تعمل كوسيلة جيدة لتحقيق العدالة.
وعلي سبيل المثال، فإن نهاية quot; تجارة الرقيق quot; أو العبيد في كل من أوروبا وأمريكا، لم تأت لأن الثقافة الغربية تغيرت، وإنما لأن الغرب غير قوانينه أولا، فالكثير من الحلول للمشكلات الثقافية المزمنة والمعقدة هي quot; سياسية quot; وquot; قانونية quot; في المقام الأول، وربما عجلت الثورات العربية (وفرضت) هذه الحقيقة الغائبة الآن.
إن المرأة بوجه عام في المجتمعات التقليدية الصارمة لا تملك عادة خيار (أو ترف) الأحتماء بالقانون، لأن هذه المجتمعات يسيطر عليها quot; الرجل quot; غاليا، الذي لا يرغب أبدا في أن يفرط في هذه quot; الهيمنة quot; الذكورية علي المرأة، وبالتالي فهو لن يكف أبدا ndash; وبكل السبل - عن استخدام التقاليد الثقافية والدينية لتبرير هيمنته .. وعند هذه النقطة يجب أن نوجه التهنئة للمرأة السعودية والتحية quot; لقرار quot; الملك عبدالله.
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات