الذكري العاشرة للحادي عشر من سبتمبر 2001 كانت مناسبة أيضا لاستشراف الملامح الفكرية المحركة للعالم في العقد الثاني من الألفية الثالثة، علي خلفية التداعيات

الحلقة الأولى

والتغييرات التي أفرزتها هذه الأحداث المأساوية. وبادر quot; خافيير سولانا quot; رئيس المركز الاقتصادي والجيوسياسي العالمي quot; ايساد quot; وزميله quot; دانيل انيرارتي quot; مدير معهد الحكم الديمقراطي في جامعة بلاد الباسك، بالتصدي لهذه المهمة في كتابهما quot; الانسانية المهددة: حكومة المخاطر العالميةquot;.
quot;سولاناquot; نشر مقالا مكثفا ودالا في موقع (سيندكت بروجكت) بعنوان quot; القواعد الجديدة للقوةquot;، لخص فيه أهم هذه الأفكار والتوجهات، يقول: quot;أن المخاوف الإنسانية الجديدة لا تتعلق بالشرور المطلقة بقدر ما تتعلق بالتهديدات غير المحددة، فنحن لا نشعر بالقلق من المخاطر الظاهرة بل بالمخاطر الغامضة والتي يمكن أن تحدث عندما لا تكون متوقعة.quot;.
ان ما يقلقنا بعد عقد كامل من 11 سبتمبر 2001 ليس هو الإرهاب نفسه وإنما quot; طبيعته quot; التي لا يمكن توقعها، وعلي سبيل المثال فإن الخطر المتزايد من الإرهابيين الذين نشأوا في داخل الغرب، مثلما رأينا في الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج، أصبح يقترب من خطر الإرهابيين القادم من باكستان واليمن وليبيا والصومال ونيجيريا. الشئ نفسه يمكن أن ينسحب علي جملة من المخاطر ومنها quot;الاقتصادquot;.
ففي عصر العولمة وثورة الاتصالات والمعلومات أصبح quot; لانترنتquot; ndash; وهو من أعظم الاختراعات الحديثة في العالم - يستخدم (أيضا) في التحريض وتدريب الإرهابيين، ونشر quot; الغضب quot; عالميا حيث تمثل كل موجة مظاهرات في بلد ما (إلهاما) لموجة أخري في بلد آخر، وكما لاحظ الصحفي الامريكي المخضرم quot; توماس فريدمان quot; فقد كان بعض المتظاهرين الإسرائيليين يحمل لافتة مكتوبا عليها quot; سيروا علي نهج المصريين quot;، وكأن التكنولوجيا الحديثة أصبحت quot; الوسيلة المثلي quot; للاحتجاجات الاجتماعية وليست سببا لها، فهي التي اشعلت الثورات في العالم العربي هذا العام 2011 ضد الاستبداد السياسي، وفي اسرائيل وأسبانبا واليونان وغيرها ضد البطالة وتدني الأجور وكافة الآثار السيئة للرأسمالية المتوحشة.
quot;عدوي العولمةquot; أو quot;العولمة المعديةquot; حسب تعبير سولانا، ربطت أجزاء العالم المتباعدة، وبالتالي عرضت كل شخص في العالم لنفس المخاطر تقريبا، ومن ثم ظهرت الحاجة إلي إدارة المخاطر عالميا باعتبارها التحدي الأكبر للإنسانية، مثل: التغير المناخي ومخاطر الطاقة النووية والتأثيرات المترتبة علي عدم الاستقرار السياسي، والتداعيات الاقتصادية والأزمات المالية والأوبئة... وهي لا تقل خطورة ndash; ان لم تزد ndash; عن الارهاب اليوم.
الأهم من ذلك هو ان quot; الطابع الوبائي لعالمنا المعاصر quot; جعل مشاكل الآخرين هي مشاكلنا في نفس الوقت، صحيح ان عالمنا لم يعد ndash; بفضل العلم والتكنولوجيا ndash; أكثر خطورة من السابق وإنما أصبح معرضا للمخاطرة بدرجة أكبر، ان ما كان يحمينا في السابق مثل: (البعد المكاني ndash; سيادة الدولة القومية ndash; الطرق الدفاعية التقليدية) أوشك أو كاد يتآكل يوما بعد يوم، ولم يعد يوفر أية حماية علي الاطلاق.
وهو ما أدي إلي عواقب جيوسياسية جديدة، أهمها وأخطرها في آن واحد، حسب quot;سولاناquot;: ان الضعفاء يستطيعوا إيذاء الأقوياء بسهولة، بل أن أمن الأقوي واستقراره السياسي وصحته وبيئته، مرهون بالأضعف والأفقر والأكثر تخلفا، وكأن الأطراف باتت هي التي تؤثر في المركز وليس العكس كما كان الحال في السابق.
لقد أصبحت quot;قواعد اللعبة الجديدة للقوةquot; في عالم يتكون من (الخير المشترك) أو الشر المشترك ndash; كما يؤكد سولانا - أكثر من المصلحة الذاتية أو الوطنية، بينما سعت لعبة القوة القديمة لحماية المصالح الذاتية دون اهتمام بمصالح الآخرين، ما يعني ان quot;الحوكمة العالمية الفعالةquot; هي الأفق الاستراتيجي الذي يجب ان تسعي اليه الإنسانية بكل طاقتها اليوم، وغدا.
[email protected]