(1)
قبل زيارة رئيس الوزراء التركي quot; رجب طيب أردوغان quot; إلي مصر (تونس - ليبيا)، نشرت مقالا (استباقيا) في إيلاف بعنوان quot; تركيا والأخوان.. أكبر من quot; ذلة quot; لسان quot; حاولت أن أثبت فيه أن هناك quot; اختلافات جذرية quot; بين quot; الأردوغانية quot; في تركيا وquot; الأخوان المسلمين quot; في مصر، رغم التشابه الظاهري الخادع بين quot; حزب العدالة والتنمية quot; التركي وquot; حزب الحرية والعدالة quot; الأخواني.
وقلت حرفيا: quot; من الواضح ndash; حتي الآن - أن جماعة الأخوان المسلمين في مصر تحظي بدعم إيران وليس تركيا (المنافس اللدود)، وهو ما يفسر هجوم quot; الكتتاني quot; علي تركيا التي تتصف بquot; ميزة نسبية quot; وهي الجمع بين النظام العلماني الدستوري والتوجه الاسلامي لحزب العدالة والتنمية الحاكمرquot;.
فقد أعلن الدكتور محمد سعد الكتتاني أمين عام حزب الحرية والعدالة (مبكرا)، رفض الأخوان المسلمين تكرار تجربة (النموذج التركي) في مصر، التي تسمح للجيش (المجلس العسكري الحاكم) بالتدخل في شئون السياسة.
الطريف أن الاعتراض علي ما كتبت، شارك فيه الإسلاميون والعلمانيون معا، لأسباب متباينة أشد التباين، وخلاصة هذا الاعتراض: أن تركيا quot; ما بعد الكمالية quot; تسعي إلي تحقيق quot; حلم الخلافة الإسلامية quot;، وأن ثورات العالم العربي ستأتي بالأنظمة الإسلامية القادرة علي تجسيد هذا الحلم التاريخي في المستقبل المنظور، الذي أوشك أن يصبح quot; واقعا quot; علي الأرض عام 2011.
الصدمة التي صاحبت تصريحات quot; أردوغان quot; أثناء زيارته لمصر: عن ضرورة مضاهاة دستور تركيا (العلمانى) الذي لا يتعارض مع الإسلام، زادت الطين بلة وعمقت (الخلاف) أكثر فأكثر بين الأخوان المسلمين ونركيا، إلي حد quot; الهجوم quot; وquot; التهكم quot; وquot; الردح البلدي quot;، فقد رفض الشيخ مظهر شاهين الملقب بخطيب الثورة فى خطبته الجمعة 16 سبتمبر بمسجد عمر مكرم في ميدان التحرير، استقبال المصريين لرئيس الوزراء التركى استقبال العظماء بإعتباره الفاتح الأكبر الذي قام بثورة 25 يناير، كما رفض بشدة: أن ننظر إليه على أنه quot; خليفة المسلمين والمنقذ quot;، فمصر أكبر من ذلك وفيها قيادات وأشخاص قادوا العالم من قبلquot;.
وكالة quot; رويترز quot; ذكرت: أن الأخوان المسلمين بمصر بعد أن لقبوا رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بـquot;خليفة المسلمينquot;، وهتفوا: quot;أردوغان أردوغان.. تحية كبيرة من الإخوانquot; أنقلبوا عليه، وأوردت علي لسان الدكتور عصام العريان تحذيرا شديد اللهجة: quot; الأخوان المسلمون بحذرون تركيا من السعي للهيمنة علي المنطقة quot;.
(2)
quot; أردوغان quot; ndash; في تصوري ndash; تجح وفشل في نفس الوقت، (نجح) في الرسالة التي بعث بها إلي العالم الغربي خاصة أوروبا، وهي: لا توجد دولة مسلمة في العالم العربي أو الإسلامي، في quot; استنارة quot; تركيا أو تقدمها السياسي - الاقتصادي، وبالتالي فهي أحق بالانضمام للاتحاد الأوروبي ولا خوف منها ولا يحزنون. أما (الفشل) الذي منيت به زيارته للعالم العربي ndash; خاصة بعد هجوم الأخوان المسلمين، أكبر التيارات الإسلامية قاطبة - هو أن تركيا (العلمانية) لا تصلح كقوة إقليمية في قيادة الأنظمة الإسلامية المتشددة في المنطقة ؟.
لكن يبدو أن زيارة quot; أردوعان quot; التاريخية لمصر وتونس وليبيا كان لها quot; هدف quot; آخر، تم التخطيط له علي مهل وفي سرية تامة، وبدأ تنفيذه عام 2008 مع إرسال أسطول الحرية بحجة كسر الحصار علي غزة، ألا وهو (الهيمنة علي جنوب البحر الأبيض المتوسط) ما يعني تخلي تركيا quot; ما بعد الكمالية quot; عن استراتيجية (صفر مشاكل)، ودفع الدول العربية المطلة علي البحر المتوسط إلي المزيد من (المشاكل)، سواء بشكل مباشر عن طريق الصدام مع اسرائيل، أو توريط هذه الدول ndash; عبر تحالفات استراتيجية - في (صراع تركيا) المرتقب مع الاتحاد الأوروبي.
في quot; تونس quot; أعلن رئيس الوزراء التركي quot; أردوغان quot;: quot; أن إسرائيل لن يكون بوسعها أن تفعل ما تريده في البحر المتوسط وأن السفن الحربية التركية ستكون موجودة لمراقبة ذلك quot;... تركيا تملك بالفعل ثاني أكبر جيش في منظمة حلف شمال الأطلسي،‮ وتعتبر قاعدة مهمة لعمليات الولايات المتحدة العسكرية في أفغانستان وخارجها.
(3)
‮‬ما (ينقص) تركيا كقوة إقليمية يمكن أن (تفوق) القوي الإقليمية الأخري مجتمعة، ويعجل بإنضمامها (فورا) إلي الاتحاد الأوروبي هو (العمق الاستراتيحي)، وهو عنوان كتاب مهم لمهندس السياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية الدكتور أحمد داود أوغلو، وفكرته الأساسية: أن التاريخ والجغرافيا يمثلان العنصرين الأساسيين اللذين تبنى عليهما الإستراتيجية. وهما ثابتان، في حين أن المتغير الذي يجب العمل عليه هو كيفية قراءتهما. وبما أن تركيا انتزعت عنوة من محيطها بعد الحكم العثماني وخلال سنوات الحرب الباردة، فإن عودتها إلي هذا المحيط الإقليمي تتوقف علي تواصلها مع عمقها الاستراتيجي الذي يمتد باتجاه العالمين العربي الإسلامي والقوقاز وأرمينيا وإيران، فضلا عن أوروبا.
مصر تمثل (قلب) هذا العمق الاستراتيجي لتركيا وأوروبا معا، من خلال quot; قناة السويس quot; أهم معبر جغرافي سياسي يطمح إليه أردوغان اليوم. إن (إمتلاك) هذا المعبر ndash; سواء من الباطن أو عبر تحالف استراتيجي مع مصر، ومحاولة الايهام بأن أمن قناة السويس مهددا (أو التلويح بذلك) كورقة ضغط في التفاوض والمراوغة - من شأنه أن يثير المخاوف العالمية (الأوروبية) من أن يتحول الطريق في البحر المتوسط (طريق الشرق الأقصي ndash; أوروبا) إلي الطرف الجنوبي من لأقريقيا، وهذا يعني ارتفاع تكاليف quot; الطاقة quot; وquot; الشحن البحري quot; إلي عنان السماء، في ظل أزمة اقتصادية عالمية طاحنة وتنامي quot; القرصنة quot; والإرهاب البحري.
إذا لم ينتبه القائمون علي الحكم في مصر الآن إلي خطورة خطط quot; أردوغان quot; وأهدافه وجموحه الشرير، فإن السيناريوهات الكارثية التي تنتظرنا (إذا تم اللعب (سياسيا) بورقة quot; قناة السويس quot;) سوف تعيدنا إلي الرابع من يونيو عام 1967 ولن تقوم لنا قائمة مرة أخري.. وهو المطلوب تحقيقه وبسرعة من قوي إقليمية ودولية عديدة.


[email protected]