أسبوع واحد من الجمعة للجمعة (2 - 9 سبتمبر)، بين طرد أنقرة للسفير الإسرائيلي وأقتحام السفارة الإسرائيلية بالقاهرة، وكأن الأحداث المؤسفة التي صاحبت هذا الاقتحام، من إصابة وجرح مئات المصريين ووفاة بعضهم، كانت نوعاً من الاستعداد لزيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان المرتقبة لمصر.
هذه أول زيارة من نوعها منذ خمسة عشر عاماً، ويكشف برنامجها الحافل: أن أردوغان أراد عقد تحالف استراتيجي مع مصر، فمصر دولة تتمتع بدور ريادي قديم في المنطقة، وتركيا بثقلها (الاقتصادي ndash; التاريخي ndash; الجغرافي) تستطيع أن تستفيد من التحالف مع مصر، خاصة مع شعورها بخيبة الأمل وربما الصدمة من جراء احباط طموحاتها في الانضمام للاتحاد الأوروبي.
طبيعي أن يسعي أردوغان عبر معاركه الكلامية العنيفة ضد اسرائيل (حصان طروادة) إلي كسب مشاعر الشارع (المصري) العربي المحبط، وتملكها، وإلي تعزيز وجود بلاده في العالم العربي للاستفادة من التحولات التي يشهدها الشرق الأوسط، ناهيك عن جني أكبر قدر من المكاسب التي جلبتها رياح الثورات العربية في المنطقة والعالم.
تركيا قوة إقليمية مؤثرة تجيد لعب الأدوار المركبة والمتعددة، مع معظم دول المنطقة بلا استثناء كالضغط والمراوغة والتمثيل - إذا اقتضي الأمر - ومسرحية أردوغان في دافوس (قبل سنتين) مع الثعلب شيمون بيريز ليست بعيدة عن الأذهان، وهو الموقف الذي تم استغلاله عربياً ودولياً بقدر أكبر بكثير من حجمه الحقيقي علي مستوي السياسة الخارجية.. بحيث ظهرت تركيا، كأنها المدافع عن الحقوق الفلسطينية والعربية.. أكثر من الدول العربية نفسها، وهو ما تكرر مع أسطول الحرية (التركي) لكسر الحصار علي غزة، ثم طرد أنقرة مؤخرا للسفير الإسرائيلي.
مصر الجديدة بعد ثورة 25 يناير (الضعيفة الآن) تريد أن تستفيد من زخم الطموح التركي الهادر في المنطقة، وأن تستعيد تدريجياً (بالتحالف مع تركيا) دورها الطبيعي في العالم العربي من جديد، بعد أن انعكس انعدام أفقها السياسي داخلياً في خسارة نفوذها على صعيد السياسة الخارجية بشكل متزايد. وليس بالضرورة أن يتمثل هذا الدور الجديد في قيادة المنطقة أو الهيمنة عليها.
أما داخليا، فإن النموذج السياسي التركي يبدو مفيدا لمصر بعد عقود من الحكم الاستبدادى، ومحاولات الإسلام السياسي المستميتة الآن لاحتكار ثورتها. من هنا بدت دعوة أردوغان لمصر: مضاهاة دستور تركيا (العلمانى) الذي لا يتعارض مع الإسلام تماما، دعوة (توافقية) - في وقتها - تستبق الصدام المحتمل بين الأخوان المسلمين والسلفيين وبين التيارات الليبرالية وأنصار الدولة المدنية.
لقد تجنبت تركيا دائما المواجهة المباشرة مع مصر (مبارك)، خاصة الدور المصري فيما يتعلق بالملف الفلسطيني. لكن منذ العام 2008 أصبحت القضية الفلسطينية وخصوصا رفع الحصار الذي تفرضه اسرائيل على قطاع غزة، إحدى ركائز السياسة الخارجية في تركيا التي تسعى لزيادة نفوذها في بلدان المنطقة.
لكن، هل حقا تركيا مهمومة بالقضية الفلسطينية؟ هل تختلف أطماع تركيا في المنطقة عن أطماع إيران، أو حتي عن أطماع إسرائيل؟.. لقد أصبحت laquo;القضية الفلسطينيةraquo; - التي غيبت تماما - رهينة موازين القوي المتصارعة في المنطقة، يتجاذبها الجميع لتحقيق مكاسب داخلية وخارجية وبين بين، ناهيك عن أنها باتت أداة من أدوات الحنكة السياسية والعاطفة الشعبية، دون حلول ناجزة أو قابلة للتطبيق.
هناك تنسيق (استراتيجي) تام بين تركيا وإيران، حتي لا يتوهم البعض أن هوية تركيا السنية أفضل لنا من أهداف إيران الشيعية، خاصة في مناطق نفوذ كل منهما، ولا يتردد رئيس الوزراء التركي أردوغان نفسه في كل زيارة لطهران من التأكيد أمام وسائل الإعلام: laquo;أن تركيا وإيران هما عماد الاستقرار في الشرق الأوسط، وأن تركيا لا يقلقها البرنامج النووي الإيرانيraquo;، بل إن إيران لم تتوصل إلي اتفاق بشأن ملفها النووي إلا مع تركيا بمساعدة البرازيل، حيث أبرمت صفقة يتم بموجبها نقل 1200 كيلو جرام من اليورانيوم الإيراني المنخفض التخصيب إلي تركيا.
في المقابل، يعلن الرئيس الإيراني أحمدي نجاد دائما بأنه: quot;لا تستطيع أي قوة غير (إيران وتركيا) ملء الفراغ في الشرق الأوسط، وأن إيران وتركيا يمكنهما صياغة نظام إقليمي جديد؟quot;
إن لتركيا وإيران، باعتبارهما جارتين قويتين، مصالح مشتركة في حفظ الأمن الاقليمي بما في ذلك، أمن موارد الطاقة، وهو الأهم. ويبلغ حجم التبادل التجاري بين الدولتين اليوم حوالي 10 مليارات دولار، وهو مرشح للزيادة الى 30 مليار دولار. فضلا عن تملك كل من طهران وأنقرة أدوات للتأثير السياسي والاقتصادي على المنطقة. ويمكن لهذا الأدوات أن تكمل بعضها بعضا...
فما الذي تريده تركيا من التحالف الاستراتيجي مع مصر تحديدا الآن؟
للحديث بقية....
[email protected]
التعليقات