فى لقاء أجرته شبكة تلفزيون quot;فوكسquot; الأمريكية قبل يومين، قالت quot;هيلاري كلينتونquot; وزيرة الخارجية الأمريكية: quot;ينبغى ألا يسىء أحد تقدير التزام الولايات المتحدة تجاه العراق، فقد دفعنا ثمنا باهظا لإتاحة هذه الفرصة للعراقيين. وأن الولايات المتحدة ستظل تحتفظ بعلاقات وثيقة مع العراق فى مجال الأمن، رغم انسحاب جميع القوات الأمريكية من هناك بحلول نهاية العام الحالى 2011، محذرة فى الوقت نفسه إيران من مغبة استغلال الموقفquot;.
كلينتون وجهت في هذا اللقاء رسالتين للداخل الأمريكي وللعالم الخارجي، خاصة quot; إيران quot;، عبر قناة quot; فوكس quot; معقل الجمهوريين والمحافظين الجدد، الذين ndash; ربما ndash; أرادوا (أستدراجها). الرسالة الأولي، هي أن الديمقراطيين quot; وعدوا فأوفوا quot; حيث خاض المرشحان اللذان تنافسا على الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي في إنتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة، وهما: quot;هيلاري كلينتونquot; وquot;باراك أوباماquot; حملتيهما على أساس إعادة القوات الأمريكية إلى الوطن.
علي العكس من ذلك، كان موقف quot; جون ماكين quot; مرشح الحزب الجمهوري الذي (أيد) الإبقاء على عدد كبير من القوات في العراق إلى أن يصبح هذا البلد أكثر استقرارا، وحسب مهندس الحرب ضد العراق عام 2003 ndash; quot;ديك تشينيquot; نائب الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الإبن ndash; فإنه: quot;ينبغي استكمال المهمة العسكرية حتى لا يتعين على جيل آخر من الأمريكيين، ان يعود إلى العراق مرة أخري ليقوم بها من جديدquot;.
quot; تشيني quot; هو أول من طبق استراتيجية الأمن القومي الأمريكي (للمحافظين الجدد) لعام rlm;2002، والتي أعلنت موت استراتيجية الردع العسكري خلال الحرب الباردةrlm;، والانتقال إلي استراتيجية الحرب الاستباقية أو الوقائيةrlm;.rlm; والتي تعطي الحق لأمريكا في التصرف قبل وقوع الحدثrlm;، وهي تستند إلي عالمية الولايات المتحدة الأمريكيةrlm;، وتسير وفق مبدأrlm;:rlm; بالقوة العسكرية تفرض القيم الديمقراطيةrlm;.
rlm; ومثل العراق، في هذه الاستراتيجية، رأس الجسر لإعادة تركيب الشرق الأوسط علي أساس ديمقراطي، ووفقا لهذا السيناريو كان من المفترض أن يوقف احتلال العراق انتشار الأصولية الاسلامية rlm;،rlm; ويحمل الفلسطينيين والعرب علي الموافقة علي مشروع سلام مع اسرائيلrlm;،rlm; ويضع الولايات المتحدة في قلب منظمة الدول المصدرة للبترول بغية تعزيز سياسة تحديد الأسعار الخام والوضع المركزي للدولار عالميا في آن معاrlm;.rlm;

هكذا ربطت الولايات المتحدة مصير إدارتها للعالم وتغييرهrlm;، بنجاحها في العراقrlm;،rlm; وبالتالي فإذا لم تصبح بغداد،rlm; حسب الوعود الأمريكية، مركز استقطاب تتمحور حوله عملية الديمقراطية في المنطقة، فإن الولايات المتحدة ستخسر دورها وستتعرض أكثر للخطرrlm;، فضلا عن إغراق المنطقة في الفوضي (وقد كان)، حيث تجهز الثورات العربية هذا العام 2011 علي البقية الباقية من الشرق الأوسط القديم، وتؤسس ndash; سواء بوعي أو بدون وعي، بطريق مباشر أو غير مباشر - للشرق الأوسط الجديد.
مضمون رسالة quot;كلينتونquot; يتجاوز ذلك إلي ما هو أبعد: لأن الانسحاب الكامل للقوات الأمريكية يمثل هزيمة كاملة لمشروع الرئيس الأمريكي جورج بوش في العراق والمنطقة كلها، فقد كانت خطة quot;المحافظون الجددquot; هي: تحويل العراق إلى قاعدة أمريكية كبيرة بغرض زيادة الضغط على سوريا وإيران، ومن ثم فإن هذا الانسحاب يعتبر (هزيمة ساحقة) للمحافظين الجدد، و(انتصار كبير) لإيران علي أكثر من صعيد، فقد أطاح (بوش) ndash; عن طريق الحرب - بالعدو الأكبر quot; صدام حسين quot;، ومكنها (أوباما) ndash; بإنسحاب القوات الأمريكية - من زيادة توسيع نفوذها في العراق والخليج.
وحتى، وإن لم تسيطر إيران على العراق فعلى الأقل لم تعد لدى طهران أية مخاوف من جارتها في الوقت الحالي quot; لأن أي حكومة عراقية ستضم نوابا من الشيعة قضى بعضهم سنوات طويلة في المنفى في إيران في عهد صدام حسين quot;، كما يقول quot; جوناثان ستيل quot; في مقاله المهم في صحيفة (الجارديان) أمس،rlm; تحت عنوان quot; نهاية حرب العراق وهزيمة المحافظين الجددquot; والذي تناول فيه الانسحاب الكلي للقوات الأمريكية من العراق.
الرسالة الثانية التي وجهتها quot;كلينتونquot; لإيران تحديدا، هي: أن استراتيجية الديمقراطيين الجديدة ليست بهذا الغباء الذي مكن quot;إيرانquot; من جني الفوائد من مصائب الآخرين ومن أخطاء المحافظيين الجدد في نفس الوقت، وأن التمدد الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط محسوب و(تحت السيطرة)، ناهيك عن أن استغلال quot;إيرانquot; لإنسحاب القوات الأمريكية من العراق بإثارة القلاقل والاضطرابات والمخاوف لدي دول الجوار العربي، ستدفع ثمنه غاليا جدا.
[email protected]