مقابلة أحمد الشرع الأخيرة في قناة العربية وضعتنا وجهاً لوجه أمام حاكم دمشق الجديد.

إنه لا يشبه إطلاقاً قادة حركات الإسلام السياسي الذين مروا على المنطقة، على الأقل خلال الخمسين سنة الماضية، لا في خطاباتهم العابرة للحدود، ولا في تصوراتهم عن السياسة والحكم والإدارة، على الأقل حتى الآن.

وهو أيضاً لا يشبه قادة الثورات القومية التي نجحت في استلام الحكم، من جمال عبد الناصر وصدام حسين، وحتى معمر القذافي في ليبيا.

كانت تلك الثورات تقاتل طواحين الهواء، أرادت محاربة الشرق والغرب معاً، وقبل هذا قالت إنها سوف تدفن إسرائيل في البحر!

انتهى الأمر بثورية عبد الناصر إلى نكسة تاريخية مدوية فقدت فيها الأمة القدس والجولان، الضفة وسيناء، إضافة إلى قناة السويس وكل فلسطين التاريخية.

طموحات صدام حسين الخيالية قادت بلده إلى حرب أهلية دامية وعراق ممزق تحت الوصاية الأميركية الإيرانية المشتركة.

مغامرات الأخ العقيد أنهت حكمه وقتلته ومزقت ليبيا إلى شرق وغرب، ووضعت البلاد تحت سطوة الأطماع الإقليمية والدولية المختلفة.

أحمد الشرع عبر مسيرته القتالية مر بكثير من المحطات والتقلبات، والتي يظهر أنها قد غيرت الكثير من قناعاته وأفكاره، واستوعب سريعاً أن السياسة هي بيئة الرمال المتحركة، وأن الثابت الوحيد فيها هو المتغير، وعلى هذا يجب أن تبنى كل القرارات والاستراتيجيات.

السياسة في إحدى تعريفاتها هي فن الممكن، وهو الأمر الذي لم تستطع العقلية الإسلاموية استيعابه حتى الآن؛ لذلك تفشل في كل مرة تتعاطى فيها الشأن السياسي.

من طالب إعلام مغمور في جامعة دمشق لا يكاد يعرفه أحد، انتقل أحمد الشرع إلى العراق ليخوض تجربة جديدة في حياته تمثلت في المشاركة في عمليات المقاومة العراقية في 2003.

اندلاع الثورة السورية في 2011 كان نقطة تحول جديدة في حياة الشرع، فانتقل سريعاً إلى سوريا، مشكلاً إحدى الفصائل القتالية التي خاضت معارك عديدة ضد جيش النظام.

أخيراً، وفي صباح الأربعاء 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2024، أعلن أحمد الشرع من إدلب بدء العمليات العسكرية، والتي لم تتوقف إلا في القصر الجمهوري في دمشق.

إقرأ أيضاً: حزب الله.. قبول ما لا يمكن قبوله!

الجميع كان يدرك أن النظام السوري كان ميتاً دماغياً، حتى أقرب حلفائه الروس والإيرانيين كانوا يدركون ذلك، وفي الظرف السياسي المواتي إقليمياً ودولياً، كانت الضربة القاضية.

سلوك المنتصرين الجدد كان حضارياً: لا أعمال عنف، لا حمامات دم، لا عمليات انتقام. لقد كان الهدف أكثر سمواً من الانتقام ومن القتل، كان الهدف البناء وليس الهدم، المستقبل وليس الماضي، الحياة وليس الموت.

أمام سوريا الكثير من التحديات الضخمة، وأمام الشرع الكثير من الأعمال الكبيرة، وحتى إقرار الدستور الجديد وإعلان الانتخابات العامة، تبقى الأعين دائماً على دمشق.