هل الكون المرئي مجرد معلومة حاسوبية؟
في بداية القرن السابع عشر كتب العالم الشهير غاليلو غاليله Galileacute;e جملة استشرافية بامتياز ورددها بعده كبار العلماء قال فيها:quot; لا يمكن قراءة كتاب الطبيعة الكبير إلا من قبل الذين يعرفون اللغة التي كتب بها الكتاب وهذه اللغة هي الرياضيات matheacute;matique quot; التجريدية، الزاخرة ببحر متلاطم من الأعداد والأرقام والرموز والمعادلات، هي التي تختزن سر التنظيم الدقيق والرائع للكون قبل ولادته في حدث الانفجار العظيم انطلاقاً من تلك الفرادة الكونية المسماة بنقطة الصفر.
المعرفة غير محدودة وتتكون من مجموعة من النظريات والفرضيات والطروحات والتفسيرات تبدو بعضها متناقضة مع البعض الآخر أو مكملة بعضها للبعض الآخر أو مواصلة لما تنتهي بعضها وتبتدئ أخرى لتكملة المشوار، المهم هو الابتعاد عن العقلية الخرافية والتأمل بعقلية حرة مستقلة عقلانية وعلمية، حيث علينا أن نعرف علمياً مما يتكون الكون ومتى تكون ولماذا وكيف، وعلينا أن نعرف أننا نتحدث عن كوننا المرئي الذي نعرفه وندرسه ونعيش فيه، وهو في حقيقة الأمر ليس سوى جسيم صغير هو أصغر من أصغر ذرة رمل من مجموع ذرات الرمل في كافة شواطيء وسواحل وصحاري الأرض، اي إنه كون من ضمن عدد لامتناهي من الجسيمات الأكوان على صعيد أو في مستوى اللامتناهي في الكبر وهناك كذلك عدد من الأكوان الذرات أو الجسيمات في المستوى ما دون الذري حيث تتجمع أو تتفاعل المكونات الأولية للجسيمات البدئية التي شكلت المادة وكل جسيم في مستوى مكان وزمان أو طول بلانك اللامتناهي في الصغر. إنه جسيم كون هو عبارة عن معلومة حاسوبية تختزن ذاكرته كون كامل ومستعد للانفجار العظيم البيغ بانغ لتكوين كون جديد لامتناهي في الكبر والسعة الذي يشكل الكون المطلق الواعي والذكي والحي تجليه الأوضح رغم استحالة إدراكه أو تصوره واستيعابه وهذا الكيان اللامتناهي الذي أسميته بالكون الإله الواعي والعاقل والحي، ليس له بداية ولا نهاية ولا حدود، وهو الذي يمكن أن نسميه الله اي الكون الإله المطلق الوحيد وما عداه نسبي. أما كوننا المرئي فهو لاشيء، ونحن في الكون المرئي ليس لنا وجود وأهمية تذكر فأرضنا كوكب بسيط عادي مبتذل جاءت إليه اقوام فضائية متطورة جداً تتقدم علينا بحوالي 60 مليون سنة من بينهم الإلوهيم الذين اشار إليهم التوارة، وغيرت تلك الأقوام المتطورة كل شيء في كوكب الأرض ووفرت له غلاف جوي وبيئة صالحة للحياة لأنه يقع في المسافة القابلة للحياة بالنسبة لشمسه التي يتلقى منها الطاقة وخلقوا الكائنات الحية فيه على صورمتنوعة ومختلفة الأنواع والأشكال من أجل التوازن البيئي ثم قاموا بخطوة خطيرة عندما قرروا تطوير دماغ إحدى الكائنات من أعلى سلسلة من القرود التي انتصبت على قديمها بفعل قوانين الانتخاب الطبيعي ونظرية التطور الداروينية ولقحوه بجيناتهم لكي ينمو فيه وعي أعلى بكثير من وعي باقي الكائنات مما ساعده على النطق واختراع الكلام والكتابة والتفكير والتأمل والرقي التقني وصناعة الآلات وتدجين الطبيعة والحيوانات والسيطرة على الزراعة والطاقة والنار والماء واستمر الكائن البشري الهجين في التطور إلى أن وصل إلى عصرنا الالكتروني الحالي وغزو الفضاء وسيقوم بدوره بنفس الدور الذي قامت به تلك الأقوام الفضائية حيث سيكتتشف كواكب قاحلة لكنها قابلة للحياة وسيستعمرها وسوف تعتبره الأقوام البدائية هناك إذا عثر عليها في إحجاها، بأنه إله مثل ما أعتبرنا نحن مطورينا كآلهة لنا والأنبياء سوى مجرد مفكرين مصلحين أنيطت بهم مهمة إدارة مجتمعاتهم عبر سلسلة من القيم الاخلاقية والاجتماعية والمحرمات والممنوعات من أجل الردع والتخويف بعقاب إلهي رهيب هذا باختصار شديد هو الواقع الحقيقي واللوحة التي رسمتها لنا الكائنات الفضائية الذكية التي فضلت مراقبتنا عن بعد حتى لا يدب فينا الرعب والخوف من المجهول والإبادة وهناك آلاف الكتب والمصادر التي تشير وتدل على ذلك لامجال لذكرها هنا. لنعد إلى مقاربتنا العلمية المتواضعة الحالية ونبدأ بالسؤال الوجودي التقليدي والفلسفي لماذا يوجد الكون؟ يصمت العلم عن الإجابة لأن المقاربة العلمية إزاء هذا التساؤل الوجودي عاجزة عن تقديم الإجابة القاطعة وبالتالي لابد من مقاربة تجريدية إن لم نقل ميتافيزيقية. هذا ما كان يعتقده العديد من الباحثين والعلماء في مجال الكوزمولوجيا أو علم الكون la cosmologie. بيد أنه ظهرت في السنوات الأخيرة مقاربة جديدة، تستند لأطروحة الفيلسوف وعالم الرياضيات الألماني لايبنز التي طرحها في القرن السابع عشر، والتي تأتي في نفس سياق التساؤلات الجوهرية الكبرى بشأن الكون والوجود، والتي تمس جوهر الأشياء ومعناها، بمعنى الجانب الخفي للوجود، بشقيه المادي واللامادي، وعلى رأسها هل هناك بداية ما لكل شيء؟.
هل الكون المرئي مجرد معلومة حاسوبية؟
كان الفيلسوف وعالم الرياضيات الألماني لايبنز Leibniz يمتلك عقلاً يسبق زمانه بقرون عديدة وصاحب مخيلة عقلانية وعلمانية مذهلة إلى درجة أن أفكاره وآرائه ونصوصه تستلهم إلى يومنا هذا من قبل فطاحل علماء الفيزياء والرياضيات المعاصرين الذين يعتبروه معلمهم الأول وعلى رأسهم آينشتين Einstein. وكان لايبنز أول من طرح فرضية الكون المعلومة، الحاسوبية Lrsquo;Univers Information كما صارت تعرف اليوم في علم المعلوماتية informatique، ولغة الكومبيوتر ذات الأرقام الثنائية أو المزدوجة nombres binaire، التي سنتحدث عنها بالتفصيل لاحقاً في سياق هذه الدراسة.
لقد بات بوسع العقل الإنساني، المتطور الحالي، الذي يتعامل مع تكنولوجيا الكومبيوتر والمعلوماتية والنانو تكنولوجيا والأقمار الصناعية والهاتف المحمول والكومبيوتر الكوانتي والحاسوب العملاق والانترنت والقنوات الفضائية ووسائل الاتصال الحديثة،أن يستوعب، ولكن ليس بالسهولة المتوقعة، مقاربة كونية بلغة حاسوبية والتي تقول أن الكون المرئي ولد من طوفان معلوماتي مشفر ومركز في مصدر واحد سمي بالنقطة صفر.
علينا أن نعترف أن العالم المحيط بنا بالغ الغموض والتعقيد ومغلف بالأسرار والخفايا والجوانب غير المرئية، خاصة إذا نظرنا إلى ما حولنا وتسائلنا لماذا توجد الأشياء بمظاهرها التي نراها؟ وهل هناك واقع آخر مخفي عن الأنظار لهذه الأشياء لا نعرفه ويستعصي على مداركنا؟ وما السبب الحقيقي وراء اتخاذها هذه الأشكال وليس غيرها؟ ولماذا وكيف صار الكون المرئي، بكل مكوناته، متوازناً ومضبوطاً بإحكام بقوانين جوهرية، في المكان والزمان، تسييره وتقوده نحو مستقبل مجهول؟ وماذا سيحصل لو أن خللاً ما حدث في إحدى تلك القوى الكونية الجوهرية الأربعة التي تنظم الوجود المادي؟. كلنا يعرف أن القوة الكونية الجوهرية هي التي تتحكم وتنظم عمل وسلوك الأشياء وتفاعلاتها، من اللامتناهي في الصغر، اي المكونات ما دون الذرية، إلى اللامتناهي في الكبر، اي الكواكب والنجوم والمجرات والسدم والكوازارات وما فوقها أو يتعداها.
لو افترضنا، لسبب مجهول، أن الثقالة أو الجاذبية gravitation اختفت فجأة أو تعطلت عن وظيفتها، فما هي التبعات المترتبة على ذلك؟ أول شيء سنلاحظه أن كل شيء على الأرض بدأ يطفو ويطير في الهواء من أصغر شيء إلى أكبر شيء، بما في ذلك نحن البشر، مع ما سيترتب على ذلك من فوضى وحوادث وهلع جماعي على سطح الكوكب. إلا أن الكارثة لا تتوقف أو تقتصر على ذلك فقط، بل هناك ما هو أخطر، فبعد بضعة ساعات قليلة ستصاب البشرية بالاختناق من جراء تلاشي الغلاف الجوي، بعد أن تفلت الأرض من جاذبية الشمس وتنطلق تائهة في أعماق الفضاء بلا ضوء شمس ولا تفاعلات كيمائية تقوم بتوليد الأوكسجين بالكميات الضرورية لدورة الحياة البيولوجية الطبيعية، ولو نفذ أو نجى البعض من هذه الكارثة فإنه سيموت متجمداً لأن درجة الحرارة على الأرض ستكون 273 تحت الصفر وهي درجة الحرارة في الفضاء الخارجي المظلم فلم تعد هناك شمس تدفئها بأشعتها وتغذيها بالطاقة. وبغياب الطاقة فإن المجرات نفسها، وليس فقط النجوم في داخلها، سوف تتبعثر بفوضى كونية لا يمكننا تخيلها، وتتصادم فيما بينها بلا هوادة. هذه هي اللوحة المأساوية التي ستحل بالكون المرئي في حالة حدوث عطل ما في إحدى القوة الجوهرية كالجاذبية. ونفس هذا السيناريو، بل وربما أسوء منه بكثير، سيحدث في حالة حدوث أي خلل في القوى الجوهرية الثلاثة الأخرى، أي الكهرومغناطيسية والنووية الضعيفة والنووية القوية أو الشديدة. وكلنا يعرف أن جميع الأشياء في حياتنا اليومية تعتمد على القوة الكهرومغناطيسية، فهي التي تعمل على محافظة الأشياء على اشكالها في المكان والزمان ومنع انصهارها. فبدونها كل شيء سيتفكك إلى ذرات غبار خلال ثواني معدودات. فالكائن البشري مكون بنسبة 70% من الماء أي من ذرتين من الهيدروجين وذرة من الأوكسيجين، ولن تعيش هذه المعادلة الكيمائية ثانية واحدة بدون القوة الكهرومغناطيسية. أي سيضمحل 70% من جسم الإنسان ولن يبقى فيه سوى العناصر الثقيلة كالحديد والكالسيوم التي سرعان ما ستنهار هي الأخرى على الأرض على شكل غبار رمادي يشبه الرماد، هو كل ما يتبقى من الكائن البشري، ونفس الشيء سيحدث مع الحيوانات والنباتات، وستواجه نفس المصير المياه الموجودة في الأنهار والبحار والمحيطات، ليس فقط على الأرض، بل في جميع كواكب الكون المرئي التي تشبه الأرض، حيث ستختفي كافة مظاهر الحياة وأشكالها من على وجه الكون المرئي. ولو اختفت القوة النووية الضعيفة فلن تكون هناك عمليات اندماج نووي كالتي تحدث في الشمس وتولد الحرارة والضوء والطاقة، وكلنا يعرف ماذا يعني خمود الشمس بالنسبة للحياة في أي مجموعة شمسية في الكون المرئي. والحال ذاته مع اختفاء القوة النووية القوية أو الشديدة التي تعمل كمادة لاصقة صمغ أو كالاسمنت الذي يعمل على تماسك النوى الذرية للمواد وبقاء البروتونات والنيوترونات تدور في داخلها. فكل شيء في الكون سيتحول إلى بخار من الكواركات quarks التي تمثل أصغر مكونات البروتونات. ولنتساءل مماذا تتكون تلك القوى الكونية الجوهرية؟ للإجابة على ذلك يتعين علينا أولاً البحث ولو باختصار في موضوع الجسيمات الأولية particules eacute;leacute;mentaires في الكون المرئي، وأن نتذكر أن النموذج المعياري modegrave;le standard الذي قدمته فيزياء الجسيمات، يحدثنا عن عائلتين متميزتين من الجسيمات الأولية. العائلة الأولى منها هيquot; الجسيمات المادية particules mateacute;riellesquot;. والتي يمكننا تخيلها بمثابة ذرات رمل أو غبار لكنها غير مرئية لأنها غاية في الصغر كالالكترونات والنيوترونات وغيرها وتسمى في الفيزياء الفيرميونات fermions. وتتفاعل هذه الجسميات ما دون الذرية فيما بينها بواسطة قوى كونية جوهرية ذكرناها أعلاه. ولكن هل تلك القوى ليست سوى تجلي أو مظاهر manifestation لجسيمات ما دون ذرية أخرى خفية وغير مرئية بوسائلنا الرصدية أو الكشفية الحالية، والتي يمكن أن تشكل الأدوات الناقلة لتلك القوى. من هنا فكر العلماء بوجود عائلة ثانية من الجسيمات ما دون الذرية هي جسيمات المجال particules de champ وصنفوها تحت تسمية واحدة هي بوزونات السعة أو البوزونات المعيارية Bosons de jauge، وطبقوا عليها نفس ما طبقوه على القوى الجوهرية من أفكار في مجال الكهروديناميكية الكمومية أو الكوانتية eacute;lectrodynamique quantique، التي أتاحت إمكانية تفسير التفاعلات الكهرومغناطيسية. بمعنى آخر أن الجسيمات المادية تتبادل فيما بينها خلال التفاعلات عدد من البوزونات المعيارية التي تلعب دور الرابط والمرسال أو حامل الرسائل وإن تلك التبادلات هي التي تخلق الواقع الملموس للمجالات. فهل بعد ذلك يمكننا معرفة ما يجري في العالم التحتي للجسيمات ما دون الذرية، وهل هناك قواعد أو شيفرة ما منطوية في نسيج الواقع؟ أجاب العالم الفيزيائي الشهير John Wheeler بمقارنة الكون المرئي بنظام معالجة معلوماتي systegrave;me de traitement drsquo;informations حيث ينبثق عنها وهم illusion بعالم مادي كما جاء في موضوع الفيلم البديع المصفوفة أو الماتريكس Matrix وإن هذه المعلومة الجوهرية يمكن أن تتواجد في الزمان المتخيل في اللحظة صفر التي سبقت الانفجار العظيم.
لايبنز Leibniz ولغز البداية والأصل
كثيراً ما تجنب الباحثون التعاطي مع الـquot; لماذاquot; واكتفوا بـ quot; كيفquot; وبين الفينة والأخرى يتحرشون بـ quot; متىquot;، وكان لايبنز هو الأجرأ في القرن السابع عشر عندما تساءل :quot; لماذا هناك شيء ما بدلا من لاشيء؟quot; وهو السؤال الذي ردده المفكرون والعلماء والباحثون والفلاسفة وفئات واسعة من النخب والمثقفين، فالبحث فيه شائك وصعب ومعقد وحساس كونه الأهم في الوجود ولم يتمكن من صياغته رياضياتياً علماء الرياضيات، وحده لايبنز Leibniz، صاحب كتاب خطاب في الميتافيزيقيا Discours de meacute;taphysique ومختلق حساب اللانهائي في الصغر و ناحت مصطلح علم الأشكال التوبولوجيا topologie، هو الذي جهد للإجابة على هذا السؤال الجوهري رياضياتياً matheacute;matiquement، وكان الأب الروحي لكل علماء الرياضيات الفطاحل الذين أتوا من بعده. فهو أول من عارض مفهوم نيوتن Newton عن الزمن المطلق وأعتبره نسبياً قبل قرنين من آينشتين Einstein وكتب أيضاً :quot; أعتقد أن المكان هو وببساطة شيء نسبي كالزمانquot;.ثم أضاف متقدماً على عصره بقرون :quot; لا أعتقد بوجود مكان ولا زمان بدون مادة quot; وهو صلب وجوهر نظرية النسبية وله تأثير كبير على مسألة الأصل والبداية في الزمان والمكان. كما تجدر الإشارة إلى أن لايبنز Leibniz هو مكتشف الحساب المزدوج والثنائي أو المركب calcul binaire وذكر ذلك في مفكرة لأكاديمية العلوم بتاريخ 1703 تحت عنوان تفسير علم الحساب المركب أو المزدوج arithmeacute;tique binaire الذي يستخدم الرقمين صفر وواحد وذلك قبل 250 سنة من ظهور المعلوماتية ولغة الرياضيات الحاسوبية المزدوجة أو المركبة. وكان هو الملهم لعلماء ومنظري فرضية الكون المعلومة Lrsquo;Univers information.
فلو تلقينا صورة عبر الانترنيت في الكومبيوتر الشخصي لا أحد يسأل نفسه كيف وصلت هذه الصورة للحاسوب الشخصي وبأي صيرورة وأية تقنية؟ في الحقيقة إن الشخص الذي أرسلها أدخلها أولا عبر السكانرscanner أو الماسح الضوئي وحولها إلى رموز بلغة الحاسوب فأصبحت مجرد سلسلة متتالية من الأصفار والواحد مثل 0110001000110110001110000011 الخ... وعندما وصلت عبر البريد الالكتروني جاءت بهذه الرموز المركبة الثنائية أو المزدوجة وهي اللغة الوحيدة التي يقرأها الحاسوب ويعيد تركيبها كما كانت قبل ترميزها أو تشفيرها ليعيدها كصورة تشبه تماماً الصورة الأصلية التي أرسلت، أي نسخة مطابقة عنها وليست هي نفسها مادياً لأن الصورة الأصلية بقيت مع صاحبها أو مالكها الذي أرسلها. والذي ينطبق على صورة ينطبق على الواقع برمته بل وعلى الكون المرئي بمجمله حيث كان مضغوطاً في النقطة صفر على شكل معلومة حاسوبية تختزن ذاكرة الكون المرئي كله قبل خروجه لدنيا الواقع انطلاقاً من الانفجار العظيم إلى يوم الناس هذا. وهذا يعني أن كل واحد منا حسب منظري الفيزياء الرقمية physique numeacute;rique، في المستوى ما دون الذري، سوف يعثر على شيفراته المكونة من أصفار ورقم واحد مكررة إلى ما لا نهاية إذ أنه حتى أصغر الجسيمات المادية وتفاعلاتها تختزل بتشفيرتها الرقمية codage numeacute;rique.
بهذه المقاربة نضع اللبنة الأولى لنظرية فيزيائية جديدة تحققت بفضل الكومبيوترأو الحاسوب وتقنية الذكاء الاصطناعي intelligence artificielle حيث ستقوم هذه الفيزياء الجديدة بتغيير وجه العالم وهذه النظرية معروفة اليوم تحت عنوان quot; النظرية المعلوماتية theacute;orie de lrsquo;information. كانت نقطة الانطلاق قد تمثلت بجملة العالم ويلير Wheeler الشهيرة it from bit التي ترمز لفكرة أن لكل عنصر في العالم الفيزيائي المادي أساس عميق متصل بمنبع أو مصدر لا مادي source immateacute;rielle. فقد يكون الشكل الأكثر جوهرية للوجود موجود خارج المكان، وربما يكون مستنداً على عدة اشكال من المعلوماتية التي لا تتقبل بسهولة اي تفسير هندسي بسيط interpreacute;tation geacute;omeacute;trique simple. كما يقول العالم الشاب لوبوس موتل Lubos Motl ولو صحت هذه المقاربة الثورية الجريئة فإن عمق وجوهر الواقع لن يكون مكوناً من الذرات والجسيمات الأولية بل من البايتات والكيوبايتات bits et qubits الحاسوبية. وهناك كوكبة من العلماء الشباب الطموحين لاحتلال الساحة التنظيرية في الفيزياء النظرية المعاصرة من أمثال سيث للويد Seth Lloyd و وستيفن وولفرام Stephen Wolfram و شارل بينيتCharles Bennett و دافيد دويتش Davide Deutsch وبيتر شور Peter Shor وغيرهم كثيرون يقودون هذه الثورة الفيزيائية اليوم، وقد سبقهم لايبنز Leibniz بثلاث قرون عندما قال أن العمق الصلد للواقع وخامته الأولى لا تتكون من الجسيمات المادية بل من شيء آخر يمكننا أن نسميه المعلومة. أستاذ الفيزياء في جامعة أكسفورد دافيد دويتش Davide Deutsch، الحاصل على جائزة ديريك Dirak وأول من قدم الألغوريتم algorithme الكامل أي الحساب الخوارزمي للحساب الكمومي أو الكوانتي calcul quantique، والذي يستخدم كأساس للكومبيوتر الكمومي أو الكوانتي، انطلق بدوره من صيغة ويلير Wheeler الذي قال quot; it from bitquot; واستبدلها بصيغة it from qubit، فجوهر الواقع في نظره ليس مادياً بل غمامة من الأعداد المزدوجة أو الثنائية الحاسوبية من صفر وواحد التي تختزن كمية لا محدودة من المعلومات القابلة للرصد والموجودة في أي شيء مادي مهما كبر أو صغر، أي أن العالم مصنوع في أساسه من الكيوبايت Le monde est fait de qubits، ولكن على مستوى الظواهر الكمومية أو الكوانتية مادون الذرية في المستوى اللامتناهي في الصغر.
في نقطة الصفر المفترضة في النموذج المعياري modegrave;le stakdard سواء الكوانتي أو الكمومي أو النسبوي الآينشتيني،هناك الفرادة التأسيسية الأولية singulariteacute; initiale المقترنة بالعالم فريدمان friedmann، تلك النقطة الفريدة من نوعها والغريبة التي لاحجم لها ولا أبعاد، ودمغت الزمان الخيالي أو المتخيل القح temps imaginaire pur، هي التي اعتبرت أصل كل ما هو موجود في الواقع المادي. وهي ذات صفات وخصائص proprieacute;teacute;s مذهلة فبإمكانها تشفير encoder،على شكل رياضياتي، مجموع المعلومات المتعلقة بكوننا المرئي المادي. والحال أن الكم المعلوماتي للكون المرئي ليس لا نهائياً أو غير محدود. ففي القرن السابع عشر حاول السير آرثر إيدنغتون Sir Arthur Eddington حساب بعض الأرقام أو القيم أو الأعداد الكبرى التي توسم واقعنا. وحسب التقدير الذي اقترحه أحد علماء الرياضيات في زمنه من المحيطين به، فإن عدد حبات الرمل في كل سواحل وشواطيء الأرض تساوي 1015 حبة رمل. وقدر بعده بعض العلماء عدد الجسيمات الأولية المادية في كوننا المرئي بـ 1080 ولكن بما أننا أثبتنا مؤخراً المكونات النهائية الأصغر للواقع بأنها ليست جسيمات مادية فماذا يوجد بديلاً عنها؟ إنها الوحدات الكمومية أو الكوانتية uniteacute;s drsquo;information أو بعبارة أخرى البايتات الحاسوبية des bits informatique وقدرت بـ 10120 من البايتات المعلوماتية أو الحاسوبية وهو رقم صغير جداً رغم كونه الرقم الأكبر الذي له معنى ويمكن تصوره بشرياً من وجهة نظر فيزيائية. لكنه ضئيل جداً وكأنه غير موجود بالمقارنة أو في مواجهة الأرقام التي عددها الرياضيون وهي أرقام تصيب المرء بالذهول وربما بالجنون. وأحدها هو عدد الغوغول googol الذي سمي محرك البحث غوغل Google تيمناً به واستنبط هذا العدد رياضياتياً سنة 1938 وهو يساوي تقريباً 10100 وهو أصغر من عدد البايتات التي حسبها العالم لويد Loyed لأنه التقدم التصاعدي الذي يبدأ من الغوغول googol ويسمى الغوغول المركب أو الغوغول بليكس googolplex حدد بأنه 10 أس غوغول googol 10، أي عشرة أس 10 أس 100 وهو عدد لايمكنكم تخيله فلو كتبناه بسرعة ثلاثة أرقام في الثانية الواحدة فسنحتاج إلى 100 مليار المليار المليار المليار المليار المليار سنة لتدوينه، أي مليارات المليارات المليارات مرة منذ بدء الزمان الذي نعرفه. ولو أردنا أن نخزن العدد داخل حاسوب أو كومبيوتر فإن ذلك سيتطلب كومبيوتر أو حاسوب بحجم الكون المرئي كله. هذه الأعداد هي في الحقيقة أكوان nombres univers، ولو اعتبرنا أن خامة الواقع ذات طبيعة رمزية ديجيتال digitale أي رقمية وليست مادية فعلينا التوسل بكائنات رقمية entiteacute;s numeacute;riques قادرة على استيعاب كل تعقيدات الكون المرئي la complexiteacute; de lrsquo;univers observable نظرياً على الأقل. وهي أعداد موجودة، رغم غرابة سماتها وخصائصها، لذلك أسماها علماء الرياضيات بالأعداد الأكوان nombres univers وهي مكونة من أرقام حقيقية وواقعية يمكن عمل أي تسلسل رقمي منها بأطوال لا نهائية. إن أبسط هذه الأعداد هو عدد شومبرناونle nombre de Champernowne الذي ابتكره عالم الرياضيات والخبير الاقتصادي الانجليزي الشهير دافيد غوين شومبرناون david Gawen Champernowen الأستاذ في جامعة أكسفورد Oxford وكامبردج cambridge، لقد ابتكره وهو في عمر الواحد والعشرين عندما كان طالباً في كامبردج وعرف آنذاك بثابت شومبرناون constante de Champernowen. وهو عدد غاية في البساطة ويتكون من صفر وفارزة وبعد الفارزة سلسلة من الأرقام المتتالية من واحد إلى ما لا نهاية، أي 0.1234567891011 الخ.. وهذا العدد هو عدد كون nombres univers، وفي الحقيقة إن هذا النوع من الأعداد يمكن أن أن تحتوي كل ما هو موجود في الفضاء الكوني المرصود. ولو حاولنا كتابة ثابت شومبرناون باللغة الرياضياتية الثنائية أو المزدوجة en binaire ستكون البداية على النحو التالي 0.1101110010111 الخ.. وبالتالي بإمكاننا من هذه البداية كتابة العدد الكبير الذي أشرنا إليه أي 10120 الذي يتناسب مع عدد البايتات المعلوماتية للكون المرئي، وهذا العدد موجود في مرحلة ما قبل الانفجار العظيم أو الكبير Big Bang وبالتحديد في النقطة صفر من الزمكان lrsquo;espace-temps عندما كان الزمان ما يزال خيالياً محض أو متخيل temps imaginaire pur.
في المستوى اللامتناهي في الصغر lrsquo;infiniment petit، عندما يهمين ميكانيك الكم أو الكوانتا meacute;canique quantique فإنه في كل المظاهر الوجودية الوليدة، يتم استبدال البايتات les bits التي نعرفها في لغة الحاسوب المعلوماتية بالوحدات المعلوماتية الأصغر التي نسميها الكيوبايتات qubits، بعبارة أخرى، في ما يتعدى جدار بلانكle mur de planck قبل الانفجار الكبير أو العظيم، فإن ما يسبق الكون المادي المرئي preacute;-Univers، كما يعتقد دافيد دويتش Davide Deutsch، يكون مكوناً من كيوبايتات معلوماتية qubits وهذه الأخيرة هي التي تنظم تقلبات fluctuations الزمان الواقعي temps reacute;el والزمان المتخيل أو الخيالي temps imaginaire، بينما يعتقد الشقيقان التوأمان إيغور وغريشكا بوغدانوف Igor et Grichka Bogdanov، أن هناك ما هو دون أو تحت الكيوبايتات المعلوماتية ألا وهي الكينونات الرياضياتية des entiteacute;s matheacute;matiques، ومنها النقطة الرياضياتية point matheacute;matique، فلو أمعنا النظر في النقطة صفر للزمكان le point zeacute;ro de lrsquo;espace-temps فهي تقع في ما تحت مستوى بلانك au-dessous de lrsquo;eacute;chelle de Planck، والتي توقعها أو تكهن بها النموذج القياسي أو المعياري للبغ بانع أو الانفجار الكبير le modegrave;le standard du Big Bang، وهي التي عرفت بإسم الفرادة الأساسية أو الأولية التأسيسية la singulariteacute; initiale. التي لا يمكن الوصول إليها فهي مجرد كائن رياضياتي ولايمكن اصطيادها إلا نظرياً وحسابياً باستخدام أدوات جبرية instruments algeacute;briques، لأنها لا تحتوي على أي محتوى فيزيائي، فجوهرها تجريدي بحتabstraite. ويمكن مقارنتها بالمعلومة الحاسوبية، أو بنوع من الشفرة الكونية code cosmique، لهذا يعتقد خبراء النظرية المعلوماتية theacute;orie de lrsquo;information، أي أولئك الذين يعتقدون أنه يمكن مقارنة الكون المرئي بحاسوب أو كومبيوتر عملاق بحجم الكون المرئي يسمونه البرنامج Le programme، أمثال وولفرام Wolfram أو للويد Lloyd، ويسميه الأخوة بوغدانوف آنستانتون فريدة بحجم صفر instanton singulier de taille 0، أنها ذات صفات وخصائص متميزة أهمها أنها ذات محتوى توبولجي لا متغير contenu topologique invariant، أي مجرد معلومة مشفرة تختزن كل ذاكرة الكون السابق للانفجار العظيم أو الكبير، في المتوالية الكونية.
الشفرة الأصلية التأسيسية أو الأساسية un code initial
بما أن النقطة صفر point zeacute;ro ليست شيء فيزيائي objet physique فهي لا تندرج ضمن الظواهر المحصورة بين المستوى صفر ومستوى بلانكeacute;chelle zeacute;ro et eacute;chelle de Planck، ولا تخضع لمكرهات وضغوط كمومية أو كوانتية contraintes quantique، بمعنى آخر إن الفرادة، وبسبب جوهرها التوبولوجي essence، topologique، هي شيء كلاسيكي. فمن زاوية معلوماتية، تبدو الأمور بسيطة. ففي مستوى الصفر تقاس المعلومة بالبايتات ولكن باستخدام قانون مناسب أو ملائم يمكن للصفر أن يولد كافة الأعداد وكل الأشياء حتى تلك التي لا يمكن تصورها. فانطلاقاً من الصفر يمكننا أن نشهد ولادة انفجار كبير رقمي Big Bang numeacute;rique. وقد شرح العالم جون فون نيومان John von Neumann المراحل النظرية لذلك باستخدام نظريته بخصوص المجموع الفارغ lrsquo;ensemble Vide الذي لا يحتوي على شيء ويمثل الصفر، ويكون الانطلاق من هناك. وفي المرحلة الثانية نضع هذا الكل الفراغي داخل مجموع فراغي آخر عندها يولد الواحد من الصفر ومن بعده تولد كافة الأعداد الممكنة أي الأعداد التامة nombres entiers والأعداد النسبية nombres relatifs والأعداد الجبرية nombres algeacute;briques والأعداد الاستعلائية أو الرياضيات العليا أو الفائقة nombres transcendants والأعداد الخيالية أو المتخيلة nombres imaginaires الخ.. و بالإمكان تشكيل أماكن متعددة الأبعاد حسب تصور علماء الرياضيات، فلا توجد حدود في النظرية، وهو الأمر الذي أشار إليه العالم الرياضي العربي الخوارزمي واستخدمه الأخوة بوغدانوف في نظريتهم الكونية لوصف المعلومة الأصلية أو الأولية التأسيسية بأنها خوارزمية information algorithmique، اي قانون بسيط للتوليد وذو البنية أو الهيكيلية الرقمية أساساً. إن الفرادة الأولية الأساسية singulariteacute; initiale تمتلك شكلاً واحداً للمعلومة وهو quot;المعلومة الأولية أو التأسيسية lrsquo;information initialequot;. ولعدم وجود الزمان الحقيقي أو الواقعي temps reacute;el بعد، لا توجد هناك أية صيغة معقدة أو مركبة aucune complexiteacute; في اللحظة صفر lrsquo;instant zeacute;ro، وبالتالي فإن المعلومة النهائية information finale معدومة nulle، من هنا فإن الفرادة الأولية الأساسية singulariteacute; initiale، أي النقطة صفر، تعتبر الشيء الأبسط في كوننا المرئي قبل ولادته وتطوره وتعقيده. بتعبير آخر إن المعلومة الأولية أو التأسيسية lrsquo;information initiale تنوه بأن الأنثروبي entropie أي اللانظام في مرحلة ما قبل الكون preacute;-Univers يكون في المستوى صفر ويعتبر معدوم الوجود وبالتالي فإن اي نظام يتسم بانعدام الأنثروبي لا يمكن أن يوجد في الزمن الواقعي temps reacute;el وهذا يدعم فكرة وجود النقطة صفر فقط في الزمان المتخيل أو الخيالي temps imaginaire، ويحق لنا أن نتصور النقطة صفر لانهائية infinie بالضرورة. إذ أنها تتعاطى مع عدد لا نهائي من البايتات أكثر بكثير جداً من 10120 بايت الضرورية التي أشرنا إليها أعلاه، لبناء أو تشكيل الكون المرئي. إنها تصل إلى مصاف ما أسماه العلماء في الفيزياء الرقمية االبرنامج un programme الذكي الخالق مثل البرنامج الذي خلق المصفوفة في فيلم ماتريكس Matrixوالذي هو بمثابة الكود أو الشيفرة الأولية السابقة للوجود المادي الفيزيائي أي شيفرة الأصل code agrave; lrsquo;origine التي يقترح التوأمان بوغدانوف وجودها كفرضية مقبولة لكنهم لم يتمكنوا لحد الآن من اكتشاف ماهيتها وطبيعتها. فهي لا تتعدى مجرد بنية رقمية افتراضية structure numeacute;rique