إن مجرد الحديث عن مفاهيم البداية والنهاية سيجرنا حتماً، وعلى الرغم منا، إلى الحديث عن الزمان، إذ أن هذه المفاهيم هي مفاهيم زمانية بامتياز. فهل سيميط العلم يوما ما اللثام عن الحقيقة الحاضرة الغائبة دوماً والمتعلقة بالبداية الحقيقية، وليس المفترضة، والنهاية المجهولة والمتوقعة، لكل ما هو موجود على أرض الوجود المادي الذي نعيه وندركه بحواسنا البشرية؟ لقد عجزت فيزياء القرن العشرين وما سبقها عن تقديم الإجابة الشافية الكافية على هذا السؤال فهل ستنجح فيزياء القرن الواحد والعشرين في ذلك؟
في القرون الوسطى كان التفكير الإنساني يتركز في معظمه حول موضوع الأزلية والأبدية والخلود، من وجهة النظر الثيولوجية الدينية بالطبع، أو كما تراها الكنيسة الكاثوليكية والمؤسسة الدينية الحاخامية اليهودية وبالطبع ما يقابلها في الإسلام الشيعي والسني من مرجعيات ومراتبية دينية، مما يعني أن الإنسان هو الذي اختلق آلهته من مخيلته أو أنه رأى ظواهر خارقة ومخلوقات كونية غريبة اتخذها آلهة له. ففي القرون الوسطى، على سبيل المثال، كان هناك رجل دين مسيحي متنفذ في الكنيسة الكاثوليكية ومستشاراً للملك سان لوي Le roi saint Louis وأسقف باريس يدعى غيوم الأوفريني Guillaume drsquo;Auvergne، والذي كان يتمتع بقوة شخصية مدهشة وانفتاح ذهني منقطع النظير وجرأة لا مثيل لها عند أقرانه وزملائه، وكان أول من تساءل في تلك الحقبة :quot; هل كان يوجد شيء ما في الوقت الذي سبق الزمان؟quot; وبعده بقرون تساءل الفيلسوف الفرنسي غويتون Guitton :quot; هل كان هناك زمان قبل الزمان، زمان أولي سبق زماننا هذا الذي نعيش فيه؟quot; لم تكن الإجابة سهل ناهيك عن أن تكون بديهية ولكن العلم ونظرياته الحديثة والتكنولوجيا المتقدمة قدمت لنا اليوم بداية لإجابات خجولة ومعقدة نوعاً ما لأنها توسلت بمنهجيات رياضية جبرية مركبة وصعبة تحدثت عن زمان بسيط temps simple وزمان مركب temps complexe وعن زمان واقعي temps reacute;el وآخر متخيل أو خيالي temps imaginaire وهذه مفاهيم علمية وليست فنطازيا fantasmatique أو فذلكة كلامية ناجمة عن تصورات وهمية effet de lrsquo;imagination. وكان من أوائل من استحدثها واستخدمها علمياً عالم الرياضيات الفرنسي الفذ هنري بوانكاريه Henri Poincareacute; في أواخر القرن التاسع عشر. وفي سنة 1902 في كتابه الهام العلم والفرضية La Science et Lrsquo;Hypothegrave;se كتب بوانكاريه بجرأة :quot; بوسع شخص ما كرس وجوده كله أن يتمثل ربما البعد الرابع quatriegrave;me dimension quot; وهنا تكمن المعضلة أمام العلماء. كيف يمكن جعل البعد الرابع مرئياً هندسياً وفراغياً وعلى نحو سهل وبسيط؟ visualiser la quatriegrave;me dimension geacute;omeacute;triquement وكيف يمكن التمييز رياضياً وحسابياً matheacute;matiquement بين الزمان والمكان، أو بعبارة أخرى كيف يمكن مظهرة أو إيجاد التمظهر الهندسي repreacute;sentation geacute;omeacute;trique لما سماه آينشتين Einstein فيما بعد سنة 1905 الزمكان Lrsquo;espace-temps ذو الأبعاد الأربعة؟ في نهاية خمسينات القرن الماضي شاع بين بعض العلماء إمكانية اللجوء إلى شكل آخر من الزمان يختلف عن الزمان الواقعي الذي نعيش فيه وهو الزمان المتخيل أو الخيالي temps imaginaire وهو زمان افتراضي حاسوبي لا يقاس أو يحسب بالأرقام العادية المألوفة الموجودة على مينا الساعة اليدوية، بل بأرقام أو أعداد متخيلة أو خيالية nombres imaginaires وهي أعداد غريبة كما وصفها الفيلسوف والعالم ديكارت Descartes في القرن السابع عشر، والتي يكون جذرها التربيعي دائماً سالب neacute;gatif. وهي الوحيدة القادرة على التعاطي مع الزمن المتخيل الذي وصفه عالم الفيزياء والرياضيات الشهير ستيفن هاوكينغ Stephen Hawking بأنه الشكل الجوهري la forme fondamentale للزمان الواقعي temps reacute;el. حيث أن الزمن المتخيل هو زمن بلا مدة كأنه متجمد وكل لحظاته متوقفة ومتداخلة ومتراكمة فوق بعضها البعض أو منطوية على نفسها، ولكي نتمكن من تصورها يتوجب علينا أن نأخذ مثال كصورة تقريبية ليست دقيقة تتمثل ببكرة الشريط السينمائي التي تضم أحداث فيلم كامل وصوره ولقطاته ومشاهده وكلها ملفوفة على هذا الشريط وبداخله وهو بدوره ملفوف داخل بوبينة أو علبة معدنية. فالفيلم ليس في الزمن الواقعي ولا يجري في المدة طالماً كان حبيساً في العلبة، فهو يقبع في الزمن المتخيل إذا جاز لنا التعبير، ولا يخرج للزمان الواقعي إلا عندما نضع بكرة الفيلم على جهاز العرض ونعرضه على الشاشة عندها يدخل في الزمن الواقعي ويعرض أحداثه في سياق المدة الزمانية حيث يكون له بداية ونهاية وماضي ومستقبل. وفي طيات هذا الزمن المتخيل، الذي لا يتعدى كونه معلومة حاسوبية تختزن كل ذاكرة الكون الجمعية سواء التي سبقت الانفجار العظيم Big Bang أي في هيئته السابقة للنشأة الحالية أو تلك التي تتضمن كل مافي الكون المرئي من موجودات ومكونات وأحداث دارت أو ستدور في الزمن الواقعي في سياق المدة dureacute;e. بعبارة أخرى هيئة ذات مغزى ثيولوجي غيبي للكون المرئي كما كان قبل تجسده وهو ما يزال قابعاً في تفكير الله La penseacute;e de Dieu، وكما ستكون صورته بعد ظهوره في تفكير البشر. وهاهي الجملة السحرية تظهر وتتحدى quot; ماذا كان يجري في فكر الله قبل خلق الكون؟quot;بالطبع بالنسبة لمن يعتقدون بأطروحة الخلق الإلهي المباشر والمستقل عن إرادة ما سواه.
في رواية صغيرة وطريفة كتبها الباحث والفنان وكاتب السيناريو الفرنسي الشهير جون كلود كاريير jean claude carriegrave;re من النوع الخيالي البحت عنوانها quot; من فضلك يا آينشتين Einstein srsquo;il vous plait نشرها سنة 2007، ضمن مجموعة من الكتب المهمة جداً مثل quot; محادثة حول تعدد العوالم مع العالم تيبو دامور Entretien sur la multitude du monde avec Thibault Damour وغيره، أورد الكاتب قصة متخيلة ممتعة ومفعمة بالخيال ملخصها سعي فتاة لمقابلة العالم الفريد آينشتين ولكن بعد نصف قرن من وفاته حيث تجد نفسها في صالة الانتظار مع عدد كبير من الأشخاص بملابس وأزياء متنوعة تعود لحقب زمنية مختلفة ومن بينهم نيوتن. وعندما التقى بها آينشتين دارت بينهم حوارات هي محتوى الرواية وموضوعاتها علمية بحتة تتعلق بإنجازات ونظريات ومساهمات آينشتين العلمية ومواقف الآخرين منها تأييداً أو معارضة. وفي إحدى فقرات الرواية سألت الفتاة الشابة العالم العجوز : سيدي عماذا تبحث في معادلاتك؟ لم يرد عليها آينشتين على الفور بل تأمل قليلاً وتحرك ببطء نحو مكتبه وجلس قبالة الفتاة الشابة متأملاً باضطراب بادي للعيان جمال هذه الطالبة الشابة وبعد تنهيدة مسك بيدها وبصوت خافت كأنه يهمس بإذنها قال: أريد أن أعرف كيف خلق الله الكون، لا أهتم بهذه الظاهرة أو تلك، أو هذا العنصر أو ذاك، أريد أن أعرف تفكير الله je veux connaitre la penseacute;e de Dieuquot;. الأمر إذا ليس جديداً بل قديم جداً قدم التاريخ ولم يفوته أي عالم رصين. الكل يبحث عن تفكير الله. جملة آينشتين هذه حقيقية وليست مستمدة من هذه الرواية العلمية الخيالية المذكورة أعلاه، فلقد نطقها بالفعل ووردت في الفيلم الجميل الذي كرس لحياة آينشتين في المشهد الذي جمعه مع صديقته التي أصبحت فيما بعد زوجته الأولى عندما كانا طلاباً وزملاء حيث أصبحت هي أيضاً عالمة فيزياء كبيرة. وقد اثارت هذه الجملة عاصفة من ردود الأفعال وثورات في المختبرات العلمية وأحدثت العديد من السجالات والنقاشات العلمية على مدى عقود طويلة. وإلى يومنا هذا تخترق هذه الجملة المتخمة بالنوايا عقول علماء أفذاذ من نوع ستيفن هوكينغ Stephen Hawking الذي تساءل قبل أكثر من ثلاث عقود في كتابه الشهيرquot; تاريخ مختصر للزمن Une bregrave;ve histoire du tempsquot; لماذا يوجد الكون؟ وفي خاتمة كتابه في آخر سطوره قال:quot; لو وجدنا الإجابة على هذا السؤال فسوف يشكل ذلك انتصاراً نهائياً للعقل البشري إذ أننا عندها سوف سنعرف تفكير الله nous connaitrons la penseacute;e de Dieuquot;. يعتقد البعض أن هذه العبارة ستكون مفتاح فيزياء القرن الواحد والعشرين ومحور الأبحاث العلمية في هذا القرن الجديد الذي انقضى عقده الأول ودخلنا في السنوات الثلاثة الأولى من عقده الثاني كما أكد ذلك العالم والمنظر الأمريكي ذائع الصيت فريما ديسون Freeman Dyson حينما صرح قائلاً :quot; التحدي الحقيقي هو أن نقرأ تفكير الله لكي نعرف لماذا يوجد الكون وبأي معجزة انبثق فجأة من العدم أو اللاشيء قبل حوالي 14 مليار سنة؟quot;. وأضاف مردداً قول آينشتين وهوكينغ وغيرهم كثيرون:quot; لماذا يجود شيء ما بدلا من لاشيء، ولماذا أوجد هذا الشيء ما الحياة والوعي والعقل والذكاء والتفكير؟ كل محاولات العلماء للإجابة على هذه الأسئلة باءت بالفشل لكنهم تقبلوا ثلاث فرضيات. أسهلها وأقلها علمية، هي الفرضية الأولى التي تتلخص بالدفاع عن فكرة مؤداها أن الكون والوعي والحياة كلها ظهرت نتيجة quot; لمصادفة كونية مذهلة وليس شيء آخر. أي في هذه الفرضية إن الحياة ظهرت بمحض الصدفة وإن وجودنا ليس سوى حالة عشوائية كما قال بذلك الفيلسوف الوجودي الفرنسي الشهير جون بول سارتر jean Paul Sartre وعبر عنه بعبارةquot; العلم عبارة عن عبث ليس إلاquot; أو أن العالم عبثياً في جوهره le monde est absurde. الفرضية الثانية هي تلك التي تتحدث عن الأكوان المتوازية des univers parallegrave;les وحسب رأي المدافعين عن هذه الفرضية فإن كوننا المرئي الذي نعيش فيه ليس سوى النسخة الرابحة من بين عدد لانهائي من الأكوان العقيمة infiniteacute; drsquo;univers steacute;riles حيث أن وجود كون منظم يحتوينا في أحضانه ليس أمراً ملفتاً ومتميزاً وذا قيمة remarquable لأنه سيكون ضائعاً ضمن عدد لا نهائي من الأكوان الفوضوية univers chaotiques وهذه الفرضية، رغم شهرتها وانتشارها وهيمنتها هذه الأيام على المسرح العلمي، لأنها باتت على الموضة كما يقولون، إلا أنها ليست علمية محضة كما يدعي مروجوها فهي لم تزل مجرد فرضية تحتاج إلى اليقين العلمي والبرهان والتجربة المختبرية اليقينية فهي لحد الآن غير قابلة للإخضاع التجريبي المختبري الحقيقي nrsquo;est pas veacute;ritable expeacute;rimentalement ولأنه في جميع الأكوان الممكنة والمحتملة فإن الرياضيات والقوانين الرياضية تبقى هي نفسها المعمول بها والسارية في كوننا المرئي، وبما أن الواقع الفيزيائي يتحدد ويسير بفعل الرياضيات les matheacute;matiques فمن المتوقع حتماً أننا سنقع على نفس الكون الذي يضمنا ويحتوينا أي كوننا المرئي. وهنا تأتي الفرضية الثالثة التي يعتقد البعض أنها الأقرب للمنطق العلمي، حسب أنصارها، والتي تقول بكون واحد ووحيد تحدده وتنظمه قوانين الفيزياء وفي هذه الحالة فإن التطور الكوني أو الكوزمولوجي eacute;volution cosmologique لا يترك شيئاً للصدفة وإن الحياة تظهر كنتيجة حتمية لا يمكن تفاديها conseacute;quence ineacute;vitable لسيناريو محكم ومفروض يملى على الوجود من خارج الكون، وفي غاية الدقة والتنظيم، من قبل قوانين فيزيائية طبيعية محكمة وصفها البعض بأنها هي الإله الخالق. وفي هذه الحالة فإن لهذا الكون الفريد من نوعه، هو عبارة عن شفرة خفية غامضة code sous-jacent تحتية ذات جوهر أو طبيعة رياضياتية essence matheacute;matique يمكن مقارنتها بالشفرة الجينية code geacute;neacute;tique للكائن الحي، وهي التي نشرح وتفسر كل القوانين الفيزيائية وتنظم وتحدد بدقة لا متناهية ومذهلة جداً قيم valeures جميع الثوابت الجوهريةconstantes fondamentaux للكون المرئي والعلاقات فيما بينها لكي تنجب كوناً منظماً univers ordonneacute; وقابلاً للتطور نحو الحياة والوعي la vie et la conscience. وفي الحقيقة هناك الكثير من الفيزيائيين ممن لاحظوا أن القوانين الجوهرية للطبيعة تبدو في غاية الدقة والتوازن والضبط العياري بغية السماح بتشكل المجرات والنجوم والكواكب وللسماح للحياة بالانبثاق من المادة. كانت مهمة العلماء حتى وقت قريب تتركز بالأساس على اكتشاف طبيعة القوانين الفيزيائية وتبعات تطبيقاتها، لكنهم امتنعوا عن طرح تساؤلات بشأن أسباب وجود تلك القوانين. ولكن مع تقدم العلم والتكنولوجيا العصرية بات من الصعب الاكتفاء بالقول أن هذه القوانين بدأت فعلها التنظيمي مع حدوث الانفجار العظيم Big Bang من أجل تنظيم وهيكلة المادة والكون المرئي بلا أي سبب ظاهر وجلي وبات من حق العلماء البحث في كلمةquot; لماذاquot; المتعلقة بتلك القوانين وهل هناك سبب لوجودها.
هل كان لدى الله الخيار في خلق الكون؟
في صيف سنة 1951 وفي المكتب المتواضع الذي يشغله آينشتين في معهد الدراسات المتقدمة lrsquo;Institute des eacute;tudes avanceacute;es، كان هذا العالم المهيب منكباً على معادلاته المعقدة في النسبية التي كتبها وأعاد كتابتها مراراً وتكراراً وهو مهموم وغارق في تفكيره بصمت، وفجأة توقف عن العمل والتفت لمساعده العالم الفيزيائي الشاب آنذاك إرنست شتراوس Ernst tStraus موجهاً أنظاره نحو اللامرئي البعيد وسأل مساعده بصوت منخفض :quot; هل كان لدى الله اختيار في خلق الكون؟quot; كان السؤال عميقاً ومثيراً للحيرة ويعيدنا إلى ما قبل ربع قرن من ذلك التاريخ عندما أعلن آينشتين : quot; على أية حال أنا مقتنع بأن الله لا يرعب النردquot;. وهذا يعني أن آينشتين كان مقتنعاً تماماً، وليس لديه أدنى شك بأن الكون المرئي الذي يدرسه لم يلد بمحض الصدفة، وحتى لو أفلت الكون من الصدفة فهل كان بإمكانه أن يكون على خلاف ما هو عليه؟ أي تحكمه قوانين مختلفة عن القوانين التي نعرفها؟ آينشتين واثق من أن القوانين في الكون المرئي هي نفسها ولا يمكن أن تكون مختلفة في لحظة ولادته، بعبارة أخرى لو كان الله هو الخالق للكون فإنه لم يكن يمتلك خياراً آخر في عملية الخلق. وبعد مضي أربعة عقود على ذلك التصريح الآينشتيني طرح العالم الانجليزي المعروف روجر بينروس Roger Penrose في جامعة أكسفورد وشريك ستيفن هوكينغ في الأبحاث الكونية، نفس السؤال الآينشتيني متخيلاً لوحة هائلة بحجم الكون مليئة بمليارت المليارات من النقاط التي تشير كل واحدة منها إلى كون ممكن الوجود وتساءل بينروس عما إذا كان لدى الخالق الحرية في وضع قلمه أو سهمه على أية نقطة على اللاتعيين من تلك النقاط الأكوان في لحظة الانفجار العظيم لكي يخلق كونناً شبيهاً نوعاً ما بكوننا المرئي. وجاء جوابه المطعم بمئات المعادلات والحسابات الرياضية المتينة والصعبة جداً، وكان هو نفس جواب آينشتين، ألا وهو أن الخالق لم يكن يمتلك أي خيار آخر، أي لم يكن حراً في خياراته. فلم تكن هناك على تلك اللوحة سوى نقطة كون point-univers واحدة كان على الخالق أن يضع قلمه عليها أو يؤشر عليها بسهمه من بين مليارات المليارات المليارات المليارات من الإمكانيات المتاحة. ولتوضيح هذه الحالة القسرية في لحظة الولادة الأصل، أظهر بينروس بواسطة الرياضيات المتقدمة الحديثة والتجريبية أن فرصة أن يقع الخالق على النقطة الصحيحة هي بنسبة واحد من 10 أس 10 مضروب بـ 10 أس 123 10123 x 1010 وهو رقم يستحيل تخيله لذلك ومن باب التندر صرح آينشتين في يوم ما :quot; أن الصدفة هي الله عندما كان يتجول متخفياًquot; ولو تركنا الواقع العلمي الرصين والبارد في منهجيته وصرامته ودخلنا عالم التكهنات والافتراضات لن يبقى في ايدينا سوى لعبة الفرضيات jeu drsquo;hypothegrave;ses من أجل الحصول على أجوبة جديدة ولو تقريبية أو تقديرية أو افتراضية، حيث يكمن الحل في فرضية وجود نمطين من الزمان كانا متواجدين في لحظة الانفجار العظيم وكان أحدهما سابق للآخر قبل الانفجار العظيم. هناك أولاً الزمان الذي نعرفه في كوننا المرئي والذي بدأ في مرحلة ما بعد الانفجار العظيم وهو يجري في مسار أو اتجاه ثابت لحظة بعد أخرى مما يجعل الأمور تسير في سياقها الطبيعي كالأنهار وشروق وغروب الشمس وهو مرتبط عضوياً وجوهرياً بالطاقة وهو الذي نسميه الزمان الواقعي temps reacute;el، وهناك ثانياً الزمن المتخيل أو الخيالي temps imaginaire حيث لا توجد حركة في هذا الزمن وكأنه متجمد حيث لا يسير هذا الزمان بأي اتجاه ولا يمر أو يسري كالزمان الواقعي، ويمكن تشبيهه بقرص كومبيوتر DVD مركون أو موجود خارج جهاز قراءة الأقراص والقصة أو التاريخ المسجل عليه في حالة تجمد ولا يوجد مكان لشيء إسمه الطاقة ولذا ما هو البديل لذلك؟ هو ما يسميه العلماء بالمعلومة الحاسوبية lrsquo;information informatique وهي نظير الطاقة في الزمان الواقعي لكنها معلومة تتواجد فقط في الزمان التخيلي أو الخيالي. لذلك سنستبدل جميع الوحدات الفيزيائية الواقعية les uniteacute;s physiques reacute;elles وبدون أي استثناء، بوحدات بديلة تسمى بايتات المعلومة les Bits drsquo;information المتداولة بلغة المعلوماتية informatique وعالم الحاسوب أو الكومبيوتر حيث يمكن وصف جميع الأشياء والأجسام بلغة ورموز المعلوماتية الحاسوبية، ولو على الصعيد النظري، اي بصيغة البايتات المعلومة les Bits drsquo;information فكل شيء يحتوي على كمية من هذه البايتات المعلوماتية. ولو استعنا بذلك وعدنا للكون البدئي الأولي Univers primordial فأين سنعثر على هذا الزمان الخيالي أو المتخيل؟ الجواب هو في الموضع الذي يتوقف فيه الزمان الواقعي عن الوجود أي في اللحظة أو النقطة صفر Lrsquo;instant ou point zeacute;ro وهذه اللحظة يقابلها في النموذج القياسي أو المعياري modegrave;le standard ما يمكن أن نسميه الفرادة التأسيسية الأساسية singulariteacute; initiale أو الأولية التي توسم الصفر المطلق zeacute;ro absolu للزمان والمكان، اي الأصل الحقيقي للكون المرئي. ينبغي التنويه هنا إلى أن ما نتحدث عنه ليس سوى طرح نظري بحت وهذه النقطة هي نقطة رياضياتية قح point matheacute;matique pur لا يمكن الولوج إليها بالحساب الفيزيائي التقليدي. وعلى خلاف كل ما هو موجود في الكون المرئي المادي الملموس، فإن جوهرها العميق تجريدي بحت كلياً totalement abstraite. وعندها لاتوجد مادة و لا طاقة ولا يوجد زمان ولا مكان، يضاف إلى ذلك أنه عند نقطة الصفر الافتراضية هذه فإن أنثروبيا الكون lrsquo;entropie de lrsquo;univers، أي حالة اللاانتظام فيه، هي معدومة تماماً nulle.وهذه نتيجة طبيعية لمبدأ الترموديناميك الديناميك الحراري principe de la thermodynamique الذي استفاض العلماء والباحثون في شرحه وتوضيحه في بدايات القرن المنصرم 1900 وخاصة على يد العالم العبقري لودفيغ بولتزمان Ludwig Boltzmann. والحال، وبما أن المعلومة الحاسوبية هي النقيض للأنثروبي entropie فإن هذا يعني أن نقطة الصفر المعلوماتية، حيت تتواجد المعلومة الحاسوبية الرياضياتية، تعتبر في قيمتها القصوى، مما يعني أنه في اللحظة صفر لا يوجد غير المعلومة lrsquo;information فقط لا غير وهي ليست سوى واقع رقمي reacute;aliteacute; numeacute;rique يمكنه أن يشفر encoder، على نحو رياضياتي sous forme matheacute;matique مجموع الصفات والخصائص proprieacute;teacute;s التي سوف تعمل، بعد الانفجار العظيم، على إيجاد وتطور الكون الفيزيائي المادي. وكما أشار الفيلسوف المتنور لايبنز Leibniz ومن معه في مدرسة غوتنغن eacute;cole de Gocirc;ttingen في الماضي، إلى إمكانية وجود عدد nombre أوسع من الكون. ففي الزمان الخيالي أو المتخيل temps imaginaire حيث تستمد الهارمونية، المقررة سلفاً، مصدرها، أي عدد كون nombre-Univers ذو نقاوة عالية وخارج الزمكان lrsquo;espace-temps حيث يمكنه احتواء أقصى أنواع التعقيد الذي يمكن للنفس البشرية أن تتخيله، ويمكن لفكر الله أن يصوغه.
يتبع