التهويل الإعلامي حول انشقاق مناف طلاس إن لم يكن متعمدا فهو لغط مبالغ فيه إلى حد بعيد. طلاس الأب لم يكن في يوم من الأيام على الرغم من تبوئه منصب وزير الدفاع و ولائه التام خلال رحلة عمل دامت أكثر من ثلاثين عاما في خدمة الأسد الأب من أن يكون واحدا من ضمن دائرة القرار الحقيقية الضيقة. حافظ الأسد ارتأى فيه إحدى الواجهات السنية الصامتة التي لا ترى و لا تسمع بكل نياشينه وأوسمته بغية إظهار مشاركة أغلبية السنة في الحكم من خلال أمثاله, مقابل ذلك تمتع العماد وعائلته بامتيازات نفعية عديدة. الدور الموكل إلى طلاس الابن لم يختلف كثيرا فالعائلة الموالية للنظام كانت من ضمن الميراث الذي آل إلى الأسد الابن كعائلة مقربة للحاكم لكن ليس من الحكم.

التصريحات الأخيرة التي صدرت عن بعض أطراف المعارضة السورية ورقصة العراضة المبكرة لمناف حتى درجة الإيحاء بقدرته على إدارة مرحلة انتقالية قبل أن يعلن الرجل عن نيته بالوقوف مع الانتفاضة الشعبية لها دلالتان لا ثالث لهما:
الأولى قد تكون من منطلق تعلق الغريق بقشة! هذه الدلالة هزيلة إلى حد ما لأن من صرّحوا من المعارضين هم من السياسيين المتمرسين الذين لا تخفى عليهم الشاردة, وهم يعرفون بأن السوريين ثلاثة وعشرون مليونا وبينهم بالتأكيد من يستطيع قيادة المرحلة الانتقالية.

الثانية التي تعتبر أكثر انسجاما مع واقع الداخل السوري هي أن هذه المعارضة على دراية كبيرة بخفايا الأمور حول حيثيات فرار مناف و الفترة الزمنية قبل و أثناء خروجه من سورية.

الضبابية التي تلازمت خبر انشقاقه دون الإعلان عن ذلك بتصريح من صاحب القضية نفسها ترك الكثير من إشارات الاستفهام و باب مفتوحا على مصراعيه للتأويلات والسيناريوهات الكثيرة المحتملة التي قد تكون وراء هذا الانشقاق المزعوم.

اتفاق منظم بين دول غربية, عربية, قسم من المعارضة, طلاس, ربما!
خطة عنكبوتيه منسوجة بعناية من قبل النظام نفسه مستندة على دعم استخباراتي كبير يشتم منها رائحة -ك-ج-ب أيام السوفييت والتي بوتين كان ضابطا عاملا فيها أقرب إلى التصديق.

حدس الإنسان فوق كل التحليلات السياسية والعلمية و يبدو أن قرون الاستشعار لدى حكام دمشق قد بدأت تنقل الأخطار المرتقبة وذلك تزامنا مع ارتفاع أزيز الرصاص في أحياء عديدة من دمشق, دوي المدافع في ريفها وتفاقم الانشقاقات في صفوف الجيش من مختلف المراتب. لابد أن النظام رغم بغيه وتجبره قد بدأ يعرف بأن إمكانية الاستمرار في حكم سورية بعد كل هذه المجازر والأهوال بات أمر شبه مستحيل والاقتناع بذلك قد يجنبه مصيرا شبيها بما آل إليه القذافي وصحبه.

من هنا بدأت العقول المدبرة في النظام السوري بالتعاون مع الحليف الروسي التحضير لسقوط مريح لأركانه عند الفشل في المحاولة الأخيرة لإخماد الثورة بقيادة كوفي عنان الذي يحاول إشراك إيران والعراق (المالكي) فيها.

المرحلة الانتقالية ومن يقودها لها الأهمية المطلقة بالنسبة للزمرة الحاكمة في دمشق, تحديدا أمن وسلامة رؤوس النظام ومصير ممتلكاتهم بالدرجة الأولى ومن ثم ضمان تجنيب المقربين من النظام وبشكل خاص الطائفة العلوية ويلات الانتقام. من يستطيع القيام بمثل هذا الدور أفضل من الصديق الوفي بل الخادم الأمين وابن الخادم الأمين و يؤمن مثل هذا السقوط الناعم. طلاس سني مثل الأغلبية ليس له دورعلني في تصفية الثوار هذا ما سيجعله مقبولا من الشعب المنتفض ومن بقية أطياف المعارضة كقائد للمرحلة الانتقالية.
.
قريحة النظام في سورية كانت ومازالت مبدعة في صناعة المعارضين الوهميين الآن تتفتق هذه القريحة حتى بصنع من يدير شؤون البلاد عند سقوط الأسد.
مخرج من المعضلة التي أوقع النظام نفسه وأصدقاءه فيها و طلاس من بينهم جاء على طبق من ذهب للانخراط مع الانتفاضة الشعبية العارمة شرعيا والحفاظ على المكتسبات الكبيرة التي اقتنتها العائلة عن طريق استغلال نفوذها الذي امتد لعقود طويلة.

مترجم وكاتب سوري مقيم في ستوكهولم
[email protected]