صرح الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية في خطبة الجمعة 3 اغسطس بمسجد فاضل بمدينة السادس من أكتوبر كما جاء في بوابة الأهرام الإلكترونية، أن الحادث المؤلم الذي وقع في مدينة دهشور بمصر، يدق ناقوس الخطر، وأضاف قائلا أيعتدى على ذي عهد في بلادكم والنبي يقول من آذى معاهدا فقد آذاني، أيُرضي ذلك رسول الله؟!!، ما هذا الحمق ومن وراءه؟ وأكد فضيلته أن حماية الأقلية المسيحية في مصر واجب شرعا على الأغلبية المسلمة. انتهى كلام المفتي.

وبالتأكيد فهذه مشاعر طيبة من مفتي الجمهورية يشكر عليها على عكس أولئك الصامتين عن إدانة هذه الجريمة النكراء أو كما يسميها البعض quot;غزوة دهشورquot;. ويا للأسف فقد صمت عن إدانة هذه الأفعال الوحشية ذوي السلطة والسلطان وأصحاب الأيدلوجيات المتطرفة والتعصب البغيض وكأنهم يباركون الفعل الشرير!!!

لكن! وعلى الرغم من الموقف الذي يعتبره البعض لطيفا من فضيلة المفتي فإن الدهشة أصابتني لأن دولة المواطنة والدول المتحضرة لا تحكمها المشاعر والأحاديث النبوية وإنما القضاء العادل والقانون الذي يطبق على الجميع بالحزم وبدون تمييز.

فضيلة المفتي أرجو المعذرة فقولك quot; أيعتدى على ذي عهد في بلادكمquot; لا يقبله أي مواطن قبطي بسيط. يا عزيزي او ليست مصر هي أيضا بلادنا؟ وكيف تسمي المصري القبطي ذو عهد وهو صاحب البلد موجود فيها منذ آلاف السنين؟ وهل نسيت أنه يدين بالمسيحية قبل أن تكون انت مسلماً؟ وهل نسيت أن كنائس الأقباط المسيحيين وأديرتهم كانت تملأ ربوع مصر من الشمال للجنوب ومن الشرق للغرب قبل أن يغزو العرب مصر بمئات السنين؟ هل نسيت أن أجدادك الأقباط المسيحيين هم الذين شيدوا المساجد في مصر وغيرها من البلدان فلم يكن العرب في الهندسة المعمارية بارعون!!! فكيف تقول للمسلمين بلادكم وكأن المسيحيون في بلادهم مهاجرين؟ وكيف تقول عن الأقباط ذو عهد وهم اصحاب البلد الأصليين؟

فضيلة المفتي! المصريون المسيحيون ليسوا معاهدين بوثيقة عهد، وليسوا اهل ذمة بل هم مواطنون أصليين اصحاب بلد مثلهم مثل اخوتهم المصريين المسلمين ويعيشون جميعهم في دولة المواطنة بدستور يحمي الحريات والحقوق والواجبات. فكفى ترديدا لهذه المقولات مثل اهل الذمة وأهل العهد وبلادكم وبلادنا وأقلية وأغلبية تلك الكلمات التي ترسخ عند الكثيرين مفاهيم خاطئة عن شركاء الوطن لما فيها من انتقاص لحقوق المواطنة وتأجيج لمشاعر الاحتقان الطائفي علاوة على انها تجيز التميز بين المواطنين على أسس دينية.
فضيلة المفتي نعلم صدق النية لكن يجب أيضا ان تعلم أن المصريين المسيحيون لن يرضوا بأن يعيشوا بأمان لأن المسلمون مطالبون بحمايتهم فإن تخلوا عن حمايتهم تعرضوا للقتل والعدوان.. لا لا يا فضيلة المفتي الأقباط لا يطلبون عطفا من أحد ولا يقبلون إحسانا في بلادهم. لأن الجميع يجب أن يعيش في أمن وآمان ليس بسبب حماية طرف للطرف الآخر وإنما لأن القانون هو الذي يحمي حقوق الجميع المسيحيين والمسلمين على حد سواء وبدون تمييز...

أيضا ففي تصريحاتك يا فضيلة المفتي إلى أن عربات النقل أتت لتحمل كل ما في بيوت النصارى فتحرقها، ووصفك لهذا ن ذلك نهب منظم ومدبر، وأن quot;الأمن يستطيع أن يعرفهم، والمصيبة هي لمَ لم يتحرك الأمن؟...... إشارة إلى أن المعتدين هم من البلطجية أو من الجهلاء المتعصبين أو من عناصر اللهو الخفي الذي قتل الأبرياء في ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس والوزراء وغيرهم من الأبرياء المسالمين. فإن كان الأمر كذلك فالعيب كل العيب إذن يقع على المسيحيين المتضررين فكان يجب عليهم ألا يهجروا ديارهم مطلقا وان يدافعوا عن انفسهم بكل الطرق والوسائل والآليات التي تردع الجناة وتردهم عن بغيهم وكان لزاما عليهم أن يضحوا في سبيل ذلك بكل غالي ونفيس حتى الشهادة فهذا حقا مشروعا ودفاعا عن النفس كفله القانون، وإلا كانوا جبناء لا يفرقون بين معنى التسامح ومقاومة المعتدين الأشرار.

يخطأ الكثيرون فهم قول السيد المسيح له المجد quot; من لطمك على خدك الأيمن حول له الآخر أيضاً quot;. ففيما يعتقد البعض أن الذي يستطيع تنفيذ هذه الوصية يحتاج إلى امتلاك قيمة عظمى للتسامح، يرى البعض الآخر أنه من الصعب للمرء أن يتنازل هكذا عن كرامته ويترك الجاني بدون عقاب، ويعطيه الخد الآخر؟

اختلطت المفاهيم وتاهت الحقيقة ولم يعد المرء يدرك الخط الفاصل بين مفهوم التسامح بمعنى قبول الآخر بكل اختلافاته والتعامل معه بدون استعلاء وبين مفاهيم رد الظلم ومعاقبة الظالم حتى تسود قيم العدالة في المجتمع.

ولذلك فإن الفهم الصحيح لهذه القيمة التسامحية الرائعة يعتمد على فهم ثقافة المعتدى ودوافعه قبل تطبيقها عمليا. فإذا كان المعتدي يلطم الخد الأيمن لا لشيء إلا لأنك مختلف عنه دينيا وثقافيا ما يعني رفض الحق في وجودك أو انتقاصا لكرامتك وقيمة مواطنتك فعليك ان تلقنه درسا يجعله يفيق من غيبوبته ويعود إلى رشده وإلا اشتركت معه في بغيه بأن ساعدته في الاستمرار في شره فيكرره مع الآخرين،..

يجب أن يكون التعامل مع الناس باللغة التي يفهمونها.. فإن كانوا يفهمون لغة الخد الأيمن والأيسر ويفهمون لغة التسامح فاستخدامها معهم واجب وضروري وإن لم يكونوا يفهمون ذلك فهذا لن يكون كافيا لرد عدوانهم ويكون لزاما اختيار اللغة المناسبة التي ترد عدوانهم بكل الطرق المشروعة قانونا..

حمى الله مصر أرضا وشعبا وفوت الفرصة على أعداء الداخل والخارج للنيل من الوحدة الوطنية لبلادنا الحبيبة مصر بتحالف القوى المستنيرة من المسلمين و المسيحيين ووقوفهم صفا واحد ضد قوى التخلف والجهل الأحمق.

[email protected]