تهاهجم بعض المجموعات من تيارات الإسلام السياسي المتشدد المنطقة الكردية وبشكل مسعور في الفترة الأخيرة، نهبوا و عبثوا في بعض المدن مثل كري سبي ( تل أبيض ) وسابقاً على سري كانيه ( رأس العين ) وغيرهما، والأن تتوسع لتشمل المنطقة الكردية في شمال وشمال شرق سوريا بشكل عام، تعود خلفية استهدافهم للكرد إلى تراكمات تاريخية غارقة في القدم، مندمج مع حاضرعنصري. فالتيارات التكفيرية والسلفية وخاصة جبهة النصرة ودولة العراق والشام، ربيبتا السلطة منذ أيام الفساد الأكبر في العراق، ويوم كانوا يتدربون في معسكرات السلطة حول طرطوس وديرالزور، وكانوا في حضن أئمة ولاية الفقية في إيران، ينفذون أجندات أوليائهم، بتوسيع رقعة الدمار في سوريا الوطن، ومحاولة إدخال الكرد في صراع فاسد، ليس كطرف ثوري ضد السلطة، بل في صراع أثني، عربي - كردي، ولإخراجهم من المعارضة الثورية. فالجهتان، السلطة والتيارات التكفيرية، تدركان أن الكرد هم أوائل من ثاروا، وأول من رفعوا شعار إسقاط النظام، وتاريخ ثورتهم يسبق الثورة السورية بسنين، وأصبحوا والثورة عنصرين يكملان بعضهما البعض، فالكرد هم الثورة والثورة هم الكرد، بدونهم لا حقيقة للثورة السورية، وسوف لن تكون ثورة شاملة تغطي الوطن، فهم العنصر الأكثر نقاءً وصدقاً معها، وشبابهم الثوري كانوا ولازالوا يحملون مفاهيمها مع الشباب الثوري في كل مناطق الوطن، لم تخلى مدينة ولا قصبة كردية من أقصى ديركا حمكو إلى جبل الكرد مرواً بعفرين إلا وكانت تمتلئ بالشباب الثوري، عند كل حدث وفي كل جمعة، اشتركوا مع الوطن بشعاراته، ولم يخالفوا الكل إلا عندما سلبت الثورة من قبل الإنتهازيين والتكفيريين، وأفسدت بواطنها بمجموعات السلطة، أمثال النصرة ودولة الشام والعراق، ومنذ تشويه المعارضة الخارجية الثورة السورية وسلبهم لقيادتها، واستنكارهم على الكرد تاريخهم وجغرافيتهم ومن ثم مشروعية حقهم في بناء سوريا الوطن القادم، بعد زوال بشار الأسد.

فمهمة بعض هذه التيارات المخترقة من قبل السلطة وجهات أخرى التي تُغيرُ على المنطقة الكردية، خلق الفساد الفكري فيها، وجلب الحرب إليها، وذلك عن طريق النداءات العنصرية التي يفتون بها من على منابر المساجد، غايتهم النهائية خلق صدع بين الكرد والعرب إلى حد عدم الإلتئام، فسوية النداءات والتهديدات المليئة بالقذارات اللإنسانية إلى حد تحليل المحرمات، لا تخرج من جهة إسلامية تؤمن بالروحانيات الإلهية، بل تبين عن الخلفية الشريرة لمجموعات من الحاقدين على الإنسانية والإسلام معاً غارقون في الكفر، ويتبناهم تيارات تدعي الإسلام، لكنهم في ماهيتهم أشد كفراً ونفاقاً من الأعراب، والإسلام والثورة السورية براء منهم، كبراءة الرسول من عبادة اللات.

فعداء التكفيريين بأغلب تياراتهم للكرد اليوم، تكمن ورائها في كثيره الخلفية التاريخية، مع مساندة من قبل السلطة وذلك بإثارة الحقد العنصري العروبي، الخلفية التاريخية تلك، لا يزال البعض يتذكرها ويمليها لمجموعات معينة، والغريب في الامر أن الكرد وعلى مدى أكثر من أثنا عشرة قرناً لم يخرجوا من جغرافية الحركة الماسونية الإقتصادية- السياسية، وبحقد مستمد من تاريخ قديم، من حينها وضعوا الكرد في خانة الأعداء، وذلك على خلفية الحروب الصليبية، عندما خسر فرسان االمعبد مدينة القدس، وهؤلاء يوجهون البعض من مجموعات الإسلام السياسي حيثما يشاؤون، فجبهة النصرة والسلفيين وغيرهم من التكفيريين، في الواقع يقومون اليوم مقام فرسان المعبد، ويؤدون الواجب الذي لم يتمكنوا حينها من تنفيذه، وهو الثأر لماضيهم من الكرد، الذي ينتسب إليهم عرقاً صلاح الدين، فلم ينظروا إليه من حينها بأبعاده الروحانية وحروبه المثارة بإسم الإسلام، بل بقي في ذاكرة أجيال فرسان المعبد، كردياً، فكان كذلك لغة وحديثاً في مجالسه، وكذلك أغلب الذين هاجموهم أو دافعوا عن المناطق الإسلامية كانوا عشائر كردية استقدمها صلاح الدين من مناطق كردستان، ولذلك نرى حتى اليوم عشائر كردية في مناطق متفرقة من سوريا والأردن وفلسطين ومصر. تغاضوا عن غاياته وروحانياته، كمسلم صادق مع ذاته ودينه، وكان يجاهد على خلفية إسلامية لا شك فيها، لكن الأخرين لم يقيموه كما كان عليه حقيقته، بل كما كان عليه ابعاده العرقية، وهذه الخلفية الماسونية توضحت في بداية القرن الماضي يوم دخلت القوات الفرنسية دمشق وكان على رأسها الجنرال غورو، فتوجه بشكل مباشر إلى حيث قبر صلاح الدين وقال قولته المشهورة وهو يركل القبر برجله ( ها قد عدنا يا صلاح الدين ) من حينها لم ينظروا إليه كقائد إسلامي، بل ككردي، فقد كان هناك قادة مسلمون آخرون كالخلفاء العباسيين من العرب وسلاطين الترك وغيرهم، لكن هؤلاء جميعهم لم يحاربوا فرسان المعبد ولم يعادونهم، علما أنهم كانوا يشاركون في المعارك، ويدعمونها، العديد منهم كانوا يخدمونهم في الخفاء، وعلى رأسهم الخلفاء للحفاظ على بغدادهم، مثلما تدعم التيارات التكفيرية الآن الثورة السورية، وتبين على أنهم مع الثورة ويريدون أسقاط السلطة. فالغايتين التاريخية والحاضرة العنصرية تلاقتا بشكل بارز حول الذين يحركون معظم هذه التيارات الإسلامية المتشددة، ضد الكرد، ويحيطونها بالعصبية القومية، والدينية الحاضرة والتاريخية معاً، ويغلفونها بلباس الثورة، ضد أصحاب الثورة، ومنطقتهم، ويتفقون مع السلطة في هذا الحراك، والذي يندرج بدوره ضمن مخططات القضاء على الثورة، وعلى القوى الأصدق دعماً لها.

يتطلب من الكرد حراكاً دبلوماسياً، وسياسياً، لفضح المجموعات التكفيرية وغاياتها التي تستهدف القضاء على الثورة السورية بكل الأساليب، وما تشكليهم لمجموعات متشرذمة على أطراف المدن والقرى، ودخولها إلى المناطق المحررة الآمنة عند الضرورة التي ترغبها السلطة، لجعلها هدفاً لها وأعطائها تبريراً لتدميرها وتهجير شعبها، فهم تيارات شوهوا الثورة وشكلوا مجموعات قادتهم يخدمون السلطة.

كما وعلى الكرد تغيير بعض المفاهيم المتراكمة، وإزالة بعض مخلفات ثقافة غارقة في التاريخ، ومليئة بالعنصرية، منها تعديل مفاهيم قادة الحركة الماسونية وأبعاد عدائهم المتراكم والتي كانت سبباً في ظهور جغرافية سايكس بيكو لمنطقة الشرق الأوسط بدون ذكر لكردستان، وطن الشعب الذي لا يقل عن سكان أي شعب مجاور، وأرض بمساحة لا تقل أمتداداً عن جغرافية كل الأطراف والدول التي رسموها ودعموها وأثبتوها في المحافل الدولية، وبحدود جغرافية لا تقبل التغيير.

ومن واجب الكرد اليوم وفي زمن الثورة السورية توضيح غاية هجمات بعض هؤلاء التكفيريين على المنطقة الكردية، وهذه الخلفيات التي تحفزهم على الإشتراك مع السلطة وأستهداف الشعب الكردي بشكل خاص، وفضح اسباب تركهم، وفي أحرج لحظات الثورة، معارك دمشق وحلب وحمص، وأتجهوا إلى المناطق التي سوف لن تكون لها أي تأثير على مسار الثورة، ولا على تغيير السلطة، فالقضية فاضحة، إنهم يستهدفون جغرافية وتاريخ الشعب الكردي، وهم ضد حريته، وضد بناء كيان خاص تحت سلطة لا مركزية، في وحدة سوريا المتماسكة برغبة وقناعة لا بترهيب وإرضاخ.

الولايات المتحدة الأميريكية

[email protected]