الوضع في مصر الآن ndash; لمن يريد ألا تختلط عليه الأمور أو تنتابه الحيرة ndash; من عدم quot; فض quot; اعتصامات الإخوان (حتي الآن) منذ تفويض الشعب المصري للجيش والشرطة (يوليو الماضي)، والزيارات المكوكية (الغربية) المتتالية والاتصالات التليفونية التي لم تنقطع من ساسة العالم للرئيس المعزول محمد مرسي وقادة جماعة الإخوان المسلمين المحبوسين أو الطلقاء، أشبه بمسرحية quot;مومس تؤلف كتاباquot; للأديب والمناضل السياسي quot;فتحي رضوانquot; (1911 ndash; 1988) الذي كان وزيرا للإرشاد القومي (الإعلام) في بدايات عهد الثورة حتي عام 1958، وأختلف مع سياسات عبدالناصر، واعتقله السادات في سبتمبر 1981.
القصة بإختصار، أن مومس شمطاء من مواليد (1928) شاخت وترهل جسدها فانصرف عنها الجميع وانقطع عنها زبائنها، لكن (فكرها الشيطاني النابض) أوعز إليها أن تؤلف كتابا (مذكراتها) تسرد فيه قصة حياتها وتفاصيل علاقاتها الحميمة بالنخب في المجتمع، وإمعانا في (الجدية) نشرت ذلك الخبر في الصحف الرسمية (أو ميادين رابعة والنهضة لا فرق)، فإذا بها تفاجأ بزبائن الأمس من أصحاب الجاه والسلطان والهيلمان يتقاطرون ويطرقون بابها بقوة، يعرضون عليها الغالي والنفيس من أموال وحلي كي لا تأتي علي ذكرهم في كتابها المزعوم، حتي لا ينكشف المستور أمام ذويهم (وناسهم) لاسيما وأن هذه الفضائح قد تهز عروشهم وتطيح بمراكزهم (واتفاقياتهم المشبوهة) وتضعهم تحت طائلة القانون (الدولي)!
لعل هذه ما عناه quot;رضوانquot; حين مزج البغاء بالسياسة بالقيم الاجتماعية حين طرح هذا السؤال المهم: ما هو رد فعل المجتمع عندما تقرر مومس أن تذكر قصة حياتها في كتاب؟.. في تصوري أن quot;مومسquot; رضوان أكثر (أصالة) من رواية quot;الراقصة والسياسيquot; لإحسان عبدالقدوس التي تدور حول نفس الفكرة (تقريبا)، ولا أقصد هنا (سبق) رضوان أو محاكاة عبدالقدوس للفكرة وإنما (جرأة) الأول وجدته في تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية، فلا تستطيع أن (تعري) رجال السياسة ذوي المكانة الاجتماعية المرموقة إلا quot;مومسquot; محترفة وليست مجرد راقصة أقامت علاقة مع زبون علي الطاير!
quot; العهر السياسي quot; للإخوان الذي مارسوه مع (الخارج) وبعض قوي الداخل، لا يعني أن الآخرين quot;أطهارquot; شرفاء يصلون علي السجادة، لأنه ndash; في الحقيقة - يدين الجميع (وبفضحهم) في نفس الوقت، خاصة من يتعاطون quot; الفياجرا السياسية quot; ليلا بإفراط أمام الشعب الغلبان من خلف شاشات الفضائيات وفوق المنصات المتهالكة والجرائد اليومية في الصباح، كما يكشف quot;خيانةquot; رجال السياسة في الغرب لدساتيرهم وديمقراطيتهم، ناهيك عن أكاذيبهم وتنكبهم عن مبادئ حقوق الإنسان والحريات التي صدعوا بها رؤوسنا، فالجميع مارس quot;الفحشquot; مع (الجماعة) بدرجة أو بأخري ولم يسلم من شرورها أحد أو ينجو من شباك غوايتها!
كنت ولازلت من أنصار أن الأدب الحقيقي لا يعكس ما يدور في المجتمع فقط وكأنه quot; كاميرا quot; فوتوغرافية وإنما هو يستشرف أيضا ما وراء الأفق الممتد ولا نراه رؤية العيان الآن، لذلك يحتاج الأمر إلي مساحة من الوقت وفسحة من الزمن حتي يتطور quot;المجتمعquot; وينضج بشكل كاف ليكتشف quot;مضامينquot; الأدب الحقيقية وكنوزه المخبوءة.
فقد نجح الأدب دائما في فضح quot;قلة أدبquot; الساسة والنخب في المجتمع، فالعهر في هذه المسرحية هو عهر السياسيين وليس عهر المرأة (فقط)، لأن المومس ممكن ان تبيع جسدها وتبتذله أمام من يدفع، ولكن الساسة حين يمارسون (العهر) فإنهم يفرطون في أغلي ما نملك (الوطن) والاخضر واليابس وحتى أبنائهم من أجل مصالحهم الشخصية (الوقتية) .. ويكفي أن نعرف أن عدد الأطفال (المشردين واليتامي والفقراء) الذين وجدوا في خيام الإخوان في ميدان رابعة العدوية بمدينة نصر وميدان النهضة بالجيزة (يفوق الحصر)!
تري عزيزي القارئ: هل ستكتفي quot;الجماعةquot; بما يقدم لها من عطايا ووعود الآن (وتكفي علي الخبر ماجور) نظير الخروج الآمن لقادتها واقتسام quot;جزءquot; من السلطة، أم أنها ستركب رأسها وتهدم المعبد علي من فيه وتفضح الجميع من باب quot;ليس بعد الكفر ذنبquot;!