لا شبيه للمعارضة السورية في العالم سوى quot;سوريا المعارضةquot; نفسها. فقط هي تشبه نفسها؛ فقط أهلها المعارضون يشبهون أنفسهم. منذ اليوم الأول لخروجها من quot;البطن التركيquot; بعملية قيصرية، قبل حوالي سنتين ونيف، هي لاتكاد تخرج من أزمة شقاقٍ حتى تدخل أخرى أكبر. هي بإختصار معارضة ضد نفسها قبل أن تكون معارضة ضد النظام، وتحفر ألف حفرةٍ لنفسها قبل أن تحفر حفرةً للنظام.

المؤتمر الأخير لquot;الإئتلاف الوطني السوريquot;، الذي انعقد نهاية الإسبوع الماضي في استانبول، والذي كان من المفترض به أن يكون quot;مؤتمراً حاسماًquot;، كما روّج له، لمواجهة النظام كمعارضة واحدة على قلب رجل واحد في quot;جنيف2quot;، أثبت للمرّة الألف أنّ المعارضة السورية معارضة فاشلة بإمتياز، لا تصلح للحكم، مشروعها (هذا إن كان لديها مشروع وطني أصلاً) هو مشروع سوريا فاشلة، سوريا ضد سوريا لسوريين ضد سوريين.

هي، قليلاً أو كثيراً، quot;صورة طبق الأصلquot; عن النظام، ولا تختلف عنه في شيء، اللهم سوى في إسمها. فعقلها هو كنقلها من عقل النظام ونقله. كلاهما وجهان لعملة سورية واحدة. فذاك له quot;البعثquot; وبعثييه، وتلك لها quot;داعشquot; وداعشييها.

مؤتمر إستانبول الأخير للمعارضة السورية أثبت للأصدقاء قبل الأعداء، أنّ خلاف المعارضين السوريين ليس خلافاً على quot;المبادئquot; بقدر ما هو خلافٌ (بل خلافات) على المصالح. حتى قضية quot;جنيف2quot; (حضور المعارضة فيه من عدمه) التي باتت الشغل الشاغل لكلّ اجتماعات المعارضة، في الأشهر الماضية، فقد تبيّن أنها لا تتجاوز كونها أكثر من quot;قميص عثمانquot; تحت الطلب، يرفعه فريقٌ معارض ضد فريق آخر، كلما دعت الحاجة أو المصلحة إلى ذلك.

ثلث المؤتمرين (أكثر من 40 من أصل 120 عضواً) انسحب من المؤتمر بسبب quot;الديمقراطيةquot;، أو لنقل شبيهتها، التي فاز من خلالها quot;أحمد الجرباquot; بحصوله على 65 صوتاً على حساب منافسه، رئيس الوزراء المنشق رياض حجاب، بفارق 13 صوتاً. المشكلة ههنا، لا تكمن بالطبع في نجاح الجربا ورسوب حجاب، بقدر ما أنها تكمن في رسوب الديمقراطية أو رسوب المعارضة نفسها، التي فشلت الآن في تطبيق أبسط مبادئ الديمقراطية على نفسها، ولم تستطع حتى الآن الخروج من مؤتمر واحد من مؤتمراتها (وما أكثرها)، بنفَس ديمقراطي، بدون حساسيات شخصية، أو خلافات أو انسحابات أو عراكات أو مناوشات أو حروب كلامية بين المؤتمرين.

والإنسحاب الأخير لquot;الثلث المعطّلquot; من المؤتمر الأخير لquot;الإئتلافquot; يشير إلا أنّ المعارضة السورية تعيش أزمة حقيقية، عنوانها الأبرز هو الشقاق. هذه ليست المرّة الأولى التي تهدد فيه المعارضةُ المعارضةَ، أو تعارض المعارضة نفسها، بدلاً من معارضتها للنظام. سواء بقي quot;الإئتلافquot; مؤتلفاً أو انشق على نفسه وآل إلى quot;إئتلافاتquot;، برفع قميص quot;جنيف2quot; أو بدونه، فإنّ ذلك لن يغيّر من عقل المعارضة السورية شيئاً. عقل المعارضة السورية، كان ولا يزال، عقل شقاق لا عقل وفاق؛ عقلٌ في من quot;ضد سورياquot; وخارجها، أكثر من كونه عقلاً quot;مع سورياquot; ومن داخلها إلى داخلها.

المعارضة السورية لم تخلق في الخارج فحسب، بل خلقت، على ما يبدو، للخارج أيضاً.

ولعلّ ما كتبه أحد عقول هذه المعارضة، د.برهان غليون، على هامش هذا المؤتمر، يعبّر عن quot;الحقيقة الضائعةquot; لسوريا، تلك الحقيقة التي ضاعت بين كرسييّن: كرسي النظام في الداخل وكرسي المعارضة في الخارج. ذات العقلية التي ركبها النظام صاحب quot;نظرية الأسد أو نحرق البلدquot;، ركبتها المعارضة أيضاً، لكن على طريقتها الخاصة.

النظام ضرب سوريا والسوريين من الداخل، فيما المعارضة ضربتهم من الخارج.

النظام أسقط الثورة بالداخل عن طريق quot;أهل المقاومةquot;، فيما المعارضة أسقطها بالخارج عن طريق quot;أهل الجهادquot;.

أما النتيجة فكانت واحدة: قتل الثورة في سوريا، وقتل سوريا في الثورة.

النظام والمعارضة، كلاهما طرفان لمشكلةٍ واحدة إسمها سوريا، بلد المليون جرح.

كلاهما سببٌ في مشكلة كبيرة إسمها quot;المحرقة السوريةquot;.

المعارضة والنظام..رأسان يديرهما عقل واحد؛ عقلٌ لا تتجاوز حدوده حدود الكرسي الذي يجلس عليه صاحبه؛ عقل شمشوني بإمتياز، لم يخلق لبناء سوريا quot;معبداًquot; لكلّ السوريين، بقدر ما أنه خلق لهدمها فوق رؤوس الجميع.

كلاهما quot;شمشون سوري واحدquot;، على مبدأ واحد: quot;أنا ومن بعدي الطوفانquot;!

[email protected]