تنهج التنظيمات والجماعات والتيارات الإسلامية المتطرفة والارهابية نهجا واحدا لا تحيد عنه، نهج لم تملّ نقله من جيل إلى جيل ومن عصر إلى عصر، وواصلت العمل به دون أن تستشعر تغيرا بالعالم حولها أو تهديدا خارجيا يواجه الأمة أو أعداء متربصين يعمدون إلى الدس لها، الأمر يستلزم اجتهاد متصل يضمن لها مواكبة التغيرات ويحول دون تهشمها فرقا متناحرة، هذا النهج قوامه الأخذ بظاهر الآيات والأحاديث والأحداث والوقائع التي جرت في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، والاجتزاء منها بما يخدم الوصول إلى سدة الحكم، فضلا عن أن أحدا من هؤلاء الذين التزموا به وخرجوا يفسدون في الأرض لم يكن عالما تتوفر فيه شروط التعامل مع كتاب الله وسنة رسوله، لذا ذهبوا إلى أبعد مما يتخيل البعض في القتل والتخريب فلم يجلس خليفة أو سلطان بعد واقعة التحكيم بين الإمام علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان إلا وشهدت خلافته اضطرابات الخروج عليه والحرب والقتل والدمار باسم الله والإسلام، وذلك في مختلف أنحاء الأمة الإسلامية.
&هذا النهج رفضه علماء الإسلام وعامة المسلمين على حد سواء، فالعامة لم تقبل طوال تاريخ الإسلام إلا الوسطي المعتدل من التفسيرات والتأويلات والاجتهادات القائمة على العلم وشروطه وقواعده، وهو الأمر الذي يحدث الآن في مواجهة محاولات إعادته إلى الحياة حيث تقف الأغلبية المسلمة ضد أقلية تنظيمات وجماعات وتيارات تدرك تماما أنها تسعى إلى القتل والخراب بغية الوصول للحكم وليس تمكينا لشرع الله، لكن تهلهل الأمة وفسادها وتفرقها وسماحها للقوى الخارجية التدخل في شئونها يحول دون أن تقوم بنفسها ولنفسها ـ وهي أعرف بدائها ـ بدحر هذا التطرف الارهابي الذي يجتاحها، نعم يجتاحها ونظرة متأملة للخارطة يمكننا أن نرى أن وباء ما يطلق عليه "داعش" يزحف من دولة لأخرى دون أن تسطيع طائرات تحالف يضم 40 دولة حول العالم أن يوقفه، على الرغم من أن استفاقة الأمة بما يسمح بوحدة صفها وتماسكها يمكن أن يفعل ذلك بسهلة. لكن هل هناك رغبة حقيقية لذلك؟ على أية حال لسنا بحاجة للإجابة، فالخطر داهم وجميع دول المنطقة تدركه وتدرك خطورة تمدد الأيديولوجيا التي يشتغل عليها "داعش" إذ أنها تتشكل من مرتكزات النهج إليه المشار.
إن المبايعات التي تتم لـ"داعش" من جماعات وتنظيمات في باكستان وأفغانستان ومصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب تؤكد انتماءها جميعا إلى هذا النهج الذي أخذ صورا وأشكالا وأسماء جديدة، من الوهابية والإخوان المسلمين إلى الجماعة الإسلامية والجهادية السلفية والقاعدة بفروعها جبهة النصرة وأنصار الشريعة وأنصار الدين وجند الله، وداعش وفروعها أنصار بيت المقدس وجند الخلافة وغيرها، جميعها تسقى من نبع واحد يتمثل في هذا النهج الذي تنضوى تحته تفسيرات وتأويلات وآراء الفرق المتشددة والمتطرفة والارهابية في تاريخ الإسلام والتي استخدمت ظاهر النص في حربها وقتلها وتخريبها، ولا تزال كتب شيوخها تستحوذ على جل المطبوع في المنطقة.
لقد خرج الأمر على السيطرة، وما قامت وتقوم به "داعش" في العراق وسوريا، أصبح نموذجا تسعى للاحتذاء به وتطبيقه الجماعات والتنظيمات الأخرى، وما المبايعات والتحالفات التي تتم الآن لـ "داعش" إلا تأكيد على أن هذه الجماعات في مختلف دول المنطقة باتت تؤمن بـ"داعش" نموذجا ينبغي الاقتداء به والسير على نهجه، ولو ترك الأمر للحرب العسكرية وحدها، وهي حرب أثبتت فشلها أمس واليوم، فإننا لن نفاجأ خلال الفترات القادمة بدعوة كالتي دعا إليها زعيم جماعة أنصار الشريعة في تونس سيف الله بن حسين الملقب بأبوعياض بإسقاط الدولة التونسية وإعلانها "إمارة" تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية، أو بإعلان كإعلان تنظيم أنصار الشريعة في ليبيا لمدينة درنة الليبية إمارة إسلامية ومبايعته لـ"داعش"، أو إعلان لتحالف يجمع تنظيم"جند الخلافة" الجزائري الذي أعلن انشقاقه عن القاعدة وإعلان مبايعته لـ "داعش" مع تنظيم أنصار الشريعة وتنظيم فجر ليبيا في كل من ليبيا وتونس والجزائر وأنصار بيت المقدس في مصر ليتم تشكيل "داعش" المغرب العربي وشمال أفريقيا بجيش لا يقل قوامه عن قوام جيش داعش دولة الشام والعراق، يزحف ليحاصر المنطقة شرقا وغربا.
إن الجرح يتمدد ويزداد عمقا، وليس له من دواء إلا بتكاتف وتحالف الأمة أو ما بقي منها، وما بقي منها قادر على العلاج شريطة أن يكون هذا العلاج بيدها لا بيد أحد آخر، وكما يقول المثل "أهل مكة أدرى بشعابها"، فهل جربنا أن نتحرك وحدنا، ونهيئ الجسد العربي الإسلامي لكي ليندمل الجرح سريعا، لماذا لم تعقد قمة عربية طارئة تخرج عنها قرارات علاجية تبدأ بوقف التدخلات الخارجية وتشكيل قوة عربية عربية تشتغل على محاور رئيسية أولها الضغط على الفرقاء في الدول المنهارة لتوحيد الصف وإعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي، وإعادة تنظيم الجيوش الوطنية ودعمها وثانيها توفير الدعم المادي لتحقيق إصلاح إقتصادي ملموس، وثالثها تشكيل قوة دفاع عربي مشترك للتدخل السريع تشارك فيها وحدات من كافة الجيوش العربية، ورابعها تكليف وزارء الأوقاف والشئون الدينية لتوحيد وتنظيم رؤيتها في مقاومة الفكر المتشدد والضال، وخامسها تشكيل لجان من كبار العلماء والمثقفين مهمتها مراجعة المكتبة الإسلامية قديمها وحديثها وغربلتها ووضع استراتيجية لتجديد الخطاب الإسلامي وفتح باب الحوار مع شيوخ هذه الجماعات والتنظيمات بما يضمن الكشف عن سوءات نهج التشدد والتطرف والارهاب.
إننا أصحاب الجرح، وليس لأحد غيرنا القدرة على علاجه، والعلاج قائم بين يدينا، ولكن هل نحن مخلصين في إرادة العلاج والاستقرار والأمن والسلام لأمتنا ودولها وشعوبها؟.&&
&
التعليقات