لماذا لا تنتخب المرأة السيدات المرشحات بالبرلمان؟ في ظل وجود حقيقة أن نصف الناخبين اناثا لا يقمن بانتخاب من يمثلهن، ومن مسؤول عن هذا الفشل التراجيدي؟

فالمرأة "نظريا" على الاقل مسؤولة عن خسارتها في الانتخابات، فلو انتصرت لنفسها وقامت باختيار السيدات، لشهدنا فوزا كاسحا للعنصر النسائي، ولتغيرت التركيبة المعتادة للمجالس النيابية، ولبتنا نشهد أداء مختلفا.
&
وعلى الرغم من ان بعض الدول تعتمد على التعينات حينا وحينا اخرى على نظام الحصة او "الكوتا"، فهناك 97 دولة في العالم تأخذ بذلك من خلال الدستور وتستخدم مبدأ التمييز الإيجابي للمرأةquality + 1 من خلال بدائل ثلاثة: "الكوتا الدستورية، والكوتا القانونية، والكوتا الحزبية" من قبل الأحزاب السياسية، غير ان كل تلك الاجراءات تبقى شكلية وديكورا ديموقراطيا لا يلغي حقيقة سيطرة الرجال على الحقل العام.
&
ولا يمكن التحدّث عن المرأة ككائن بمعزل عن المحيط العام بها، ففهم ظاهرة عدم انتخاب المرأة للمرأة قد يعكس بشكل مبدئي عدم الثقة لجهة كونها صانعة قرار، فبنية النظام الاجتماعي والسياسي والأخلاقي والقيمي والثقافي والوضع الاقتصادي والمستوى المعيشي، كلها عوامل تفسر هذه الظاهرة، غير أنّه من الملاحظ هو أن
&
معظم هذه الدراسات والأبحاث لم تضع موضع السؤال علاقة "ظاهرة ثقة المرأة بقيادة المرأة " بتشكيل الهوية عند الكائن الإنساني.
&
والسؤال الجوهري يكمن في " كيف تنظر المرأة الى هويتها؟ " فالمرأة لا زالت تنظر الى نفسها دوما على انها ينبغي ان تكون في الصفوف الخلفية ؛ فكيف لنا ان نطلب منها ان تنتخب امرأة اخرى لموقع قيادي بارز وهي تعامل نفسها على انها أدنى من الرجل وتربي ابناءها على ذلك؟
&
ولهذا الوضع "الدوني " اسباب كثيرة وعميقة نذكر منها على عجالة:
&
مفهوم الهوية وكيفية تشكّله عند المرأة كون العلاقة وثيقة بين القيادة وصنع القرار وتشكّل الهوية عند الانسان، وفي معظم المجتمعات الشرقي منها والغربي مع تفاوت النسبة والظروف تكرس السلطة الذكورية، اما مجتمعاتنا فتقوم على "فكرة القوامة للرجل " وسيطرته على من يُصنَّف أنه أضعف من فئات المجتمع الأخرى، فالرجال هم من يتحكمون في وسائل الإنتاج المادي والمعنوي، و هم من يحتكرعادة وسائل القيادة الرمزية والمعنوية.
&
من الناحية فكرية وثقافية عبر عصور متعاقبة طويلة تم تكريس مبدأ الفصل في الفكر انعكس على مستوى الممارسات ايضا، فكثيرا ما تطرح مواضيع انسانية عامة على انها اختصاص "نسائيا " بحتا او العكس. فمبدأ الفصل بين البشر، يؤدي الى انشطار وانفصام الكائن المسمى انسانًا،مع تكريس الثقافة القائمة على الاستهلاك والتبعية في مجتمع ذكوري، وتصويرالسيدات في وسائل الاعلام على انها كائن لتحقيق المتعة فقط.
&
الأنماط التربوية المُتَّبعة تُكرِّس فوقية الرجل، وتعمل على إنتاج شروط انتاج مجتمعات ذكورية من جديد وهو ما يتحكَّم في اللاشعور الجمعي للمجتمعات البشرية ويُحرِّك دواليب الفعل السياسي والاجتماعي والاقتصادي.... على حدٍّ سواء، إنه جزء لا يتجزأ من المخزون الثقافي والإيديولوجي وعصارة إرث تاريخي ضخم حافل بشتى أنواع الاضطهاد.
&
إذن فالبنى المنتجة " لعدم الثقة بجدارة المرأة " متجذرّة في الأسس البنيوية للأيديولوجيّات المتداولة في عالمنا بما فيها الأديان، ومتأصلّة في البنيات الذهنيّة، والخلفيّات الفكريَّة للأفراد، وتُعدّ المركَّب الأساس في بنية المؤسسات الاجتماعية بما فيها الأسرة، التي ترعاه وتحتضنه.
&
غير أنَّ كلّ ذلك لا يعني بحال من الأحوال، أنه حالة ثابتة وظاهرة مطلقة وقدرٌ مبرم، غير خاضع لتغيّر الظروف التاريخية والاجتماعية التي تشهدها المجتمعات البشرية، وإنما المؤكد هو أن حدَّته تتفاوت حسب المرحلة التي قطعها كل مجتمع بشري في طريقه نحو إحداث القطيعة مع الممارسات "الفوقية"،وان اردنا ان نغير ذلك لا بد وان نبدأ بالتغيير في الشروط المنتجة للمشكلة بدءا من المناهج التربوية مرورا بمراجعة قراءاتنا الحضارية لكافة الاشكال الثقافية والاعلامية التي تكرس دونية المرأة لتحقيق التقدم والمساواة والرفاهية لكل نساء المجتمع ورجاله وأطفاله، وكذا لكل فئاته العمرية.