ترك المالكي، فيما ترك من إرث بغيض ودموي، حصارا طبيا وحشيا على لاجئي معسكر ليبرتي ، وحربَ تعذيب نفسية. فبعد سلسلة مذابحه الدموية لسكان اشرف وليبرتي وتعريضهم لقذائف الميليشيات الإيرانية الولاء، كان قد حاصرهم طبيا ومنع مرضاهم من الانتقال للعلاج في المستشفيات. كما سلط عليهم خلال 42 يوما، وليل نهار، نواحا صاخبا على الامام الحسين بالفارسية والعربية لغرض الإزعاج والتعذيب النفسيين. ومعلوم أن ايران وراء كل هذه الممارسات المخالفة للاتفاقيات الدولية حول اللاجئين السياسيين وللاعلان الدولي لحقوق الانسان. واستغل المالكي والسفارة الايرانية الصمت الداخلي والتغاضي الدولي، والأميركي بوجه خاص، والتقرب الأميركي من نظام الملالي، لمواصلة تنفيذ الجرائم الدموية والانتهاكات المرعبة، بما فيها الخطف ومنع الغذاء والدواء. ومؤخرا، قام السفير الايراني بتفتيش معسكر اشرف، وبإشرافه نهبت ميليشيا العصائب وبدر ما كان هناك من ممتلكات سكان ليبرتي.
ذات مرة سألت كاتبا صديقا من التيار الديمقراطي عن اسباب عدم خوض الموضوع، فأجاب بأنه موضوع حساس والكتابة فيه محرجة عراقيا. وكان يشير الى حكايات وبعض الشهادات عن مشاركة الإشرفيين خلال انتفاضة 1991 في اعمال القمع مع قوات صدام. وفي هذا الموضوع تتناقض الشهادات والحكايات. فإن شهادات كردية تنفي الاتهام والسيد اياد جمال الدين قال عام 2009 بعد مذبحة المالكي الاولى إنه اطلع على ما خلفه النظام البعثي من وثائق فلم يجد ما يشير لصحة الاتهام.
مهما يكن، فهذا ليس مدار الموضوع هنا، وله سياقه المستقل، مثلما هناك ما يحتاج إلى استعراض وقراءة يوما ما لما فعلته الاحزاب والمليشيات الشيعية التي كانت خلال الحرب مع ايران في سوريا وايران، من عمليات إرهابية [منها تدمير السفارة العراقية في بيروت عام 1981 ]أودت بحيات العشرات من العراقيين وغيرهم في لبنان والكويت والعراق، ومشاركتهم، وتحت قيادة الحرس الثوري، قي قتل الجنود العراقيين واسرى الحرب العراقيين..
لنترك كل هذا. فالموضوع هنا هو أن لاجئي اشرف وليبرتي من مجاهدي خلق هم لاجئون سياسيون وعزل. وقد كانوا بحماية القوات الاميركية، ثم سلمتهم لحكومة المالكي، الذي تعهد رسميا بحمايتهم وتنفيذ الاتفاقيات الدولية الخاصة باللاجئين السياسيين. وحتى لو افترضنا انهم أسرى حرب، فهناك اتفاقيات دولية تضمن كرامتهم وأمنهم وحقوقهم. والذين يتاجرون بالإمامين علي والحسين وينسبون أنفسهم لهما- كما كان يفعل المالكي- هم أنفسهم الذين يعيدون إنتاج ممارسات قتلة الحسين ومن معه، من أعمال غير إنسانية كقطع الماء. فقوات المالكي قامت بقطع الغذاء والدواء، فضلا عن القتل والخطف على دفعات ، استجابة لأوامر خامنئي وسليماني والسفير الايراني. وقد توفي عدد من سكان ليبرتي نتيجة حرمانهم من العلاج في المستشفى. والواقع، ان "الجريمة" الحقيقية لهؤلاء قي نظر رهط المالكي كونهم معارضين لنظام الفقيه، الذي يترقب إعادتهم لإيران لاعدامهم جميعا. ومن المؤلم ان موفد الامم المتحدة السابق قد لعب لعبة ايران وانحاز إلى جانبها وهو مما استغلته حكومة المالكي. ورغم نقل عدد منهم إلى ألبانيا، فإن النظام الايراني يراقبهم هناك مراقبة تجسسية ويلاحق حركاتهم وسكناتهم.
أجل، مهما كانت الخلفيات السياسية في قضية هؤلاء اللاجئين، فإن لب الموضوع هنا هو إنساني وقانوني. وهكذا يجب على الكتاب والمنظمات من التيارات الوطنية والديمقراطية العراقية ألنظر للموضوع ومعالجته بوضوح ومهما كان ذلك قد يجلب من تخرصات وتجريح من الطائفيين الموالين لايران. وعلى هذا الأساس، فإن السيد العبادي مدعو لمعالجة هذه الحالة إنسانيا ووفق الاتفاقيات الدولية، فيأمر برفع الحار الطبي، وينشط الجهود مع الامم المتحدة والدول الغربية وغيرها ليتم نقل سكان ليبرتي على دفعات الى دول تضمن سلامتهم وحقوقهم..
إن التعامل غير الإنساني حتى مع عدو شرس أو طاغية مرفوض ومدان، فكيف الحال مع لاجئين سياسيين مناضلين تعهدت الحكومة السابقة علنا بحمايتهم، مع أن كل ما عليهم كونهم معارضين لنظام دموي، لا يزال يمارس عمليات الإعدام بالجملة، ولاسيما في عهد الرئيس "المعتدل جدا" روحاني، الذي لا يتورع عن إعدام النساء والصبية الإيرانيين، وبالجملة؟؟
&