يبدو إن موسما جديدا لاستخدام حرف السين وبالذات مفردة ( سوف ) ذات الإيقاع الساحر لدى الكثير من المسؤولين الذين يتم تعيينهم حديثا، وهم يتحدثون عما سيفعلونه وينجزونه، ويعدون الأهالي بأكوام من حرف السين الذي يسبق كل أحاديثهم، بدأت تطل علينا ونحن على أعتاب دبكة جديدة للبرلمان العراقي، الذي يتنافس على امتيازات عضويته الآلاف من العاطلين عن العمل والطموحين للانتقال إلى عالم السياسية الجديدة المليئة بالأموال التي تغسل باستمرار ويتم نشرها على حبال التنشيف في العواصم القريبة، هذه الدبكة التي تتقاتل من اجلها أفواج المنتفعين والانتهازيين وأنصاف الأميين والمتعلمين، ليس بالصراع الدموي بل بالعزائم وتوزيع الهدايا ومنح هبات ومبالغ نقدية ومشاعر جياشة تتعاطف مع فقراء الأمة وسكنة عشوائيات التجاوز، وخاصة بعد انهيار نظام ( هلهولة للحزب القائد ) الذي ما تزال ثقافته تمارس يوميا تحت أسماء وعناوين مختلفة لكنها بذات الجوهر والمبدأ.

ولعل ابرز من يستخدم حرف السين بكل أشكاله في أول الجملة أو الكلمة، وخاصة كما ذكرنا مفردة ( سوف )، هم المرشحون لمجالس الاقضية والمحافظات وصعودا في الإيقاع والقيمة وصولا إلى البرلمان، حيث أظهرت نتائج دراسة قامت بها إحدى مؤسسات الاستبيان، بان أكثر الناس كذبا هم مرشحوا تلك المجالس، فقد بلغت نسبتهم أكثر من 87 بالمائة من الذين يعدون ولا يوفون وعودهم، والبقية الباقية يتعذرون بتلكؤ الحكومة وأجهزتها، هؤلاء المرشحون بدئوا من الآن يقذفون حمم حرف السين على الأهالي المتخمين بالوعود والأكاذيب حتى آذانهم، بل إن كثيرا منهم من كثرة الكذب بدأ يصدق ما يقال له، على خلفية مبدأ غوبلز وزير إعلام ادوولف هتلر الذي يقول اكذب فاكذب فاكذب حتى تصدق نفسك فيصدقك الناس!؟

ورب قائل يسأل من اضطر الناس على تصديقهم، خاصة وأنهم خبروهم أو جربوهم خلال دورتين برلمانيتين، لم تختلف فيها الأكاذيب والوعود إلا في توقيتاتها أو إرفاقها ببضع أكياس من المال، باستثناء أولئك الرائعون من المخلصين الذين حملوا آلام الوطن على أكتافهم وفي قلوبهم قبل انهيار النظام وبعده ممن لم يغريهم السحت الحرام والعمولات المشبوهة، ولعل الإجابة على هكذا أسئلة مريرة تبدو في غاية الصعوبة مع شعب خرج بالملايين من اجل الزعيم الأوحد وهم ذاتهم خرجوا من اجل الرئيس المؤمن عارف، ثم ما لبثوا هم وأولادهم أن كانوا يصفقون للقائد الأب البكر، ثم لحق بهم أحفادهم إلى مسيرة القائد الضرورة، وباستثناء القلة القليلة للأسف يبدو المشهد القادم من خلال أفواج المرشحين لا يختلف كثيرا عما شهدناه خلال دورتين، بل قل معي منذ مليكنا المفدى وحتى زعيمنا مختار الزمان، إلا اللهم باختلاف الأسماء والرتب والعناوين، وأساليبا متنوعة وأكثر تطورا في تخدير الشارع دينيا ومذهبيا وعشائريا بفتاوى دينية ومذهبية وتشييمات قبلية بدوية خارجة عن الزمن، تسببت فيما نحن عليه الآن وربما سنبقى كثيرا على هذه الحال حتى يتم إلغاء استخدام حرف السين وسوف من قبل المسؤولين الكرام!؟