ما عاد يحتاج لتحليلات جديدة ما مرّت به مصر منذ الثالث من يوليو2013 عقب عزل الرئيس محمد مرسي من قبل القوات المسلحة بقيادة وزير الدفاع اللواء عبد الفتاح السيسي آنذاك (المشير حاليا)، إذ أصبح في مصر أمرا واقعا جديدا وهو رئاسة جديدة للمشير السيسي، سواءا كان ما قام به ضد الرئيس مرسي انقلابا عسكريا كما يرى البعض أو امتثالا لإرادة ورغبة شعبية كما يرى البعض الآخر، فهذا الانقسام في الرأي حول تقييم ما حدث لا يلغي الواقع الجديد وهو رئاسة السيسي لجمهورية مصر العربية عاجلا وقريبا بشكل مؤكد ولزمن طويل سيمتد طوال امتداد عمره، لأنّ الحياة السياسية في مصر منذ عام 1952 عقب الإطاحة بالنظام الملكي الفاروقي، لم تشهد حكما برئاسة أي مدني ما عدا العام الذي تولى فيه الرئاسة محمد مرسي قبل الإطاحة به، وما عدا ذلك كانت الرئاسة المصرية دوما بقيادة ضابط عسكري من ضباط القوات المسلحة المصرية من عام التولي حتى الوفاة أو الخلع بإسم التنحي:

_ البكباشي (مقدم) جمال عبد الناصر عمليا منذ عام 1952 حتى سبتمبر 1970 رغم أنّ السنوات الثلاثة الأولى عقب ثورة أو انقلاب يوليو 1952 كان الرئيس الصوري الشكلي هو اللواء أركان حرب محمد نجيب قبل الانقلاب عليه ووضعه قيد الإقامة الجبرية من قبل زميله البكباشي جمال عبد الناصر الذي أصبح رئيسا رسميا و علنيا منذ يونيو 1956 . وظلّ اللواء أركان حرب محمد نجيب قيد الإقامة الجبرية طوال ثلاثين عاما، ويرى بعض المطلعين المصريين أنّ سبب انقلاب البكباشي عبد الناصر عليه، هو مطالبته بعودة الجيش لثكناته العسكرية وضرورة عودة الحياة النيابية للساحة المصرية. ومن المؤكد أنّه طوال الثلاثين عاما من الإقامة الجبرية لم يكن مسموحا له بمقابلة أي شخص من خارج اسرته لدرجة أنّ غالبية الشعب المصري والعربي نسّوا اسمه أو أنّه ما زال على قيد الحياة، إلى ان سمعوا بخبر وفاته في الثامن والعشرين من أغسطس 1984 .

_ البكباشي (مقدم) محمد أنور السادات منذ سبتمبر 1970 عقب وفاة عبد الناصر إلى أن اغتالته الجماعة الإسلامية في السادس من أكتوبر 1981 فيما عرف لاحقا بإسم quot;حادث المنصّةquot;.

_ الفريق أول محمد حسني مبارك منذ وفاة السادات إلى أن تمت الإطاحة به أو تنحيه في الحادي عشر من فبراير 2011 أعقاب ما عرف بثورة يناير من العام نفسه.

_ المشير عبد الفتاح السيسي منذ ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية الجديدة التي ستجري في السادس عشر من مايو القادم، وهو من المؤكد سيكون الرئيس المصري الجديد من يونيو 2014 إلى أن تحين وفاته لأي سبب من الأسباب ( وإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) وفي الوقت ذاته (تنوعت الأسباب والموت واحد )، وبالتالي لا يستطيع أحد التنبؤ بطول فترة رئاسة المشير السيسي لمصر سوى ربّ العباد.

ما هي القراءة الأولية لملامح الرئاسة المصرية السيسية؟
يستطيع متابع الحالة المصرية أن يخمّن ملامح المرحلة القادمة في مصر خلال رئاسة المشير
عبد الفتاح السيسي من خلال موقفين:
الأول، هو بيان السيسي الذي أعلن فيه قبل أيام قليلة استقالته من منصبه كوزير للدفاع استعدادا لترشحة لانتخابات الرئاسة المصرية القادمة. لقد كان بيانه إلى حد ما صريحا لا يعطي المزيد من التفاؤل حول المرحلة السيسية القادمة، حيث اعترف في بيانه بالوضع الاقتصادي الصعب الذي تمرّ فيه مصر خاصة ما وصل إليه في السنوات الثلاثة الماضية، حيث لا يمكن حصول أي نهوض اقتصادي بالاعتماد على الضخ المؤقت للمساعدات الخارجية وفي الوضع المصري الخليجية تحديدا، فهذا الضخ لا يمكن استمراره فترة أطول مما تمّ ونتيجته انتعاش مؤقت لا يشعر به المواطن المصري بشكل جذري في حياته اليومية، وقد قال المشير حرفيا quot; بلدنا تواجه تحديات كبيرة وضخمة واقتصادنا ضعيف.ملايين من شبابنا بيعانوا من البطالة في مصر..ملايين المصريين بيعانوا من المرض ولا يجدوا العلاج..مصر البلد الغنية بمواردها وشعبها تعتمد على الإعانات والمساعدات...فالمصريون يستحقون أن يعيشوا بكرامة وأمن وحرية، وأن يكون لديهم الحق في الحصول على عمل وغذاء وتعليم وعلاج ومسكن في متناول اليدquot;. وهذه المطالب يتمناها كل الشعب المصري وكل محبّ لمصر، فهل باستطاعة المشير الرئيس الجديد تحقيقها؟. وما
يزيد الموقف صعوبة هوالتوقف في عمل جهاز الدولة التي يعاني من حالة ترهل تمنعه من النهوض بواجباته...فهل يملك المشير وحكومته المرتقبه معجزات خارقة للخروج من هذا الوضع المصري الصعب في كافة مجالات الحياة؟. وفي الوقت ذاته إعلان السيسي ضرورة فرض الأمن والاستقرار لتحقيق ما يطمح له في بيانه للترشيح للرئاسة المصرية القادمة.

الثاني، هو الموقف الثابت المستمر لأنصار الرئيس المعزول محمد مرسي، الذين يصرّون على عودته لرئاسته الشرعية التي أطاح بها ما يسمّونه (انقلاب السيسي)، وهم كأنصار الشرعية يستمرون منذ الثالث من يوليو 2013 في التظاهرات في غالبية المحافظات المصرية، ولا تخلو أية مظاهرة من اشتباكات مع قوات الأمن والشرطة والجيش ووقوع قتلى وجرحى وسدّ الطرقات وتعطيل العمل والدراسة في غالبية المدارس والجامعات. وهم أي ما يعتبرون انفسهم أنصار شرعية يجب أن تعود، يعلنون صراحة استمرارهم في احتجاجاتهم وتظاهراتهم وحشودهم مهما كلّفهم ثمن ذلك.

ما هي نتيجة إصرار الطرفين السابقين على مواقفهما؟
إزاء إصرار الرئاسة الجديدة للمشير السيسي و أنصار شرعية مرسي على موقفيهما السابقين من غير المتوقع سوى استمرار المواجهات بين أمن وشرطة وجيش الرئاسة الجديدة وأنصار شرعية مرسي، خاصة بعد قرار الحكومة المصرية المؤقته برئاسة عدلي منصور اعتبار جماعة الإخوان المسلمين المصرية جماعة إرهابية، مما يضعها في نفس صف الجماعات الإرهابية في سيناء، وبالتالي سوف يستمر الجيش و الأمن المصري في عهد السيسي الجديد في مواجهته هذه التي لن يتحقق معها استقرار اجتماعي يرافقه نهوض اقتصادي مرتقب من الشعب المصري حسب وعود المشير خاصة أنّ المساعدات والمعونات من بعض دول الخليج العربي لن تستمر أطول من ذلك على ضوء عدم استثمارها في نهوض اقتصادي يؤدي لتحقيق الاعتماد الذاتي. وضمن الوضع السائد بين اصحاب الموقفين سوف تستمر المواجهات الأمنية التي تستدعي المزيد من القرارات والمواجهات الجديدة مما ليس مستبعدا في حالة استمرارها دخول مصر فعلا بوابة الدولة الأمنية البوليسية لفترة طويلة..وهذا ما لا أتمناه وأي محب لمصر وشعبها!!
www.drabumatar.com