طرح رئيس مجلس الوزراء العراقي، في الآونة الأخيرة، في عدد من لقاءاته التلفزيونية والصحفية، وجهات نظر وآراء خطيرة حول حقوق الشعب الكوردي والفيدرالية والدستور والعملية السياسية في العراق، لا يمكن تجاهلها وعلى كافة المؤمنين بمبادئ الديمقراطية عدم السكوت حيالها، وقد أتت هذه التصريحات في وقت تتعمق فيه الأزمة السياسية أكثر من أي وقت مضى، حيث تشهد البلاد تدهورا أمنيا واضحا، ويعاني المواطنين من سوء الخدمات على الرغم من الواردات الكثيرة والميزانيات الضخمة، ويأتي ذلك كحصيلة عمل لثمان سنوات من إدارة رئيس الوزراء الحالي للحكومة الاتحادية، هذا بالإضافة إلى إن الطائفية والتمزق الاجتماعي ونيران الفتنة بين المكونات تتوسع يوما بعد يوم في ظل هذا الحكم.

إن سياسيا يملك هذا السجل المتردي من المسؤولية، بدلا من أن يعتذر للشعب العراقي ويبتعد عن العمل السياسي، يقوم بالتهجم على المكونات العراقية ويعرض نفسه كمنقذ محملا الغير أسباب فشل سياسات حكومته.
إن تصريحاته حول حقوق الشعب الكوردي والشراكة والديمقراطية وخرق الدستور، هو دليل على إحياء تلك الثقافة التي أفقدت الشعوب العراقية السلم والأمان وأوصلت أبشع أنواع الحكام إلى سدة الحكم، وحول تلك التصريحات نود توضيح وإعلام جميع الأطراف بما يلي:
أولا:
إن الطرف الوحيد الذي يحق له التحدث عن حق تقرير المصير للشعب الكوردي، هو الشعب الكوردي نفسه، لأنه حق مشروع وطبيعي ولن يستطيع أي شخص أن يصادر هذا الحق، وليست هناك أي قوة قادرة عن منعه من ممارسته، لأن هذا الحق يعلو على كل الحكام والحكومات.
بعد سقوط النظام السابق لعب الشعب الكوردي دورا أساسيا في إعادة بناء العراق، وقرر بشكل طوعي أن يعيش ضمن الدولة العراقية، وأن يصوت للدستور العراقي، الذي تشكل الشراكة والديمقراطية العماد الرئيسي له، كما وانه وبعد سقوط البعث رغب الشعب الكوردي بفتح صفحة جديدة لتجديد عقده مع العراق على أمل أن تنتهي في العراق الجديد كل أنواع الاضطهاد والتبعية والظلم والإقصاء وان تكون الفيدرالية والديمقراطية والشراكة الحقيقية هي الأساس لتعايش الشعوب العراقية، ولكن بعد سنوات من المصادقة على الدستور، فانه أي الدستور ومبدأ الشراكة أصبحا من الناحية العملية معرضين لتهديد ثقافة الاستبداد والنظر إلى الكورد كتابع.
إن حكام العراق الحاليين لم يسمحوا أن يجتاز العراق امتحان المرحلة الجديدة والالتزام بالدستور بنجاح، وانه على العكس من كلام رئيس الوزراء العراقي، فان مطالبة الكورد بمراجعة نوعية علاقة الشعب الكوردي مع العراق مطلب دستوري،
لأنه وبحسب ما جاء في ديباجة الدستور العراقي التي تقول إن العراق عراقا اتحاديا اختياريا بين مكوناته وان الالتزام بهذا الدستور يحافظ على هذا الاتحاد أرضا وشعبا وسيادة، وان سبب تثبيت هذه الفقرة هو من أجل أن يكون هناك طريق دستوري لتتمكن كوردستان من تقرير مصيرها، في حالة تسلم شخص السلطة في العراق وقام بخرق الدستور وتجاوز الشراكة.
إن الذي يشجع الكورد على إعادة النظر في علاقاته مع العراق هو خرق الدستور من قبل حكام العراق، فالخروقات الدستورية والسياسات المضادة للدستور خلال السنوات الماضية من قبل السلطة في بغداد أبعدت العراق عن الفيدرالية، بل وبالضد من الدستور فقد قام حكام العراق الحاليين بمنع المحافظات من ممارسة حقها في إعلان نفسها كأقاليم، وعمل الحكام على ترسيخ الطائفية وخرق مبدأ فصل السلطات وعدم وجود المجلس الاتحادي والعودة إلى المركزية وعشرات من المواقف التي قطعت الطريق أمام تحول العراق إلى دولة فيدرالية حقيقية، ولذلك فان الخطر الحقيقي على وحدة الدولة العراقية هم حكام بغداد الذين أفرغوا العراق من كل معاني الفيدرالية بعد كل هذه التضحيات، وبعد أن شعر الشعب الكوردي إن نظرة التبعية تجاه الكورد والتخلي عن الشراكة في بغداد في تصاعد مستمر، فانه من حقه أن يفكر في إعادة النظر بعلاقته مع العراق.
ثانيا:
يظهر وبجلاء من خلال تصريحاته إن رئيس الوزراء العراقي لم يهضم بعد مبادئ الديمقراطية والعمل البرلماني عندما يصف منافسيه السياسيين بمخططي مؤامرة أربيل، ويبدو إن رئيس الوزراء العراقي نسي إن التوافق واتفاقية أربيل هي من أوصلته إلى رئاسة الوزراء للمرة الثانية وان سلطته هي نتيجة توافق المكونات العراقية.
على رئيس الوزراء العراقي أن يدرك إن المنافسة السياسية فعل طبيعي في الحياة السياسية وانه من الطبيعي أن يتسلم شخص ما الحكم عن طريق التوافق ويغادر السلطة بنفس الآلية، صحيح إن اجتماعات أربيل لم تنجح في سحب الثقة من المالكي وهو يعلم جيدا السبب في ذلك، إلا أنها كانت ممارسة حق دستوري وقانوني للأطراف السياسية، والدستور يسمح لها بأن تسعى إلى إنهاء سلطة رئيس الوزراء عن طريق سحب الثقة منه.
ثالثا:
إن رئيس الوزراء الذي جاء بتوافق المكونات العراقية يحاول وفي إحدى تصريحاته أن يظهر نفسه فوق جميع المكونات العراقية ويقسم العراق على أساس طائفي عندما يقول: أنا أقف ضد الكورد عندما يخرقون الدستور، وأقف ضد السنة عندما يخرقون الدستور كما أقف ضد الشيعة عندما يخرقون الدستور، وهنا لا يرى السيد المالكي غير نفسه فهو يهمش الدور الرقابي للبرلمان والمحكمة الاتحادية ورئاسة الجمهورية، علما بأن الدستور لم يعط المالكي دورا رقابيا، وان وظيفته
وظيفة تنفيذية ليس إلا، وليس هو من يقرر إن جهة ما خرقت الدستور من عدمه، وتصريحه بهذا الخصوص لا يستند إلى أي سند دستوري.
هو يقول: quot;اليوم أنا مع الكورد، وغدا أقف ضدهم إذا خرقوا الدستورquot;.
إن رئيس الوزراء العراقي أرسل جيشه إلى زمار وكركوك ضد الكورد، ووصف الخلافات بين أربيل وبغداد بالخلافات القومية، وقام بقطع رواتب مواطني كوردستان، هذه هي أعمال نوري المالكي تجاه الكورد وهو يدعي بأنه معهم، فماذا سيفعل غدا إذا أعلن غدا انه ضد الكورد؟
رابعا:
إن رئيس الوزراء العراقي يعتقد إن الكورد غير مستعدين للانفصال وغير قادرين عليه بسبب الدول الجوار والخلافات الداخلية، ويقول كذلك إن الكورد لم يستطيعوا تشكيل الحكومة بعد مضي ستة أشهر.
حقيقة، إن التهديد الأكبر الذي واجه الكورد خلال التسعين السنة الماضية هو العقلية الديكتاتورية واللا ديمقراطية للحكومات العراقية المتعاقبة وليس شيء آخر، وان وجود الاختلاف في الرأي بين الأطراف الكوردية حالة طبيعية، وإنها ألف باء الديمقراطية.
إن كوردستان تعمل من أجل تشكيل حكومة وطنية قوية على أساس التوافق ومشاركة كافة الأطراف، وهذه هي القواعد نفسا التي لا يريد رئيس الوزراء العراقي الأخذ والعمل بها، مع انه استفاد منها كثيرا ولكنه قام بخرقها، فقد أشار في إحدى تصريحاته انه قد ضمن تحالفا مع طرف كوردي، إن هذا الكلام مجرد دعاية انتخابية، لأنه لا يوجد طرف كوردي مستعد للانتحار سياسيا بتحالفه مع شخص لا يؤمن بحقوق الشعب الكوردي ويقف بالضد منه.
خامسا:
إن رئيس الوزراء العراقي يتحدث عن الشراكة، ويدعي بان الكورد لم يفهموا معنى الشراكة ويعتبر الشراكة المؤسسية ومشاركة الكورد في البرلمان ومجلس الوزراء دليلا على وجود الشراكة في العراق.
إن حكومة لا تحترم المؤسسات وتتجاوز شركائها من أجل تمرير قانون أو مشاريع قوانين، كيف لها أن تطبق الشراكة المؤسساتية؟
عن أية مؤسسات يتحدث؟
في الوقت الذي يصدر جميع القرارات من مكتب رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة؟
أية مؤسسات يقصد؟
عندما يمرر قانون الميزانية العامة بدون الصوت الكوردي؟
أي مؤسسات؟
عندما يعمل مجلس الوزراء بدون وجود النظام الداخلي؟
سادسا:
إن مرحلة حكم الرئيس الحالي لمجلس الوزراء العراقي تعد أحدى أسوأ المراحل في تأريخ العراق، وان سجل أعمال حكومته مليئة بالفشل الاقتصادي والسياسي للدولة العراقية، وانه وبعد ثماني سنوات من الحكم لا يستطيع أن يتهرب من مسؤوليته عن:
1- تدهور الوضع الأمني والتهديدات اليومية للإرهاب.
2- إن العراق في ظل هذه الحكومة أصبح من بين أكثر دول العالم فسادا.
3- تدهور العلاقات الدبلوماسية للعراق مع العديد من دول الجوار.
4- تفاقم نسبة هجرة المواطنين ومهجري الداخل وتصاعدها بازدياد مستمر.
5- على الرغم من الميزانيات الضخمة والواردات الكبيرة، فان مستوى تقديم الخدمات وقطاعات الصحة والتعليم والكهرباء والطرق سيئة جدا، ونسبة الفقر في تصاعد مستمر.
6- العمل على ترسيخ الطائفية وإشعال نار الفتنة واتساع الهوة بين المكونات العراقية.
7- يبتعد العراق يوما بعد يوم عن معاني الدولة.
8- إن أوضاع حقوق الإنسان والحريات الفردية ووضع المرأة العراقية قد ساءت كثيرا، وان الاعتقالات بدون قرار المحاكم أصبحت ظاهرة منتشرة، إضافة إلى إن الحكومة غير مهتمة بمتابعة الأعداد الكثيرة من حوادث القتل والخطف والجريمة التي تحدث في المدن العراقية.
سابعا:
يتحدث رئيس الوزراء العراقي مدعيا بأنه وحكومته لم يتخذوا أية خطوة ضد الدستور والقوانين، بل ويتحدى من يأتيه بأية خروقات دستورية قام بها هو أو حكومته خلال ثمان سنوات من حكمه.
وهنا يمكن أن نشير إلى عدد من الخروقات الدستورية والقانونية لرئيس مجلس الوزراء وحكومته خلال السنوات الثماني الماضية:
1- عدم تطبيق المادة 140 من الدستور العراق والعمل ضد أحكام المادة المذكورة وبطرق مختلفة.
2- التهرب من إجراء التعداد السكاني، حيث إنه وبموجب قانون مجلس النواب العراقي كان من المفروض إجراء التعداد السكاني في 2008، ولكن الحكومة العراقية لم تقم بذلك، ورغم إن المحكمة الاتحادية اتخذت قرارا ملزما لإجراء التعداد السكاني، إلا أن حكومة المالكي لم تلتزم لا بقانون مجلس النواب ولا بقرار المحكمة ولم تجري التعداد السكاني لحد الآن.
3- خلافا للمادة 85 من الدستور فان مجلس الوزراء العراقي ورئيسه يعملان بدون وجود نظام داخلي للمجلس، وهذا يؤدي إلى نهج الدكتاتورية في اتخاذ القرارات وفي عملية إصدارها، وإنهاء أحدى أهم أسس الشراكة المؤسساتية التي يتحدث عنهاالمالكي، وفي ظل عدم وجود هذا النظام لا يستطيع نواب رئيس الوزراء ممارسة صلاحياتهم الحقيقية وأداء مهامهم.
4- على العكس من المادة الأولى من الدستور التي تعرف الدولة العراقية بأنها ذات نظام جمهوري برلماني، لكنه قد تم تجميد الدور الرقابي والتشريعي لمجلس النواب بسبب تدخلات السلطة التنفيذية.
5- خلال السنوات الماضية تمت إدارة الكثير من الوزارات والهيئات والمؤسسات المهمة وكالة، كما وفي مخالفة صريحة للفقرة خامسا من المادة 80 من الدستور لم تقدم الحكومة أسماء وكلاء الوزارات والسفراء وقادة فرق الجيش ومسؤولي المؤسسات الأمنية ورئيس جهاز المخابرات الوطنية وأصحاب الدرجات الخاصة إلى البرلمان، علما بأنه لا يحق لرئيس الوزراء سوى ترشيحهم إلى البرلمان لإقرار تعيينهم وإعطائهم درجاتهم الخاصة، الا ان المالكي وخلافا للدستور قام بتعيينهم دون الرجوع الى البرلمان. ان غياب البرلمان في تعيين تلك المناصب، يؤدي بالنتيجة أن تكون تلك القرارات لمصلحة وصلاحية شخص واحد هو رئيس الوزراء.
6- بموجب المادة 63 من الدستور لعضو مجلس النواب خلال عمله حصانة ولا يمثل أمام المحكمة بناء على آراءه، ولكن هناك نواب قد جرى توقيفهم بدون رفع الحصانة وتم إبعاد عدد منهم وذلك فقط بسبب آرائهم المخالفة لرأي المالكي.
7- بموجب المادة 9 من الدستور العراقي فان القوى الأمنية والجيش يتكون من أبناء كافة المكونات العراقية دون تمييز وأن يراعى التوازن في تشكيلاته، وأن يكون تحت قيادة مدنية وأن يدافع عن العراق ولا يستخدم لقمع الشعب العراقي وان لا يكون للجيش دور في الشؤون السياسية وتداول السلطة.
8- والسؤال هنا، أين توازن المكونات داخل الجيش والأجهزة الأمنية؟
أين الانتماء الوطني لتلك القوات؟
إن رئيس الوزراء يسعى إلى صنع جيش يكون ولاءه لشخص واحد، وعلى النقيض من الدستور يتم استخدامه واستخدام الأجهزة الأمنية لزرع الخوف والرعب لدى أبناء المكونات العراقية وحسم الخلافات السياسية وقمع المتظاهرين، إضافة إلى استحداث عدد كبير من الهياكل والمؤسسات خارج الدستور، مثل قيادات العمليات وقوات مكافحة الإرهاب وقوات سوات.. والخ.
إن المالكي وعن طريق تشكيل قيادات العمليات العسكرية في المناطق المختلفة من العراق، يمارس صلاحيات حالة الطوارئ وهذه مخالفة صريحة للدستور، لان إعلان حالة الطوارئ يحتاج إلى موافقة رئيس الجمهورية والأغلبية المطلقة من مجلس النواب.
9- إن المادة 122 من الدستور قد حددت صلاحيات المحافظات على أساس اللا مركزية وان المحافظ يعتبر السلطة الأعلى في الحدود الإدارية للمحافظة، وان مجالس المحافظات لا يخضعون لأية وزارات ولهم ميزانية مالية مستقلة.
وفي مخالفة واضحة لتلك المادة، وفي ظل سلطة المالكي ومقربيه فان المحافظات لا تملك تلك الصلاحيات وان الحكومة تتعامل معهم بشكل مركزي.
وأخيرا، فان ما جاء في هذا البلاغ هو صورة عامة عن الأوضاع المتردية التي يعيشها الشعب العراقي، ومن المؤكد إن هذه الأوضاع هي نتيجة سوء الإدارة ومحاولة إعادة إنتاج الدكتاتورية، والسعي إلى التسلط والمركزية وخرق الدستور، وان رئيس الوزراء العراقي لا يمكنه التهرب من المسؤولية.
نأمل أن تستفيد الشعوب العراقية من الفرصة المؤاتية وتتمكن عن طريق الانتخابات من إنهاء هذه الأوضاع السيئة وإحداث تغييرات جوهرية في العملية السياسية وإعادتها إلى مسارها الصحيح.