لم يكن موقف المرجع الشيعي آية الله محمود الصرخي مفاجئاً لأتباعه ومتابعيه، فالرجل المعروف بمعارضته لسياسات رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ورئيس حزب الدعوة الذي تعد منطقة كربلاء واحدة من معاقله الرئيسية، معروفة ومناهضة للتغول الإيراني في العراق.
الانباء الواردة من جنوبي العراق تؤكد أن المواجهات المسلحة التي دارت بين القوات الحكومية وأتباع المرجع الشيعي آية الله محمود الصرخي الحسني في كربلاء ستمتد لمحافظات الجنوب المختلفة، فيما وصفوه بـ"ثورة شعبية" ضد السلطة.
والمواجهات الليلية التي خلفت في كربلاء نحو مئة قتيل وجريح ستمتد إلى محافظات جنوبية أخرى مثل واسط وذي قار وميسان، وأتباع الصرخي سيخرجون في الناصرية مركز محافظة ذي قار بجنوبي العراق، للتنديد بممارسات القوات الحكومية ضدهم.
قوات عراقية كانت قد هاجمت مقر السيد الصرخي في كربلاء التي تضم مرقد الإمام الحسين بن علي بعد أيام من فتوى أطلقها بعدم الاستجابة لفتوى سابقة من المرجع الشيعي السيد علي السيستاني بالتطوع لمواجهة المسلحين الذين سيطروا الشهر الماضي على الموصل ومدن عراقية أخرى.
وتضمنت فتوى الصرخي -التي وردت في خطبة الجمعة- تحريم رفع السلاح "ضد السنة" في العراق وبطلان فتوى السيستاني، وهو ما أثار غضبا حكوميا وتهديدا تضمن محاصرة مقره في كربلاء ثم مطالبته بغلق المكتب قبل أن يتحول التهديد إلى مواجهة مسلحة. ووصل القتال بين الطرفين إلى منطقة مرقد الإمام الحسين، فيما فرضت السلطات حالة منع التجول على كربلاء بعد أن تمكن أتباع الصرخي من السيطرة على نصف المدينة، بما في ذلك الطريق الذي يؤدي إلى مدينة طويريج القريبة، وهي مسقط رأس رئيس الوزراء نوري المالكي.
تعتبر مدينة كربلاء معقلا تقليديا لحزب الدعوة الذي يترأسه المالكي، كما أن طبيعتها الرمزية لدى الشيعة تجعل من هذه المواجهات مصدر حرج شديد للحكومة العراقية. وقد هاجمت مواقع إعلامية شيعية بشدة حركة الصرخي وفتواه بالدفاع عن النفس ضد السلطة، ووصفه موقع براثا القريب من المجلس الأعلى الإسلامي بـ"الضال المضل" و"المنحرف".
بدورها أعلنت الحركة الشعبية لإنقاذ العراق التي تنشط في مناطق جنوبي العراق تأييدها منذ البداية لما وصفه بـ"حركة الصرخي" و"اعتبرتها أساسا لثورة شعبية ستمتد للكوت والناصرية والعمارة ومدن أخرى في الجنوب"، وأن تأثير المواجهات ظهر فورا في مدن أخرى مثل الشامية وجزء من الصويرة ومناطق في الحي قرب الكوت.
عدة مراجع في النجف أيدوا "حركة الصرخي" ومنهم آية الله بشير النجفي وآية الله فاضل البديري والشيخ قاسم الطائي (أحد مؤسسي التيار الصدري)، وهذا التأييد سينسحب على انتشار دعوة الصرخي في عموم مناطق جنوبي العراق. وينتشر أتباع الصرخي الذين تقدر أعدادهم بعشرات الآلاف في عدة مناطق بجنوبي العراق من أبرزها كربلاء والناصرية والديوانية والنجف.
الصرخي من رجال الدين القلائل الذين انتقدوا بشكل علني سياسات المالكي وظلمه، ويظهر الصرخي في فيديو وهو يقول "السنة مظلومون بالعراق والثورة حق"، وعرف عنه مواقفه المؤيدة للثورة السورية، فكتب في موقعه الرسمي: "منذ الأيام الأولى لانطلاق ثورة ابنائنا الأعزاء في سوريا الشام قد أيدناها وباركناها ودعونا لدعمها ونصرتها بكل ما يستطاع، لأنها ثورة شعب جائع مقهور مظلوم على سلطة ظالمة متجبرة، فكيف لا نكون مع المظلوم ضد الظالم؟ فهل نخرج عن الاسلام ومنهج الرسول الأمين وأهل بيته الأطهار (صلوت الله عليه وعليهم أجمعين)؟ وهل نخرج من الأخلاق والإنسانية؟".
وفي انتظار تطورات الأيام والمبارزة بين القوات الحكومية القادمة من بغداد ومعها المتطوعين الشيعة في مواجهة المسلحين ومن والاهم والقادمين من الموصل وتكريت والأنبار، يبدو المشهد العراقي مقبلاً على انقسام جديد في مكونه الشيعي، بين مؤيد لسياسات رئيس الوزراء الموالي لإيران ومشروعها في المنطقة، وبين تيار شيعي عروبي رافض لهذه التدخلات والاستحواذ الإيراني على عراق الرافدين وبوابة العرب الشرقية.

هشام منوّر كاتب وباحث
&