تنظيم داعش هو لغز محير حقا. فعلى الرغم من وجود تشابه كبير بين القاعدة وداعش فان القاعدة لم تشكل اي لغز منذ تأسيسها وحتى الوقت الحاضر. فالقاعدة كتاب مفتوح وداعش كتاب أكثر من نصف صفحاته مازالت مطوية وغير معروفة.
&&& فما هو؟ ومن هو تنظيم داعش؟ ومن الذي يدعمه؟ وما هي أخطاره؟ وما هو مستقبله المحتمل؟
ما نعرفه عن داعش حتى الان هو أنه تنظيم إسلامي سني متطرف تكفيري يشجع العمليات الانتحارية ويبيح قتل وهدر دم من يعارضه أو يختلف معه. فهو تنظيم تكفيري تسلطي دموي وانتحاري . إن ممارسات هذا التنظيم في سوريا تجاه مقاتلي الجيش الحر والمدنيين السوريين من عرب سنة وأكراد ومسيحيين وغيرهم في المناطق التي سيطر عليها في سوريا قد كشفت الغطاء عن وجود عقليات تكفيرية متحجرة لا يمكن تصديق وجودها بين عناصر التنظيم. وان عمليات القتل والترويع التي قام بها أيضا بعض أفراد داعش في العراق تجعل صورة خطورة هذا التنظيم تكتمل امام المشاهد غير المصدق . فتسلط وتكفير وفرض جزية وبطش في سوريا وقتل وترويع وسحق في العراق .
&&&&& إن داعش في فكرها وتعاملها مع الأشخاص الرافضين لها في مناطق نفوذها هي اشد تطرفا وقسوة من القاعدة. وفي اعقاب انتقاد بعض قيادات القاعدة وجبهة النصرة لممارسات داعش في بعض المناطق السورية ضد الاكراد والمسيحيين وغيرهم من أهالي سورية المدنيين سال محلل سياسي امريكي في محطة أخبار فوكس الامريكية : إذا كانت القاعدة المعروفة في تطرفها ودمويتها تنتقد الآن ممارسات داعش وتصفها بالتعسفية والقمعية والمجنونة فمن هو تنظيم داعش هذا بحق السماء؟ ومن أين جاء؟
& إن تنظيم داعش حقيقة هو ليس لغز في فكره ومنهجه ولكنه لغز فيما يتعلق بقيادته وتمويله وتسليحه ودعمه وقوته. فاللغز ليس في سؤال ما هو داعش؟ ولكن اللغز يبرز في سؤال&& من هو تنظيم داعش؟
&& لقد مرت أشهر وأسابيع قبل ان يبرز للعلن اسم البغدادي وأسماء قليلة غيره من قيادات داعش. وبينما كان التنظيم يحارب ويوسع مناطق نفوذه ويفرض فكره ومنهجه& كان المحللون السياسيون وبعضهم مازالوا حتى الآن يسألون من هو تنظيم داعش؟ وكم عدد افراده؟ ومن يقوم بدعمه وتمويله وتسليحه؟ وحتى الوقت الراهن فلم تزل أعداد أفراد داعش غير معروفة بشكل دقيق . وتتراوح الأرقام التقديرية بين الستة آلاف والستين الفا وكلاهما غير صحيح فرقم قليل ورقم جد مبالغ فيه. وان المحاولات الجادة لإجابة سؤال من هو تنظيم داعش تفيد بان التنظيم يضم في أساسه أربعة فئات من المقاتلين الذين تجمعوا حول البغدادي وهيئة حرب قيادة التنظيم . الفئة الأولى هم المحاربون العراقيون وغير العراقيين من العرب والمسلمين الذين كانوا يقاتلون جنود الاحتلال الامريكي في العراق. وتتمثل الفئة الثانية في المقاتلين العرب والمسلمين الذين قدموا من بلادهم إلى سوريا خصيصا لقتال النظام السوري دون ان يشاركوا سابقا في قتال الجيش الأمريكي في العراق. فلقد قدموا إلى سوريا استجابة لاستغاثة السوريين الذين يعانون من قتل وتعذيب النظام العلوي لهم. وتضم الفئة الثالثة بعض المقاتلين السوريين ضد نظام الأسد والمدعومين من بعض اللبنانيين والذين وجدوا في تنظيم داعش بالرغم من تطرفه أملا لهم في تحقيق النصر على النظام السوري. وإضافة إلى هذه الفئات الثلاثة الرئيسية يضيف البعض فئة رابعة صغيرة تضم مجموعة من الأتراك السنة الذين تشكلوا أو شكلوا خلال العامين الماضيين لنصرة الشعب السوري كرد فعل على تعاطف بعض العلويين الأتراك مع النظام السوري العلوي. وبسبب تشابه الفكر المتطرف الذي يجمع بين القاعدة وداعش وجبهة النصرة فان هناك احتمال كبير لوجود بعض عناصر القاعدة وجبهة النصرة الذين يقاتلون حاليا تحت مظلة داعش في العراق وسوريا . وبعض التقارير أفادت فعلا برفع بعض مقاتلي القاعدة في اليمن لشعار داعش. وفي ضوء ما تم ذكره عن فئات داعش فان هويات مقاتلي هذا التنظيم تأتي من جنسيات عديدة تشمل العراقيين والسعوديين والسوريين والكويتيين والليبيين وغيرهم من أبناء المغرب العربي والأتراك والأفارقة المسلمين وجنسيات مسلمة أخرى كثيرة وبعض المسلمين الذين يحملون جنسيات اوروبية وأمريكية .
&&&&& واللغز الثاني في أمر داعش هو قوة هذا التنظيم التي ظهرت فجأة ومكنته من تحقيق انتصارات كبيرة وسريعة في سوريا والعراق والسيطرة على مساحات واسعة من أراضي كلا البلدين . ويرتبط بهذه القوة حقيقة غموض كبير في مسالة دعم وتمويل وتسليح داعش . فجميع دول المنطقة المعنية وصفت داعش بالتنظيم المتطرف أو الارهابي . وكذلك الأمر بالنسبة لقوى المعارضة في الثورتين السورية والعراقية اللتين أعلنتا بوضوح عن تنصلهما من داعش وعن رفضهما لفكر التنظيم الداعشي وبعض ممارسته وتجاوزاته التسلطية والتعسفية. ووصل الأمر في سوريا وبدرجة أقل في العراق إلى وقوع صدامات مسلحة بين قوات داعش من طرف وبين ثوار سوريا والعراق من طرف آخر. فمن أين يحصل تنظيم داعش اذا على تمويله وتسليحه؟ وبعبارة أخرى ما هي مصادر قوته؟ المالكي، وفي محاولة منه لصرف الانظار عن مشاكله السياسية مع عشائر العراق وعن إقصائه للسنة العراقيين وشيعتها المعتدلين ومنعهم من المشاركة في حكم العراق، وكذلك لصرف الأنظار عن دعمه وتسهيله للهيمنة الايرانية على العراق ومساعدته لنظام بشار الأسد في سوريا ولصرف الأنظار ايضا عن فساد حكومته وفشله السياسي في العراق، اتهم المالكي السعودية وبدرجة أقل تركيا في تقديم الدعم لتنظيم داعش. ولكن الأصوات السياسية العاقلة في العالمين العربي والإسلامي وفي امريكا وأوروبا، وصفت إدعاء المالكي هذا بأنه "مدعاة للسخرية ".
ويبقى لغز دعم تنظيم داعش ماثلا حيث اتهمت عدة وسائل إعلام أمريكية و أوروبية بعض الأسر السنية الثرية المتحمسة في دول مجلس التعاون الخليجي بتقديم الدعم المالي لتنظيم داعش. والشيء الوحيد المؤكد حتى الآن هو حصول داعش على مئات آلاف وربما الملايين من خزينة البنوك العراقية التي هاجمتها، ومن بيع النفط السوري الموجود في مناطق نفوذها. وأما الكثير من سلاح داعش فلقد جاء عن طريق الشراء من السوق السوداء والسرقة وغنائم الحرب التي حصل عليها في سوريا والعراق.
&&&&& وإضافة للغموض والضبابية اللذين يحيطان بقيادات وأفراد تنظيم داعش وبسرية مصادر تمويله وتسليحه فإن اللغز الثالث لداعش يتعلق في زعم بعض ثوار سوريا والعراق بوجود علاقات سرية مشبوهة بين إيران ونظامي الاسد والمالكي من جهة وبين بعض قيادات داعش من جهة أخرى. فهل يمكن تصديق هذا الزعم وقبوله؟
&&&&&& يصعب فهم وجود مثل هذا التفاهم السري المزعوم بين بعض قيادات داعش وقيادات النظامين السوري والعراقي. فداعش يسعى لمحاربة الشيعة ناهيك عن العلويين؟ ولكن كلا النظاميين السوري والعراقي حاولا الاستفادة من وجود داعش لخدمة مصالحهما السياسية. فالنظام السوري لم يحارب داعش وتركه يشتبك مع الجيش السوري الحر لكي ينهكه ويشغله عن القتال ضده. هذا من ناحية ومن ناحية اخرى فلقد استغل النظام السوري وجود داعش في سوريا لكي يؤكد ادعاءه للعالم عن وجود ارهابيين قادمين من خارج الحدود السورية لزعزعة الامن السوري . وربما ساعدت ممارسات داعش المتطرفة في إقناع حكومات أمريكا وأوروبا بالسماح لبشار الأسد في البقاء بالحكم وضرب ثوار سوريا الحقيقين ليس حبا بنظامه ولا كرها بثوار سوريا ولكن خوفا من استغلال داعش للفوضى التي سيحدثها انهياره.
&&&&& ويختلف الأمر في العراق بعض الشيء عن سوريا. ولكن اللغز الداعشي يبقى قائما. فأول فئة من فئات مقاتلي داعش نشأت كما ذكرت آنفا في العراق أثناء قتال جيش الاحتلال الأمريكي. وبعد ان أصبح داعش أكثر قوة وعددا في سوريا وأسس فيها انطلاق دولة خاصة به، عادت مجموعات عديدة من عناصر التنظيم إلى العراق مزودة بأسلحة جديدة تم الحصول عليها في سوريا عن طريق الشراء والغنيمة من قوات النظام وقوات الجيش الحر وربما من مصادر أخرى غير معروفة، دفعتها مصلحتها ورؤيتها للأمور إلى تسهيل حصول داعش على السلاح. وبعد تثبيت قدميه وزيادة قوته في سوريا أعاد تنظيم داعش كما ذكرت& أفواجا عديدة من مقاتليه إلى العراق وأنقض على نظام المالكي. ولقد وجد داعش في انتفاضة ثم ثورة العشائر فرصة كبيرة للمشاركة في توجيه ضربة ساحقة لقوات المالكي. وخلال أيام توسعت داعش في العراق بشكل مذهل حقا وغنمت المزيد من أسلحة الجيش العراقي المنهار والمتراجع. فبينما اصطدم تنظيم داعش في سوريا بالجيش الحر فلقد دخل التنظيم في العراق في تنسيق تكتيكي غير معلن مع قوات العشائر العراقية ومع بعض ضباط وجنود جيش صدام السابق الذي تم حله بعد احتلال امريكا للعراق وكذلك مع عناصر قيادية في حزب البعث الذين كانوا من علية القوم في العراق أثناء حكم صدام ثم اصبحوا اذلة بعد قيام قوات الاحتلال الأمريكي بإصدار قانون اجتثاث البعث. وساعد على سرعة انهيار جيش المالكي افتقار هذا الجيش إلى الخبرة في القتال وانخفاض معنويات جنوده ونقص عتاده الذي يرجع لأسباب الفساد الموجود في نظام المالكي.
&&&&&&&&&& وأما اللغز الرابع وربما الأخطر في تنظيم داعش فيتمثل في ارتباط فكر هذا التنظيم ومكان وجوده وتحركه بفتنة الانقسام الطائفي المذهبي بين السنة والشيعة في المنطقة.& صحيح أن النظامين السوري والعراقي والحرس الثوري الايراني وحزب الله اللبناني وبعض الفصائل الشيعية الاخرى في العراق هي التي بدأت في ايقاظ الفتنة المذهبية الطائفية بين السنة والشيعة ولكن فكر داعش وممارساته وتهديد بعض قادته بهدم أضرحة الشيعة سوف يؤدي بالتأكيد إلى تأجيج لهيب الفتنة الطائفية البغيضة. فلقد أصبح الانقسام والتمحور والاستقطاب المذهبي السني-الشيعي يسيطر على المشهد السياسي في المنطقة بين الدول وضمن الدولة الواحدة. فلقد استيقظت فتنة الطائفية المذهبية من نومها الطويل وتجاوزت في الوقت الحاضر مرحلة التكشير عن الأنياب وبدأت بالعض والنهش. ويرتبط لغز داعش في هذا الأمر في نظرية المؤامرة التي يرى المؤمنون بها أن مؤسسات استخباراتية أمريكية وأوروبية وإسرائيلية كانت تعمل منذ وقت طويل على إشعال فتيل حرب أهلية اسلامية بين السنة والشيعة بهدف اشغال المسلمين بأنفسهم وبقتل بعضهم البعض وبهدف تجزئة الدول العربية إلى دويلات ومقاطعات صغيرة وضعيفة ومتنازعة. وعلى الرغم من ان منطق التحليل السياسي الواقعي يرفض قبول نظرية المؤامرة هذه فان اهمية اثارتها في سياق الحديث عن اللغز الخاص بتنظيم داعش تبقى موجودة كما سوف يتضح في مناقشة اخطار داعش.
&&&&&&& فما هي أخطار تنظيم& داعش؟ إذا كان داعش فعلا هو نبتة أو شجرة خطرة فهل نمت وحدها بشكل تلقائي في منطقتنا العربية بسبب مشاكلنا أم ان هناك من زرعها في ترابنا العربي مستغلا طبيعة وتعقيدات هذه المشاكل؟ وقد تكون عملية الزراعة متقنة جدا بالشكل الذي يجعل بعض قادة داعش على الاقل لا يعلمون بوجود الزراعة ولا يدركون ان هناك من يرعى نبتتهم خفية من الخارج ويقوم بريها . واذا اعتبرنا نشوء تنظيم داعش هو نتاج طبيعي محلي يدخل ضمن نطاق الفعل ورد الفعل فإننا نستبعد بذلك مسالة اللغز في داعش، وأما اذا افترضنا بالمقابل ان هذا التنظيم قد زرع عمدا فستبقى مسألة اللغز تحيط بداعش مادام الغموض يحيط بهذا التنظيم. وقد لا نتمكن من حل هذا اللغز أبدا. فالخطر الأول لتنظيم داعش هو أن يكون مزروعا من الخارج لغاية في نفس يعقوب الخارجي قد تظهر لنا الآن أو لا تظهر هذه الغاية. والخطر الثاني هو المساهمة في تجزئة سوريا والعراق وربما غيرها من دول المنطقة. ويتمثل الخطر الثالث في استقطاب التنظيم لشباب السنة المتحمسين للانضمام اليه والقتال تحت لوائه. وسيتم تدريب هؤلاء الشباب عسكريا وتزويدهم بجرعات من الفكر المتطرف وعند عودتهم إلى اوطانهم فسوف يهددون بالتأكيد الامن الوطني لدولهم. وسيجرنا خطر الاستقطاب هذا إلى خطر استفحال التوتر الطائفي المذهبي بين السنة والشيعة وهو الخطر الذي جاء به كل من الحرس الثوري الايراني وحزب الله اللبناني ونظامي بشار والمالكي. ولكن رد الفعل على مواقف المتطرفين الشيعة لا يكون بتهديد الأضرحة الشيعية وإثارة حماس وغضب الكثيرين من الشيعة المعتدلين.
&&&&&&&& ومن أخطار داعش ايضا تشجيع القاعدة على العودة لتنفيذ عمليات ارهابية في السعودية منطلقة من اليمن وهذا ما حدث فعلا خلال الاسبوع الماضي. وسيسعى تنظيم داعش لضم المزيد من عناصر القاعدة في صفوفه. وقد تنتهي القاعدة فعلا من وجودها كتنظيم ولكن خطرها سيبقى بوجود افرادها الذين سينضمون لتنظيم داعش الاشد خطرا من القاعدة. وأسوة بالقاعدة فسوف يسعى تنظيم داعش الى ضرب المصالح الغربية في الدول العربية والاسلامية ودفع المسلمين للدخول في مواجهة وصدام مع امريكا واوروبا . ومن أخطار داعش المحتملة أيضا اعطاء تبرير لايران للتدخل العسكري الصريح والسافر في العراق وهو الامر الذي قد يضع السعودية وتركيا في مواجهة ساخنة مع ايران. واخيرا فان من شأن إعلان داعش تأسيس الخلافة الاسلامية في العراق والشام ان يترك تبعات خطيرة في المستقبل على علاقة هذا التنظيم بالمملكة العربية السعودية أرض الحرمين الشريفين ومهبط الوحي. فلا يمكن كما أعتقد وارى تجتب مواجهة قادمة شبه محتومة بين السعودية قائدة العالم الاسلامي وبين خلافة مزعومة غير شرعية وصاحبة فكر متطرف.&

&ما هو المستقبل المحتمل لتنظيم داعش؟
&ان محاولتي لإجابة هذا السؤال ومعرفة مستقبل تنظيم داعش ستكون من خلال استعراض بعض عناصر القوة وعناصر الضعف الخاصة بتنظيم داعش. وكلما رجحت عناصر القوة لصالح داعش فوق عناصر ضعفه& كلما تمكن هذا التنظيم في البقاء والثبات والتوسع والعكس صحيح أيضا. وترتبط عناصر قوة وضعف داعش بخمسة متغيرات رئيسية . بالشكل الذي يجعل كل متغير يعمل اما لصالح قوة أو ضعف تنظيم داعش. وتتمثل هذه المتغيرات وعناصر كل منها في النقاط الآتية:
&

1 - القوة العسكرية القتالية لتنظيم داعش.

يتمتع تنظيم داعش كما يبدو بقدرات قتالية متميزة وشجاعة كبيرة لمقاتليه وعدم خوفهم من الموت. ومن عناصر قوة داعش في هذا المتغير أيضا تلاحم وتماسك قيادته وعدم تحدي سلطة البغدادي وقادة حرب داعش الذين تم الاعلان عنهم مؤخرا. ويبدو ان هذا العنصر يعمل حتى الان لصالح داعش. ولكن هناك احتمال قوي لظهور اشخاص ينافسون سلطة البغدادي في المستقبل. ولا يبدو ان داعش سيواجه مشكلة في التمويل والتسليح في الاشهر القادمة. وسيعمل لصالح داعش ايضا فيما يتعلق بجانب القوة العسكرية قدرة هذا التنظيم على خوض حرب عصابات الأرياف والمدن وحرب الجيش النظامي بنفس الوقت. ومن المتوقع لقدرة داعش في المواجهة العسكرية ان تكون أكثر فاعلية في العراق من سوريا . وان اهم عنصر من عناصر قوة او ضعف القدرة العسكرية القتالية لداعش يتعلق بنجاح التنظيم في انضمام شباب السنة المتحمسين لصفوفه والقادمين من جزيرة العرب ومصر والمغرب العربي وتركيا ودول اسلامية اخرى كثيرة.&&&&&&&&&&&&&& ولكن الى متى ستبقى عملية الاستقطاب هذه مستمرة وناجحة. يصف تشي غيفارا اشهر زعيم حرب للعصابات في العالم ظروف حربه التي كان يقودها في أمريكا اللاتينية متنقلا من بلد الى آخر بأنها كانت ظروفا صعبة. فأكثر من عشر دول لاتينية مدعومة من الحكومة الامريكية كانت تلاحقه. ويضيف غيفارا بان النجاح في تنفيذ عمليات هجوم كبيرة كان مكلفا دائما ويدفع الثوار ثمنه غاليا ويفقدون عشرات من القتلى . ولكن مقابل هذه الخسارة كان الثوار يكسبون بعد كل انتصار كبير يحققونه انضمام مئات من الفلاحين المتحمسين الى صفوفهم. فالثوار كانوا دائما بحاجة الى عمليات كبيرة ناجحة حتى وان كان ثمنها باهظا. فهم يخسرون عشرات القتلى من طرف ويكسبون مئات المتطوعين الجدد من طرف آخر. ولكن مع مرور الوقت اتضح أن المتطوعين الجدد يفتقدون الى الخبرة القتالية بالرغم من ارتفاع معنوياتهم. ولقد اعطت فترة تدريبهم وإعدادهم فرصة للحكومات المعنية بمحاربة غيفارا والإنقضاض عليه. وبدا واضحا فيما بعد ان تناقص عدد المقاتلين المنضمين للثوار كان هو بمثابة بداية النهاية لحرب غيفارا الثورية في امريكا اللاتينية. فشباب السنة الذين سينضمون الى داعش في هذه الفترة قد يتخلون عنه في المستقبل. وقد تفشل جهوده المستقبلية في الاستقطاب ويضعف هذا التنظيم.

2- ظروف سوريا والعراق&
&&&&&&& حرب داعش في سوريا تركزت على مقاتلة الجيش الحر وليس على قتال النظام السوري. وكانت مواجهات القتال لصالح داعش التي فرضت نفوذها على شمال شرق سوريا وغيرها من المناطق . وباختصار فلقد أدت ظروف حروب الثورة السورية الى زيادة قوة داعش العسكرية. وتوسعت مناطق نفوذ داعش الى الاطراف الشرقية لمدينة حلب التي تحاصرها في الوقت الحاضر قوات النظام من جنوبها وغربها وأما حلب نفسها فما زالت تحت سيطرة ثوار سوريا. وإذا تمكنت قوات بشار الاسد من اقتحام حلب فقد تتجه شرقا وتدخل في صدام مسلح بري مباشر مع قوات داعش او تنسحب داعش من امامها. وستكون معركة حلب والمعارك التي تليها نقطة تحول اساسي لقوة داعش في سوريا اما نحو الأسوأ أو نحو الافضل من منظور داعش.&
فإذا تمكنت قوات داعش من التسلل الى حلب ومنع قوات النظام من دخولها فقد تسيطر عليها وسيشكل ذلك مكسبا مهما اضافيا لقوة داعش في سوريا. ولكن اذا سيطرت قوات بشار على حلب واتجهت منها شرقا فقد يمثل هذا الواقع العسكري بداية لضعف داعش وتراجع قوتها في سوريا. وأما في العراق فان حرب داعش منذ يومه الاول كانت ضد قوات المالكي مع وجود مواجهات ومصادمات محدودة مع قوات العشائر والقوات الكردية (البشمركة) . وبسبب استبعاد مسالة اي تسوية سلمية في سوريا فان تأثير التفاعلات السياسية على قوة او ضعف داعش يتركز الآن على العراق. فمن شأن النجاح في تحقيق تسوية سياسية بين السنة والشيعة والأكراد يتم فيها استبعاد المالكي ان يساعد على اضعاف داعش وتهميش قوتها والعكس صحيح ايضا. فقوة داعش في العراق سوف تزداد في حال تمسك المالكي بكرسي الحكم ورفضه التنازل عن السلطة.

3- مسالة الفتنة الطائفية المذهبية.
&&&&&&&&&& على الرغم من ان ايران ونظامي بشار والمالكي وحزب الله اللبناني وبعض الفصائل الشيعية الاخرى كما ذكرت سابقا هم الذين بدؤوا في اشعال فتيل الصدام الطائفي المذهبي بين الشيعة والسنة في المنطقة إلا انه من الواضح الان ان تنظيم داعش يتغذى ويزداد قوة من مسألة زيادة حدة هذه الفتنة. فكلما توسع حجم الهوة بين السنة والشيعة كلما قوي داعش والعكس صحيح ايضا. وقد يكون هذا هو السبب الذي يجعل بعض قادة تنظيم داعش يستفزون ايران ويهددون بتدمير الأضرحة التي يعتبرها الشيعة مقدسة عندهم. ويصعب توقع صدور تصريحات معتدلة من داعش تجاه الشيعة . فمن مصلحة داعش تدعيما لقوتها واستقطابا للسنة المتحمسين الى صفوفها أن تصعد من خطابها المذهبي ضد الشيعة وخطابها التحذيري الندي لإيران.
وأما شيعة المنطقة فقد ينقسمون الى قسمين رئيسيين في مواقفهم السياسية في ضوء تطور تنظيم داعش. قسم(ويضم بشكل أساسي الشيعة العرب) سوف يدعو الى التهدئة مع السنة وعدم استفزازهم وخاصة أن نسبة السنة الى الشيعة بين المسلمين في العالم الاسلامي تصل الى 85 في المائة (خمس وثمانون في المائة)، وسوف يساعد هذا الموقف الشيعي المعتدل في إضعاف داعش بين السنة. وأما موقف غالبية شيعة إيران وبعض الشيعة العرب تجاه داعش فسيكون في دق أجراس الخطر وطبول الاستعداد للمواجهة. وسوف يتمنى تنظيم داعش بدوره توسع الموقف الشيعي الثاني على حساب الموقف الأول لأن الموقف الشيعي الصدامي سوف يدعم ويقوي الارضية التي يقف عليها تنظيم داعش.

4- مواقف الدول الاقليمية المعنية بداعش&
&&&&&&&& يعيش تنظيم داعش في قلب سوريا والعراق وترتبط قوته وضعفه بشكل رئيسي بالظروف والأحداث السياسية لهاتين الدولتين كما تم توضيحه آنفا. وأما الدول الاقليمية المعنية بمسألة داعش فتشمل السعودية ودول مجلس التعاون الاخرى وإيران وتركيا والأردن ولبنان وإسرائيل. وغني عن القول ان تنظيما بحجم وقوة داعش سوف يترك تأثيرا كبيرا في جميع دول المنطقة هذه وغيرها وسيكون لها ردود افعال مختلفة تجاهه. وعلى الرغم من ان اسرائيل تحاول ان تتجاهل في مواقفها الصريحة احداث سوريا والعراق بما في ذلك مسالة داعش إلا انها تراقب بحذر كل ما يحدث في سوريا وأرض الرافدين وهمها الأساسي هو& تنسيق موقفها مع الموقف الامريكي الذي لم تتضح معالمه بشكل كامل حتى الان. صحيح ان اسرائيل هي المستفيد الاكبر من انقسام المسلمين ولكن اخطار نشوب حرب اهلية واسعة بين المسلمين ستطال اسرائيل بالتأكيد. وفيما يتعلق بالموقف الايراني فهو موقف معارض ومعاد لداعش ولكنه لن يضعف قوة داعش بل بالعكس فان معاداة ايران لداعش سوف تزيد من قوة وصلابة التنظيم. ولا اعتقد أن ايران سوف تحرص على ارسال قوات عسكرية برية& للعراق بشكل مباشر لقتال او مواجهة داعش لان ذلك سوف يستفز دولا اخرى في المنطقة وقد ينتهي الامر بفقدان ايران لنفوذها الحالي الذي وفره لها نظام المالكي في العراق، وسوف تكتفي ايران بالمحافظة على مكتسباتها الحالية في سوريا والعراق . وأما السعودية وبقية دول مجلس التعاون الاخرى فان اهتمامها الاساسي ينصب على منع انتشار عدوى اخطار القاعدة الى داعش. ولقد نقلت لنا وكالات الإنباء اخبار رفع بعض مقاتلي القاعدة في اليمن لشعار داعش وهو تطور قد ترى فيه السعودية تهديدا جديدا لأمنها الوطني. وان رؤية السعودية لداعش كتنظيم متطرف يأتي ضمن سياق الربط بينها وبين القاعدة وفي ضوء الممارسات التعسفية لداعش في شمال شرق سوريا. وكذلك فان الغموض الذي يحيط بداعش سيكون حافزا للسعودية وغيرها من الدول المعنية على توخي الحذر ومراقبة تحركات داعش عن كثب. وقد يحاول تنظيم داعش تجنب اثارة مخاوف السعودية لان السعودية قادرة في التأثير على عشائر العراق التي يحرص التنظيم على ابقاء علاقات جيدة معها. ويمكن للسعودية من مدخل علاقتها بالعشائر ان تضعف قوة داعش في العراق. وستحاول داعش ان تظهر أمام السعودية ودول مجلس التعاون الاخرى وتركيا والأردن بمظهر القوة القادرة على تحدي ومواجهة المشروع الايراني في المنطقة، ولكن كل دولة من هذه الدول سيكون لها موقفها الخاص من داعش. وقد يغلب اهتمام تركيا بسقوط نظام بشار الاسد في سوريا على احساسها بخطر داعش. وقد يؤدي هذا الموقف التركي اما الى صدام او تعاون مع داعش وذلك حسب الموقف الفعلي لداعش تجاه نظام بشار الاسد.

5 - موقف أمريكا وأوروبا من داعش.
&&&&&&&& المعنية الأولى بمسألة خطر داعش في المنطقة هي أمريكا وأما قلق أوروبا فيقتصر على خوفها من عودة بعض المسلمين الذين يحملون جنسيات أوروبية الى أوروبا بعد مشاركتهم في حروب داعش الحالية. وكذلك نجاح داعش في استقطاب بعض مسلمي أوروبا للانضمام إلى صفوفه. وبالنسبة لعناصر إضعاف داعش الدولية فهي عديدة وفي مقدمتها اقتناع أمريكا وأوروبا بالقضاء على نظام بشار الأسد خوفا من انضمام المزيد من ثوار سوريا إلى داعش. وان من شان مثل هذا الموقف تزويد امريكا لثوار سوريا بأسلحة نوعية متقدمة قادرة على اسقاط بشار والقضاء على داعش في سوريا. ولكن هل تفعل امريكا ذلك وهي تحاور ايران حليفة بشار في أمور وقضايا عديدة؟ وكذلك الأمر في العراق فإن موقفا أمريكيا حازما ضد داعش والعمل الجدي على إبعاد المالكي عن السلطة وتقريب مواقف السنة والشيعة والأكراد سوف يساعد ايضا على اضعاف داعش. ولكن هل تقدم أمريكا على فعل ذلك في الوقت الذي تعطي فيه أولوية للحوار مع ايران حليفة وداعمة نظام المالكي في العراق؟ ولكي يمارس المالكي ضغطا على أمريكا لحثها على ضرب داعش، ابتدع مؤخرا& قصة حصول داعش على اجزاء من اسلحة كيماوية تعود لعهد صدام.
&&&&&& إن دول أمريكا اللاتينية التي كانت معنية بمحاربة ثورة تشي غيفارا تناست منازعاتها الحدودية وبعض خلافاتها ومشاكلها الاخرى وتعاونت أجهزتها الأمنية أثناء محاربتها لمجنون الثورة وفنان حروب العصابات في العالم تشي غيفارا حتى تمكنت من القضاء عليه. وعلى الرغم من أنني أستبعد ان يعيد التاريخ نفسه في منطقتنا العربية حيث يصعب تصور قيام اي تنسيق مثلا بين ايران والسعودية بهدف مواجهة تنظيم داعش إلا انه وفي حال ان يتضح لاحقا ان داعش سواء كان مزروعا من الخارج او غير مزروع، يسعى الآن عمدا لتوسيع الانقسام الطائفي المذهبي بين السنة والشيعة وإذا شعرت كلا الدولتين بخطورة هذا الامر وبأهمية احباط مهمة داعش فقد تقتضي مصلحتهما معا منع كل من يساهم في تأجيج الفتنة الطائفية من السنة أو الشيعة بما في ذلك تنظيم داعش.
& وإذا كان داعش تنظيما مزروعا فكيف يمكن إضعافه دون ان نعرف مصادر المياه الحقيقية التي ترويه وتغذيه؟ وعندما نتذكر ان تنظيم داعش قد حارب وأضعف الجيش الحر في سوريا ولم يدخل في اي قتال حقيقي مع جيش النظام فتعود إلى اذهاننا أقاويل المعارضة السورية الخاصة بوجود علاقة بين داعش وبشار الأسد ونميل الى تصديقها. فإذا كان حزب الله اللبناني يقاتل إلى جانب النظام السوري وإذا كان تنظيم داعش يقاتل الجيش الحر نفسه ويشغله عن مقاتلة نظام بشار فما الفرق اذا بين حزب الله اللبناني وبين تنظيم داعش في سوريا؟ فكلاهما يقدمان الدعم للنظام السوري& بطريقة مباشرة في حال حزب الله وطريقة غير مباشرة في حال داعش. وقد تكشف لنا حروب حلب ومنطقة دير الزور عن حقيقة موقف تنظيم داعش من النظام السوري.
& ولكن حتى تتضح أمامنا المزيد من الحقائق عن تنظيم داعش في سوريا والعراق فسوف يبقى هذا التنظيم لغز يحيرنا حتى إشعار آخر.&&

كاتب ومحلل سياسي سعودي&