&إلحاقا بمقالتي التي نشرت قبل ايام تحت عنوان: "نكون او لا نكون...." (2/1)
فقد رأيت من الواجب الوطني إستكمال هذا الموضوع البالغ الخطورة ومحاولة تحليل& أوضاعنا العامة ومناقشة أسباب ترديها ومن ثم إقتراح الحلول المناسبة لها. فقد اصبحت مشاكلنا ومصائبنا من التعقيد بحيث بات من الضروري على كافة المفكرين والسياسيين الشرفاء التصدي لها بقوة وحزم وبمختلف الوسائل المتاحة.
&&& وليست هذه الخطوة بجديدة على من خبر العمل الوطني وألإنساني. فهي تعد ضرورية وحاسمة لعلاقتها المباشرة بمصير أمة تكالبت عليها قوى الشر في العالم للقضاء عليها وعلى حضارتها بمختلف الطرق والوسائل المادية والمعنوية وفي مقدمتها شن الحروب كما حصل مع العراق عام 2003 وكما يحصل اليوم من فوضى وإضطرابات.
&& ولا شك ان ذلك النشاط التخريبي قد خطط له وتم تنفيذه وما يزال بإيحاء وتوجيه وتدخل مباشر من حكام أمريكا وإسرائيل وبريطانيا وإيران وتركيا وقطر وتحت مسميات خبيثة وخادعة كـ (ثورات الربيع العربي) او (الحراك السياسي) او (ألإعتصامات) او (المظاهرات) او (زرع المتفجرات) بين المواطنين الأبرياء بهدف زعزعة ألأمن والإستقرار في المجتمعات العربية التي تشكو اصلا من الضعف والهزال منذ زمن طويل. فضلا عن تشجيع الحركات الإنفصالية للأقليات. ثم تطور ألأمر الى قيام حكامنا بإبتكار وسائل التعذيب والقهر البشعة لخصومهم السياسيين. وقيام العملاء والخونة والإرهابيين بتفخيخ السيارات والأشخاص وإستعمال الأسلحة الكاتمة للصوت والعبوات اللاصقة التي تستهدف المواطنين ألأبرياء وخصوصا ألأكاديميين والمثقفين وألإختصاصيين. ولم نسمع بأن هدفا معاديا بارزا قد تم أستهدافه من قبل هؤلاء الإرهابيين ألأشرار مما يؤكد على الإرتباط المشبوه لكل هؤلاء بالخارج.
&& وقد مهد الأعداء لتفجير ما يسمى (بالثورات) وإشاعة الفوضى العارمة القائمة اليوم بأعمال منهجية مكثفة من الدراسات ألإستراتيجية النوعية ووضعها موضع التنفيذ من خلال بعض حكامنا وبطاناتهم من (الطابور الخامس). ويأتي في مقدمة ذلك إطلاق العنان (للحرب النفسية) من قبل مراكز أبحات عريقة لها تجارب واسعة وناجحة في هذا المضمار. وأول ما بدأت به هو إعادة تشكيل العقل العربي الفردي والجمعي او ما يطلق عليه (بغسيل المخ) بهدف سلب إرادته وشل تفكيره ودفعه ليدور في حلقة مفرغة ومغلقة حتى لا يخرج عن نطاق ما هو مرسوم له. ومن ثم تحويل الجميع الى (ألة مطيعة) تعمل بإيحاء او بأوامر من تلك المراكز. ولم يقف هذا البرنامح عند هذه الحدود بل تعداه الى تصنيع شخصية عربية معتلة (سايكوپاثية) تشعر بالراحة النفسية حين تمارس القتل والتعذيب لأبنائها ولرعاياها او تشاهد صور الدماء والدمار الشامل وقد عمت المدن والقرى العربية. وأذكر من بين تلك الشخصیات التي ذاع صيتها الإجرامي في الآفاق الرؤساء (ألأسد والقذافي وصدام) ووزراءهم وطواقمهم وألألوف من ألإرهابين ورجال المليشيات وألأمن والحزبيين الغلاة. وقد أصابت التجارب المذكورة نجاحا كبيرا.
&& ولعل من ابرز من بحث ونشر في هذا الموضوع الخطير الباحثة الكندية المعروفة (نعومي كلاين) التي نشرت ابحاثا وكتبا عديدة اهمها (عقيدة الصدمة) و( بلا شعارات) ( 3، 4) ؛ ناقشت ظاهرة (العولمة) المتوحشة لسلب حرية الشعوب والإستحواذ على ثرواتها واراضيها وإلحاقها سياسيا وثقافيا بالدول الإستعمارية. وقد اشارت الى ما حصل للعراق على نحو خاص. ومما ذكرته من وسائل ومعدات غريبة ووسخة استعملتها تلك المراكز في التعذيب وكسر نفسيات الضحايا مما يشيب الرأس. ويتلخص برنامج (عقيدة الصدمة) في بعض صوره البسيطة بان يزج بالفرد او بالجماعة او بالجمهور العربي الشريف الغيور على وطنه؛ ومن خلال وسائل إعلام عالمية مشهورة ؛ في مواقف حياتية صارخة في تناقضاتها ومفارقاتها. من ذلك مثلا مشاهدة هذا الحلف الإستراتيجي المريب بين حكام البيت الأبيض وإسرائيل وإيران وقطر وتركيا وألأخوان المسلمين وحماس وحزب الله. وكيف تمكنت عصابة إرهابية مجرمة وقليلة العدد مثل (داعش) أن تدحر جيشا عقائديا ضخما فتحتل مناطق كبيرة من العراق وسوريا ثم تبدأ بطهير محافظة نينوى من سكانها التأريخيين الآشوريين والأزيديين والشبك وبتنسيق وتعاون تام مع حكام الولايات المتحدة الأميركية وحكام بغداد الذين تربط بينهما معاهدة دفاع مشترك. وكيف يعين (حكام الغرب) قادتنا وحكامنا والمسؤولين الآخرين من بين الأشخاص الفاشلين والفاسدين والخونة والعملاء المكشوفين ؛ وفي بلدان تفخر بوجود خيرة العلماء والمختصين المرموقين ألشرفاء ؛ كما حصل في العراق مثلا. او ليطلعوا على قيام (حكام الغرب) بالإحتجاجات المتواصلة إذا ما تم منع تظاهرة او فك إعتصام في بلد عربي مهدد ؛ لكنهم لم يفعلوا ذلك مع (حكام طهران) الذين باتت مشاهد ألإعدامات العلنية لفتيان وفتيات صغار من عرب الأحواز وغيرهم امورا مألوفة. او ليشاهدوا (الكيان الصهيوني) وهو يحتل ارضا بالحديد والنار منذ ستة عقود من غير أن تتحرك نخوة هذا (الغرب) للدفاع عن ألأطفال والشيوخ والنساء. او ليشاهدوا (زعيما إسلاميا كبيرا) وهو يتفرج على القواعد ألأجنبية في قطر حيث تنطلق منها الطائرات والصواريخ& لتضرب العراق. بينما يحاط (آخرون) بعصابات من الحكام الفاسدين واللصوص والعملاء. وأخيرا وليس آخرا مشاهدة مسؤول دولة غربية كبرى وهو يأمر حكام دولة عربية صغيرة وحليفة بإبتلاع السنتهم وأن لا يعترضوا على وجود (حزب طائفي) رجعي أعلن ولاءه لدولة أجنبية وقد تجاوزت قدرة مليشياته قدرة جيش تلك الدولة الصغيرة. او يحذر وبشدة دولا مجاورة لليمن بعدم مساعدته عسكريا لكسر شوكة (الحوثيين) الذين يتسلمون السلاح من حكام (إيران). وما صدر عن هذا المسؤول الغربي الكبير يعد ألأغرب حين حذر (دول الخليج) من عدم سحب إستثمارتها الضخمة من إيران وعدم تسريح عمالها. علما بأن إيران تحتل جزرا خليجية ولا تنفك تهدد بابتلاع البحرين والكويت وشرق السعودية واليمن وبإستمرار.
&&& فمثل تلك المشاهد الصارخة والصور المتناقضة المؤلمة التي لاتخضع لأي منطق مألوف او قيم خلقية لابد وأن تعرّض المواطنين العرب الشرفاء؛ وخصوصا المثقفين الى الأزمات الصحية الخطيرة او تصيبهم بالإحباط& وبالشلل الفكري؛ او الفرار بجلدهم من الأوطان كما هو حاصل اليوم.
&& ومما يجدر تأكيده ان مراكز البحوث المذكورة قد كثفت جهودها في ثلاث فئات رئيسة من المجتمع وهم (الحكام) و(رجال الدين) و(النخب المثقفة) على تنوعها ؛ وخصوصا تلك التي تبدي إستعدادا وإستجابة تامة لمتطلبات البرنامج. ومن ثم يقوم كل عنصر من هؤلاء بإعداد الكادر الذي سيعمل معه. وهكذا تتوسع المجاميع وتنتشر.
&&& وكان لرجال الدين ؛ افرادا ومراجع عليا ومؤسسات ؛ دور حيوي ومتقدم. وأول ما قاموا به في الجانب الثقافي هو التحكم في عقول البسطاء من الناس وحشوا أدمغتهم بالأساطير والترهات للسيطرة عليهم. وهو ما يفعله عملاء الحركتين (الصفوية) و(الوهابية). اما في الجانب القتالي فهم يسعون الى إنشاء المليشيات والعصابات الإرهابية ومن كل المذاهب والطوائف وألأثنيات. وهو ما نشاهده اليوم في بلداننا من حروب أهلية وجرائم قتل وتخريب وقهر للمواطنين الأبرياء. ومن امثلتها عصابات (داعش) و(القاعدة) و(النصرة) و(جيش القدس) و(عصائب الحق) و(أحزاب الله) و( جند الله) و(جيش المهدي) و(أنصار بيت المقدس)...الخ.
&& اما المثقفون فقد ركزوا على الأفراد والجماعات الذين لديهم قدرات تقنية متخصصة في مجال ألإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي ( مدونات ، فيس بووك ، تويتر؛ شبكات عنكبوتية ؛ هواتف محمولة وغيرها). وفد تركز دورهم في تهيئة أفكار الجماهير لما هو آت من أحداث ومن ثم قدح الزناد بين كتل الجماهير العربية الجائعة والمحبطة لتفجيرها في اللحظة المناسبة. وهو ما حصل فعلا في تونس و مصر وليبيا وسوريا واليمن. وهي عين البرامج المهيأة اليوم لإشاعة الفوضى في (الكويت) و( البحرين) و(السعودية) و(الإمارات العربية المتحدة). وهي القلاع العربية المنيعة المتبقية للأمة تمهيدا للإجهاز عليها. علما بأنهم لم ينسوا أبدا (مصر) التي ما تزال الهدف الأول بإعتبارها (قلب العالم العربي) وعقله ووجدانه.
& ومن الأهمية بمكان ان نذكِّر بحقيقة في غاية الخطورة وهي دور الفضائيات والمحطات التلفازية الكثيرة ؛ دينية وعلمانية وما بينهما. وسبق وذكرت لها مثالا صارخا هو (محطة الجزيرة) التي ترضع السم الزعاف من ضرع دويلة (قطر) لتنقله الى باقي العرب. تلك المحطة التي ترتدي جلباب الإسلام زيفا وتقية وترفع راية (القاعدة) وأمثالها. ويبارك أعمالها الإجرامية شيخ للمسلمين معروف. وقد بزت كل من ذكرهم التأريخ في ميدان الغدر والعمالة والخيانة. وكان طاقمها المشبوه يتفرج على (العراق) وهو يدك من قبل الطائرات والصواريخ الأمريكية التي تنطلق من قواعد (الجزيرة) وفي مناسبتين معروفتين من غير ان تتحرك ضمائرهم فيقدموا ؛ في ألأقل ؛ إستقالاتهم إحتجاجا. ولعل من أكثر السلوكيات شذوذا وبشاعة قيام ذلك الطاقم بجلد ظهور العرب وخصوصا المصريين البائسين& بالسياط. وبملاحقتهم في لقمة عيشهم القفار. بل وبحرمانهم من نعمة الأمن والإستقرار من خلال التفجيرات التي يجري زرعها من قبل عملائهم بين موطنيهم وأهليهم وافراد جيشهم وشرطتهم ؛ وفي الشهر الحرام ؛ تنفيذا للبرنامح (ألأخواني \ الأمريكي \ الصهيوني) المعد سلفا. في الوقت الذي لم ير الجمهور العربي سلوكا مماثلا مع اعداء الأمة الحقيقيين. بل ولم نر سوطا واحدا يمس جلد حاكم (الجزيرة) الجاهلي الذي رمى& شاعرا أعزل في السجن لكلمة صادقة. وسبق لهذه المحطة أن إكتشفت سبيلا قذرا لهدم معنويات النخب العربية المهتزة الشخصية بإغرائهم بالمال وبغير المال لكي يظهروا على شاشاتها تحت عناوين& الكفاح المسلح والممانعة المهزلة. او لإيجاد متنفس لما يعتلج في دواخلهم من عقد نفسية او بسبب الإحباط& والضياع.
&& وعلينا أن لا ننسى أيضا المواقع والصحف الألكترونية التي تجاوزت أعدادها أرقاما ملفتة للنظر. فقد تسابقت جميعها في تنفيذ برنامج (عقيدة الصدمة) بعلمها او فی غفلة منها. وإذا ما إستثنينا عددا متواضعا من المواقع والصحافة الشريفة التي إلتزمت بالموضوعية وبالقيم الوطنية العليا وبالإنصاف ؛ فإن البقية الساحقة قد إحتضنت وشجعت ووجهت كتابها نحو المواضيع ألأخبارية والإنشائية الفارغة. ومن النادر ان تقرأ فيها دراسة او تحليلا علميا مقرونا بأفكار او حلول عملية لقضايانا المصيرية التي تتعلق بوجودنا وبمستقبل أوطاننا كمواضيع ( ألإرهاب ؛ الفساد ؛ تفكيك الأوطان ؛ التعاون والوحدة العربية ؛ معضلة فلسطين ؛ القواعد والأحلاف الأجنبية ؛ الديمقراطية ؛ الفدرالية ؛ الطائفية والمذهبية ؛ التنمية ؛ المياه والأنهار وألأهوار ؛ التصحر ؛ التغير المناخي ؛ الزواج الشاذ ....ألخ) ؛ على أن تكون المقالة او الدراسة مشفوعة بخطط وبرامج عملية مفصلة للتغيير والإصلاح والتنفيذ. ومن يريد التأكد من ذلك بنفسه فما عليه سوى المرور على ما تنشره تلك الصحافة من مقالات وتعليقات وأخبارلاحصر لها يوميا. لكن أكثر ما يلفت النظر هو إلتجاء واصطفاف اؤلئك الكتاب الذين يصطبغون بصبغات مذهبية او طائفية او حزبية ضيقة من هذه الفئة او تلك للنشر في المواقع المذكورة وبتشجيع منها.& بينما تمتنع عن نشر مقالات جادة وملتزمة لكتاب من خارج (الشلة). علما بأنك تقرا في إعلاناتها كونها صحيفة (الناس) او اللبراليين) او (العلمانيين). فمثل تلك المنابر يصح وصفها بـ (النوادي) او (الديوانيات) او (مجالس القبول).
&& وكان من أخطر تأثيرات (عقيدة الصدمة) في الشعوب العربية ما نشاهده اليوم من هذه السلبية الطاغية التي طبعت سلوك الناس في كثير من مجالات الحياة. ومن أمثلتها الصارخة محاولة نسيان القضية الفلسطينية التي ضاعفت من معاناة المواطنين بما لا يطاق. علما بأنها كانت وما تزال قضيتنا المركزية التي تستقر في وجدان كل عربي شريف. فهذه (غزة) البطلة الصامدة الصابرة وهي تضرب اليوم بالحديد والنار من قبل الكيان الصهيوني بينما نرى الحكام العرب وأذنابهم يتفرجون وأفواههم فاغرة كالبلهاء.
&&& ومن أغرب ما لاحظناه من إفرزات شاذة بعيد إحتلال العراق إندفاع عدد كبير من الكتاب العراقيين للنأي بأنفسهم عن شعارات كانت راسخة في الوجدان العراقي مثل حب الوطن والتغني بأمجاد ألأمة وبتأريخ العراق الضارب في القدم . بل ان بعضهم لم يتورع عن شتم قوميته وتأريخه على صفحات الصحف ؛ وليؤكد بان تأريخ العراق الحقيقي يبدأ من 2003 !؟. فأصبحت (السلطة) ؛ وهي من نتاج تلك (العقيدة) ؛ تروج لثقافة (الفدرالية) و(ألأقاليم) ؛ بل وحتى (إنفصال المحافظات) على وفق دستور (بريمر). وهي مفاهيم بعيدة كل البعد عن فكرنا وعقيدتنا وتأريخنا. ولا تنطبق على أوضاع العراق ؛ لا من الناحية التأريخية ولا الدستورية ولا الجغرافية ولا السكانية. فالعراق ومنذ العهود السومرية والبابلية وألآشورية والإسلامية كان وسيظل امبراطورية موحدة ؛ ارضا وشعبا ونظاما ؛ رغم إختلاف اثنياته وتعدد لغاته وتلون ثقافاته. فلم تكن أية مقاطعة من مقاطعاته منفصلة عنه ككيان مستقل خلال تأريخه المنظور ومن ثم جرى إلحاقها به عنوة ؛ وبالتالي يريد أصحابها الإنفصال والعودة الى الأصل. فمثل تلك الحال لم تكن موجودة في العراق في الماضي. بل يمكن الجزم بأن كلا من (بلاد فارس) و(آسيا الوسطى) و(ألأناضول) و(القسطنطينية) ...الخ ؛ كانت قد الحتقت بتلك الإمبراطورية (العراقية) ومن ثم إنفصلت عنها لظروف تأريخية وموضوعية معروفة.
&& ومن أعراض (عقيدة الصدمة) ايضا عزوف الكثير من الناس عن المشاركة في النشاطات الوطنية والقومية ؛ منفردين او ضمن جماعات او هيئات ؛ كالمشاركة& الواسعة بالمظاهرات او التجمعات الجماهيرية او جمع التواقيع لمساندة قضية وطنية مصيرية معينة. في حين نرى الأجانب هم الذين ينظمون ويتصدرون مثل تلك النشاطات نيابة عنا !. وتعود أسباب ذلك الى (عقدة الخوف) من المجهول او لحماية النفس من المساءلة او الحفاظ على الأسرة من الضياع. وبسبب اليأس من إنعدام فرص وجود اي حل لمعضلاتنا المزمنة. فصار العربي والعراقي بخاصة يخشى حتى من رؤية ظله ؛ مع شديد ألأسف.

&& وبعد هذه التوطئة الشاملة نتساءل: هل ثمة إمكانية او فرصة أخيرة لأن (نكون) أمة قوية ومؤثرة في عالم اليوم ؟. هذا العالم الذي يكاد يجمع الناس على كونه فاسدا وظالما وأنانيا وفوضويا ؛ وأحيانا متوحشا.
&& وللإجابة عن هذا التساؤل نقول: نعم وبالتأكيد. ولكن بشروط هي في غاية اليسر لو توفر منها شرط أوحد وهو تحقق (الإرادة في التغيير). اما الشروط ألأخرى فجميعها متوفرة. ففي بلداننا قوى بشرية وموارد مالية وثروات طبيعية ومواقع إستراتيجية وأخيرا تأريخ طويل ومشرف. فمتى ما مسكنا بعقدة (ألإرادة) وباشرنا بحلها فسوف تنفرط جميع العقد الأخرى ولبطل سحر شياطين (عقيدة الصدمة) ووسطائهم.
&& وفحوى هذه الخطوة الفارقة التي سبق لي وذكرتها يتلخص في قيام أربعة من أقطار الخليج العربي هي (السعودية) و(الإمارات) و(البحرين) و(الكويت) بالتحول السلمي الثابت من النظام الأسري الهش الذي سينفذ منه ألأعداء المتربصين بها لا محالة وفي أية لحظة ؛ الى مَلكيات مدنية دستورية برلمانية وديمقراطية. يحرسها جيش قوي وأجهزة أمنية مقتدرة كما ورد في مقالتي المنشورة (1 ، 2). وتعد ألأقطار ألأربعة بمثابة زوارق النجاة للأمة العربية لما تتمتع به من ثروة نفطية هائلة وقدرات مالية عالية واسواق نموذجية لتصريف البضائع ومواقع إستراتيجية لا مثيل لها. أما دويلة (قطر) فسيترك مصيرها الى القضاء الجماهيري العادل لتقريره.
&&& وحينها سنرى كيف ستتغير صورة العرب في نظر الغرب فجأة. حيث لم يعد هناك مجال للأعداء ليتنكروا لحقوقنا او يفرطوا بمصالحنا او ينهبوا ثرواتنا او يمتهنوا كرامتنا. وعليهم أن يحسبوا الف حساب قبل أن يفعلوا ذلك. وبعد ان يتم تحقيق تلك الخطوة التأريخية الجبارة ستجد (ألأنظمة الجديدة) والجماهير العربية ان أمامها واجبات خطيرة عليها القيام بها نلخصها بنقاط :

(1)& ان تنظر الشعوب العربية الى نفسها كونها جزأ من شعوب العالم وليست خصما لها. وأن الحضارة العربية عنصر فعال ومؤثر في الحضارة العالمية المعاصرة.

(2) يتحتم على العرب الإلتزام& بالطرق والوسائل السلمية وإستخدام (القوة الناعمة الصلبة) المصحوبة بالذكاء وبالدهاء واتخاذها منهجا واسلوبا للعمل (كخيار اول) لتحقيق أهداف ألأمة والدفاع عن مصالحها الحيوية. اما اولئك الذين إتخذوا من القتل والتصفيات سبيلا لمحاربتنا فسوف يكون للعرب معهم خيار حاسم آخر.

&(3) ان تبني سياساتنا في المستقبل على مبد (الشك) إلإيجابي في نية الآخر والحذر منه من غير أن نفصح عن ذلك. بل ونظهر العكس. وهذا السلوك هو في الأصل قانون طبيعي تتبعه جميع الدول القوية للحفاظ على شعوبها وأنظمتها وكياناتها. كما يجب ان تبنى سياستنا العليا على قانون طبيعي أخر مفاده ان نباغت العدو الغادر ونخترق& صفوفه ودفاعاته وبشتى الوسائل الممكنة من ألأجزاء الرخوة وبوسائل ناعمة وطويلة النفس.

(4) أن يكون النظام العربي الجديد إنموذجا للدول العربية جميعا ؛ على ان يؤسس على أربعة أعمدة متينة هي السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التتفيذية والجيش. وتكون مكانة (الملك) في المركز من النظام. وليصبح القانون هو المرجع ألأول والقوة الحاسمة في الدولة بعد الشعب. ويجب فوق كل ذلك أن ينبثق من بين أعضاء السلطات المذكورة مجلس (للأمن القومي) على ان يضم عددا من كبار رجالات البلد من الصناعيين والتجار والمفكريين والعسكريين الإستراتيجيين. وهو الذي يختص بالقضايا الإستراتيجية الكبرى.

(5) ينبغي ان تدار الدولة من قبل افضل الملاكات الوطنية المتخصصة ومن المشهود لهم بطهارة الذيل والإستقامة.

(6) على النظام الجديد ان يؤكد على مفاهيم وطنية وقومية ذات اولوية قصوى. وهي& ان السيادة والإستقلال الوطني من الخطوط الحمر ومن مقدسات الأمة. وهي لا تقل عن نظرة ألآخرين لسيادتهم وإستقلالهم. كما ان على الدولة الجديدة ان تتعلم من تجارب ألغرب بأن السياسة الخارجية والعلاقات مع الدول ألأخرى إنما تدورعلى محور (التجارة وألإقتصاد والمصالح المتكافئة) وليس على البروتوكول او المشاعر او العلاقات العابرة.

(7) ان تنتظم الشعوب العربية في أحزاب حقيقية وغير دينية وترتبط بأنماط العمل وبعجلة الإنتاج. وكذلك الإنخراط في تنظيمات واسعة ومتنوعة للنشاط السياسي بحيث تتخذ من إسلوب الحشود الجماهيرية المكثفة والطويلة النفس منهجا وأسلوبا متواصلا للعمل الوطني العام. فمثل هذا الأسلوب لو أحسن إستخدامه لتفوق في تأثيره على الأسلحة التقليدية وفي حالات كثيرة.

(8) التوسع في إنشاء هيئات المجتمع المدني من شخصيات وطنية معروفة داخل الأقطار العربية وخارجها. مع التأكيد على نشاطاتها الثقافية والإنسانية في الأقطار الأجنبية والغربية بخاصة.

(9) إستحداث مختبرات ومراكز أبحاث إسترتيجية \ أمنية متقدمة لها مهمات خاصة ؛ دفاعية وهجومية. وتتخذ من أحدث التقنيات العلمية عقيدة ووسائل وأساليب للعمل والتنفيذ (عقيدة الصدمة المضادة).

(10) إنشاء مراكز أبحاث علمية متقدمة تتناول دراسة النظم والعقائد والآيديولوجيات وألأحوال الإجتماعية والثقافية والسياسية والعادات والتقاليد في الدول ألأخرى. وإستخدام النتائج والمعطيات للحفاظ على أمننا القومي اولا والعمل على تقويض النظم المعادية لنا ثانيا.

(11) ان تبدأ الدولة الجديدة في وضع خطة متقدمة وبلا سقف زمني لتصفية البنية الفكرية للحركات الدينية المتطرفة ولجميع المذاهب. بدأ بتقليص المواقع والفضائيات التي تتاجر بالدين وتثير الفتن الطائفية بين الناس وتزج السياسة في الدين. ومطالبة دول الغرب بمنع قادة الحركات الدينية المتطرفة والإرهابية من مزاولة أي نشاط ديني متطرف على اراضيها. اما الفتاوى فيجب حصرها بالمؤسسات الدينية الرسمية التي يجب ان تكون مراكز للبحث العلمي المنهجي في العقائد المختلفة. اما (الدعاة) فينبغي حصر واجباتهم في شرح العبادات وإمامة المصلين او زجهم في مشاريع محو الأمية والعمل المدني العام.

&وكمطلب فوري ينبغي القضاء التام على الجماعات والعصابات الإرهابية ومتابعة نشاطهم في كل مكان بدأ& بألأسرة والمدرسة وهي (يرقات). والإسراع بوضع برامج ثقافية متنوعة لجميع الفئات والطبقات تشرح للناس خطورة ألإرهاب ومراجعه ومصادره الدينية& وكشف الدول التي ترعاه وتموله وكشف الدور التخريبي للفتاوى المشبوهة والأساطير والخزعبلات التي تروج بإسم الدين من جهات دولية وشرق اوسطية معروفة درجت على الترويج للحرب الطائفية و(لعقيدة الصدمة) ؛ والسعي لنقل الخطط والبرامج الشريرة الى داخل بلدانها.
&&& ختاما بودي ان اؤكد على ان ما ذكرته اعلاه لايمثل سوى الخطوط العريضة لمشروع& إصلاحي عملي واسع النطاق وله حظ كبير من النجاح لحل معضلات الحكم المزمنة. وهو ليس بدعا. فقد طبقته وما تزال تطبقه كافة الدول على إختلاف إثنياتها وعقائدها وتقاليدها. ويعتمد في تطبيقة في الأساس على الجماهير ومنظمات المجتمع المدني من غير ان يكلفها الكثير من الجهد والمال وبالتوازي مع جهود الحكومات.
&& ولعلي اذكر مثالا بسيطا حول آلية محاربة الطائفية ؛ وهي في الأساس حركة سياسية صرف ؛ ومحاربة الدول التي تقف وراءها بشراسة. وهنا ينبغي اولا ان تقوم الدولة بربط الملايين من العاطلين بعجلة الإنتاج ربطا محكما.& ثم توزع المهام وألأدوار ألأخرى على المنظمات والنقابات والإتحادات النوعية ووسائل الإعلام وعلى الأشخاص من ذوي الإختصاص كالمفكرين والعلماء ورجال التربية والمؤرخين والكتاب والشعراء والفنانين ( ممثلين ورسامي كاريكتير) وألإعلاميين وغيرهم كلا بحسب إختصاصه. وعلى الجميع القيام بما يوكل اليهم لتنفيذ الخطة المقررة التي ليس لها سقف زمني محدد. وسوف يرى الناس ان ذلك النشاط الفاسد قد بدأت عوراته وسوآته تتكشف للعالم من خلال الإطلاع والتفرج على أكاذيبه وأساطيره وخزعبلاته وتهافت نشاطاته الإجتماعية. وفي الوقت عينه سيتعلم الناس أشياء جديدة ومفيدة سواء في الأعمال الجادة او في النشاطات الترفيهية. وسوف تستبدل ثقافتهم البالية بثقافة التنوير. كما ان ربط الجماهير بعملية الإنتاج سوف لم يتح لهم الوقت الكافي للإنشغال بالترهات. وهو ما فعله الغرب منذ إنطلاقته الصناعية الحديثة وحتى اليوم.
&&& وكمثال آخر مهم جدا وهو العمل المكثف على إقتحام المعضلة الفلسطينية وفق القرارات الدولية والمعايير الإنسانية وبجميع الوسائل السلمية المتاحة وبالإعتماد ؛ وكخطوة أولى ؛ على المنظمات والنقابات والجمعيات وألأشخاص المتخصصين الذين يعملون على المستوى المحلي والدولي. ومن اوائل الخطوات إحياء نظام المقاطعة للبضائع التي تنتجها المؤسسات المعادية لمصالحنا وأينما كانت وإستبدالها بمؤسسات صديقة. وإنشاء محكمة مدنية من افضل القضاة في العالم لمحاكمة العملاء والخونة. وتنظيم المعارض الفنية النوعية المختلفة ونشر الكتب وبمختلف اللغات وإنشاء مواقع للتواصل الإجتماعي يضم أحدها ( سجلا أسود) لمن ذكرتهم من ألأعداء الأجانب والمحليين وإقامة الندوات وصناعة الأفلام الطويلة& والوثائقية والتماثيل والنصب التذكارية وتنظيم المظاهرات والمسيرات والإعتصامات الحاشدة.
وكأنموذج فريد ومؤثر يجب ان تنظم حشود مكثفة على طول الحدود مع الضفة الغربية في المناسبات الكبرى حيث تدعى لها وسائل الإعلام الدولية مصحوبة بعروض تمثيلية ومعارض لصور ضحايا غزة ولغيرها. ومنع جميع من أضر بمصالح العرب من الدخول الى الأقطار العربية ومحاصرتهم بحشود من الجماهير وملاحقتهم أينما ذهبوا.
كل هذه النشاطات سوف لن تكلف الناس جهودا إستثنائية. لكن نتائجها على المدى الطويل حاسمة ومؤكدة.
& هذا ما عن لي على عجالة بإعتباري أحد أؤلئك الذين عانوا وما يزالون يعانون من نتائج (عقيدة الصدمة) وعلى نحو غير مباشر. اقول هذا ومنبها حكام الخليج الوطنيين الشرفاء مرة ثانية وثالثة ؛ أولئك الذين عنيتهم بكلمتي هذه بأن عليهم أن يفوتوا الفرصة الأخيرة على أعدائنا ولينقذوا أمتنا وأنظمتهم من هلاك محقق. .

* أكاديمي من العراق

[email protected]


&&&&&& 1.& http://www.albilad.net/articles2%20%20%20%207-7.htm
&&&&&& 2.& http://www.elaph.com/Web/opinion/2014/7/920886.html
&&&&&& 3.& http://www.infoshop.org/amp/NaomiKlein-TheShockDoctrine.pdf
&&&&&& 4.& https://libcom.org/files/No%20Logo%20-%20Klein,%20Naomi.pdf

&