&
ليس هذا مقالي الأول عن مأساة مسيحيي العراق، ومعهم محن الصابئة المندائيين. و الأيزيديين والشبك...
مسيحيو العراق، بمختلف مذاهبهم، وكذلك الصابئة المندائيون، هم أهل العراق القدامي، وقبل الفتح الإسلامي. وقد قدموا إسهامات كبرى في الحضارات العراقية القديمة وفي تاريخ العراق الحديث. ولكن هذه الأطياف& الهامة وسائر الأقليات الدينية تعرضت لأشكال من الملاحقات والاضطهاد والتهجير منذ سقوط النظام البعثي. تم ذلك على أيدي المليشيات الشيعية، ثم، من بعدهم ومعهم، قاعدة الزرقاوي، التي سخرها النظامان الإيراني والسوري لتدمير العراق ولقطع الرقاب. وشهدت بغداد والبصرة والموصل ومدن أخرى، وعلى مدى سنوات وسنوات، وخلال عهدي المالكي بالذات، إقصاء المسيحيين من بيوتهم ونهب ممتلكاتهم وحرق الكنائس بالجملة والمفرد والاعتداء على نسائهم وفرض الحجاب عليهن، وإجبارهم على الهجرة الداخلية أو للخارج. وعاني الصابئة المندائيون بدورهم ألوانا من العذاب الصامت. ولكن لماذا كل هذه الجرائم والعقوبات الوحشية؟ هل لأن المسيحيين والمعذَبين الآخرين من غيرالمسلمين هم من حكموا العراق بعد سقوط صدام، وهم من نهبوا ثروات العراق، وهم من فجروا ومارسوا الحرب الطائفية، وهم من ربطوا البلاد بالعجلة الإيرانية، وهم من& تركوا الملايين تحت ومع خط الفقر، ومعهم ملايين الأرامل والأيتام في مدن وقرى الوسط والجنوب والمناطق الغربية؟؟!!!!
كان عنوان مقال لي في 8 أغسطس 20004 هو التالي " عار اضطهاد المسيحيين في العراق"، وكان ذلك على اثر حرق عدد من كنائسهم في الموصل وبغداد.. وأدان المقال مليشيا بدر وغيرها من المليشيات الشيعية وحملها -عن حق- مسؤولية خاصة عن الجرائم التي اقترفت بحق المسيحيين والصابئة المندائيين. وإذا كان الكاتب عدنان حسين يخاطب الإسلاميين العراقيين ومليشياتهم بأنهم داعشيون وإن لم يعترفوا، فإنه على حق وليس مشتطا. فالإسلاميون الخمينيون والإخوان المسلمون و"الجهاديون" المجرمون من امثال داعش، يلتقون في كره غير المسلمين واعتبارهم كغارا. وأفضل فقهائهم يصفهم ب" الكفار الذميين" الذين لا يستحب البدء بالسلام عليهم ولا يحق لهم الدخول لمرقد إسلامي لكيلا يدنسوه. وعند جميع هؤلاء فإن المسلم الذي يبدل دينه يعتبر مرتدا ويستحق اقسى العقوبات. وهذا ما يحدث في إيران وباكستان والسودان ودول إسلامية أخرى.
إن المحنة الجديدة والكبرى لمسيحيي الموصل على الأيدي الداعشية السافلة، التي تتصرف كوحوش كاسرة مهووسة بالقتل والدمار والنهب، تمر أمام أنظار العالم وسط صمت شبه تام. لا نتحدث فقط عن الدول الإسلامية والعربية ومراجعها الدينية وصمتها- إلا& النادر النادر- وإنما أيضا عن المجتمع الدولي برغم إدانة الأمين العام للأمم المتحدة. ولكن هل تكفي الإدانة. وإزاء الصمت الغربي نفسه، تحركت جاليات مسيحية عراقية في عدد من الدول الغربية ومعها مؤسسات كنسية غربية وشخصيات عامة، منها مسلمون كالوزيرة الفرنسية السابقة رشيدة داتي، لانتقاد الحكومات الغربية& على الصمت عن عذاب مسيحيي العراق، هذا العذاب " المسكوت عنه"، كما تصف مجلة " فالير أكتويل" الفرنسية. وكان رد فرنسا إعلانها عن الترحيب باستقبال المسيحيين العراقيين، وهو ما عارضته وأدانته الكنيسة الأرثوذوكسية اللبنانية معتبرة العرض "مؤامرة" غربية ولخدمة إسرائيلّ!! وكان& لابد من شوية بهارات عن غزة وفلسطين لتمرير حكاية المؤامرة هذه بينما أنظار مروجيها متجهة إلى شبح حزب الله وسيوفه المسلطة على الرقاب. وكان الأحرى هو الترحيب بالموقف الفرنسي مع التأكيد الخاص على أن مكان المسيحيين العراقيين ومسيحيي الشرق عامة هو البقاء في أوطانهم، مع دراسة كل حالة على حدة. وأسقف مدينة ليون الفرنسية، الذي زار كردستان العراق والتقي بممثلي المسيحيين المهجرين، يرى أن فرنسا عاجزة عن استقبال الآلاف المؤلفة من مسيحيي الموصل. وهذا& لا يستثني ولا يجب أن يستثني دراسة كل حالة على حدة وفرز وقبول الحالات الأكثر إلحاحا ومأساوية[ سنتعرض لهذه النقطة في المقال التالي]....
نعم، الإسلاميون جميعهم داعشيون، ولاسيما في الموقف من الأقليات الدينية ومن المرأة. وأمامنا جرائم داعش في العراق وسوريا، وهي جرائم لم يقترف مثلها حتى البرابرة القدامى[ قدم لنا نظام بشار الأسد النموذج الدموي الأكثر بشاعة]؛ فهم مهووسون بالقتل والسلب . ولكن هذا أيضا ما تفعله مليشيات المالكي التي قتلت لحد اليوم أكثر من 350 سجينا ومعتقلا قتلوا على الهوية... ومنذ أيام قليلة خطفت عصابات بدر التي يتزعمها هادي العامري وزير المالكي& [هو من يقبل يد خامني عند زيارة طهران] عددا من الشباب السني في منطقة بعقوبة وقتلتهم بشراسة وعلقت الجثث على أعمدة الكهرباء. والداعشية الشيعية الخمينية في العراق هي التي أبرزت لنا وحوشا بينهم مسؤولون كانوا بمارسون التعذيب على الهوية الطائفية حتى الموت بالمثقب الكهربائي المعروف ب" الدربل".. وثمة وزير سابق وصفه العراقيون أيام الحرب الطائفية بالوزير الدربل ! ولا يتميز الإخوان المسلمون هنا عن داعش والمليشيات الخمينية، ولذا أصابت وزارة الوقف المصري حين تحدثت عن الروابط بين داعش والإخوان، وهي روابط عقائدية وروابط ممارسات.
لقد وجه المالكي داء& للعالم طالبا المساهمة في حماية مسيحيي العراق، مع أنها أولا- وقبل كل أحد- مسؤولية الدولة العراقية نغسها، مع مساهمة الجتمع الدولي. فأصل البلاء عندنا والعلاج يجب أن يبدأ في العراق أولا وبمساعدة دولية. وبالارتباط مع هذا النداء، كتب عدنان حيبن مقاله آنف الذكر، وفيه:
"ولماذا انتم مستفزون ومستنفرون، مثلنا،& ضد[ داعش]& في ما يخص تهجير المسيحيين& وتهديدهم في الموصل؟ كيف، ومن أين نزلت شآبيب الرحمات على نفوسكم لتنوحوا& على هؤلاء الذين لا تعترفون في فرارة أنفسكم بهم وبدينهم، وفي أحسن الأحوال تعدونهم مواطنين من الدرجة الثالثة؟
نعم،إ نني أعنيكم جميعا يا جماعات الإسلام السياسي، شيعتكم وسنتكم.. أحزابا ومليشيات .. أنتم لا تختلفون عن [داعش] في شيء.. .انه يمثلكم في الواقع..هو صورتكم من دون مكياج او رتوش، وهو صورتكم الفاقعة... قبل أن يأتي [داعش] الى الموصل بسنوات كنتم السباقين إلى تهجير المسيحيين& وقتلهم بدم بارد .. فعلتم ذلك في بغداد والبصرة والموصل والحلة والناصرية والعمارة وتكريت وكركوك.. فجرتم بيوتهم وكنائسهم ومدارسهم..& هجرتموهم واستحوذتم على مساكنهم وممتلكاتهم....لم توفروا مدينة في البلاد لكي يحيا فيها بسلم المسيحيون، سكان البلاد الذين عاشوا فيها قبل أن يأتي إليها أجدادكم بقرون فاتحين....."
&