يتفق كثير من الخبراء والمحللين على أن ما يعيشه اليمن من اضطرابات، انطلقت بالمطالبة بإسقاط الرئيس السابق علي عبد الله صالح، ماهو إلا جزء من مخطط خارجي سمي لدى دوائر صنع قرار أمريكية "الفوضى الخلاقة" ليتم التراجع لاحقا عن هذه التسمية واستبدالها بـ"الربيع العربي". ويرى أصحاب هذا الرأي أن هذه "الفوضى" تشمل فقط البلدان غير المحكومة بأنظمة ملكية وذلك نزولا عند رغبة قوة إقليمية وصل بها الأمر إلى حد المطالبة بضم المغرب والأردن إلى مجلس التعاون الخليجي لتحصينهما من هذا المخطط، ويستدل أصحاب هذا الطرح بحالة الإستقرار التي يعيشها كل من الأردن والمغرب رغم وقوعهما في منطقتين ملتهبتين (بلاد الشام والمغرب الكبير) نخرهما الإرهاب ومحاولات إضعاف السلطة المركزية وتدمير الدولة من قبل أطراف داخلية مرتبطة بأجندات خارجية.
فإضافة إلى الحراك الجنوبي المطالب بفصل عدن عن صنعاء (أي إعادة إحياء دولة اليمن الجنوبي)، وإضافة إلى ما يحدثه تنظيم أنصار الشريعة، فرع القاعدة في اليمن، من اضطرابات في& حضرموت الجنوبية وهو الذي يقاتل القوات النظامية كما هو الحال في جل "بلدان الفوضى الخلاقة"، برز الحوثيون مجددا على سطح الأحداث. حيث خرج هؤلاء في اعتصامات سلمية للمطالبة بإسقاط الحكومة والرئيس عبد ربه منصور هادي تلبية لدعوات زعيم "جماعة أنصار الله" عبد الملك الحوثي، وهو ما سيزبد الأوضاع في اليمن تعقيدا بحسب جل الخبراء.
ويعرف الحوثيون بأنهم أنصار إيران في بلد بلقيس الذين حولوا بلادهم إلى جانب أطراف موالية لبلدان خليجية، موالية بدورها إلى من هم وراء المحيط، إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية على غرار اللبنانيين والعراقيين. حتى أن البعض ذهب إلى اعتبار أن الساحات الجديدة للصراعات الإقليمية والدولية، ومنها اليمن، والتي برزت في مختلف أرجاء "الشرق الأوسط الكبير" بحسب الإصطلاح الأمريكي، بعد "الربيع العربي"، ستخفف خلال السنوات القادمة العبء عن بلد الأرز الذي تحمل منفردا ولعقود هذه الصراعات التي أوصلته في وقت ما إلى حرب أهلية مدمرة أتت على الأخضر واليابس.
ولا يمثل الحراك الحوثي في الوقت الراهن أي خطر على أمن البلاد واستقرارها مادام سلميا، لكن ما يخشاه عديد المراقبين هو تحوله إلى صراع مسلح إذا رغبت في ذلك قوة إقليمية تورطت سابقا في إمداد متمردي صعدة من الحوثيين بالسلاح والعتاد. كما يمكن أن يتطور هذا الحراك إلى حرب أهلية في حال أقدم الفريق الحاكم في اليمن على فض هذه الإعتصامات بالقوة وتسبب في إسالة دماء اليمنيين، حينها قد تتفجر حرب طائفية لا تبقي ولا تذر بحسب أغلب الخبراء والمحللين.
فلا يخفى أن الرئيس عبد ربه منصور هادي مدعوم من بلدان خليجية أصرت في وقت سابق على إيجاد صيغة للتفاهم بين نظام علي عبد الله صالح ومعارضيه يتقاسمون من خلالها "كعكة الحكم" بعد ذلك الحراك الذي هدف لإسقاط نظام صالح برمته، فهادي هو امتداد للنظام السابق و يحتفظ بعلاقات جيدة مع الرياض. في المقابل فإن الحوثيين يوصفون بأنهم ذراع طهران في بلد الملكة بلقيس وورقة من الورقات التي تفاوض بها جيرانها الخليجيين وحتى الغرب الذي يدرك أهمية اليمن الإستراتيجية باعتبار إطلالته على البحر الأحمر وخليج عدن ومضيق باب المندب التي تشرف جميعها على الطريق التجارية البحرية الدولية التي تبدأ من المحيط الأطلسي وتنتهي في جنوب شرق آسيا مرورا بمضيق جبل طارق ومضيق صقلية وقناة السويس.
فهل تقف إيران وراء هذا الحراك الحوثي لاستعماله ورقة ضغط في ملفها النووي؟ أو في ملفات أخرى تبدو إيران معنية بها على غرار أزمتي سوريا والعراق وغيرها؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون سوى حراكا شعبيا سلميا من أجل مطالب مشروعة، خاصة وأن هادي والفريق الحكومي العامل معه - الذي يتشكل من بقايا النظام القديم ومعارضة نظام صالح - لم يحققوا ما وعدوا به الشعب اليمني من إصلاحات وتنمية، وبقيت الأوضاع في هذا البلد كما في باقي بلدان ما يسمى "الربيع العربي" على حالها، بل لعلها ازدادت سوء في بعض هذه الأقطار.
إن تحركات عبد ربه منصور هادي في رده على الحراك الحوثي، ترجح فرضية الصدام، فالرئيس اليمني استشعر الخطر وبدأ بعد بإثارة النعرات القبلية واستنجد برؤساء القبائل الكبرى في صنعاء ليكونوا سندا له في مواجهة الحوثيين الذين اتهموا في وقت سابق بأنهم يرغبون في السيطرة على أراض شاسعة شمال البلاد استعدادا لمشروع الفدرالية التي ستكون طريقهم للإنفصال التدريجي عن اليمن. ويؤكد جل الخبراء والمحللين على أنه إذا اندلعت مجرد مناوشات بسيطة بين قبائل صنعاء والحوثيين فإن الأمر سيتطور إلى حرب أهلية حقيقية قد تمتد لسنوات في ظل الهشاشة التي تعيشها الدولة في اليمن السعيد، وبسبب الطبيعة الطائفية لهذه الحرب وأيضا بسبب سيطرة عقلية الثأر لدى اليمنيين والتي ستجعل البلاد تدخل في دوامة من العنف والعنف الضاد.
وبحسب هؤلاء فإن كلا الطرفين (الفريق الحاكم والحوثيين) مخطئيْن، إذ كان على الحوثيين طرح مطالبهم على الحوار الوطني و الإصرار على تحقيقها داخله لأن الشارع لا يحتمل المزيد من الإحتقان. كما كان حريا بالرئيس تجنب الإستنجاد بالقبائل حتى لا يتوسع الصراع و يتخذ صبغة طائفية قد تؤدي بالبلاد إلى ما لا يحمد عقباه.
&