لا مستقبل لداعش لا في الموصل وتكريت والغربية، ولا في الرقة السورية، ولن تجد طريقها إلى بغداد، سيطردها أبناء هذه المناطق،وستدحر في كل مكان فمشروعها ظلامي متخلف مناقض لكل منجز العصر ومنطقه وقوانينه! وما فعلته بالمسيحيين والإيزيديين، وممارساتها الوحشية الأخرى، يؤكد أنها تسير في طريق الفناء، وستفني نفسها في النهاية،وهي بانحطاطها الأخلاقي والفكري لا تمتلك أية قضية عامة، كأية عصابة متخصصة بالقتل والسطو والسرقات!
لكن داعش باسم الشيعة ستبقى ما بقي نظام الملالي جاثما على صدور الإيرانيين، ويسمم أجواء المنطقة متوسعا إلى مناطق خارج إيران، وما بقيت المرجعية الطائفية تغذيها وتمنحها الشرعية، وتجعل منها حارسة المقدسات، وأجهزة السلطة الأمنية والقمعية لا تتصدى لها فهي قد جاءت منها وآلت إليها، وأكثرية الناس حولها غافلون عن حقيقتها!
أمريكا والهيئات الدولية لا تريد أن تقر أن طغيان الدواعش الإيرانية هي أحد الأسباب الرئيسية في ظهور داعش. فعندما تتمدد إيران مكونة سيفا طويلا يبدأ من الحوثيين حتى شواطئ لبنان، وتحمي بشار وبراميله المتساقطة فوق بيوت الناس، وتفجر قبة ضريحي إمامي الشيعة في سامراء وتلقيها على رؤوس السنة وتشعل حربا أهلية، عندما تطلق مظاهرة في الأعظمية تلعن عائشة وأبا بكر، وتتوعد ضريح أبي حنيفة،ماذا يعني ذلك؟ إنه ببساطة حفر في العصب الحي لاستثارة السنة وخلق التربة الخصبة عند كثير منهم لاحتضان القاعدة، وداعش، وهكذا داعش تنجب داعش!
منذ 11 سبتمبر 2003 حيث وجدت الإدارة الأمريكية أن كل من شارك في هجوم القاعدة على أمريكا هم من السنة ولا يوجد شيعي بينهم؛ قر في ذهنها أن الإرهاب أو العنف والقسوة تراث سني، بل ساد انطباع غير مصرح به دائما، لكنه كامن في الأذهان يتحكم بكثير من القرارات الخطيرة يقضي بأن السنة حواضن طبيعيين للقاعدة والإرهاب!
ذلك المفهوم صار غطاء لإيران لكي تتمدد على راحتها، فهي بمأمن عن تهمة الإرهاب، وقد بلغت في توسعها في السنوات أخيرة شأوا بعيد، صار فيه حتى المعتدلون من السنة يتحدثون عن الغزو الصفوي، وموجات التشيع التي وصلت إلى السودان والمغرب العربي، ذلك حفز الكثير من الشباب السنة لأن ينخرطوا في التنظيمات المتطرفة، وفي القاعدة،ثم داعش، وأحد أهم أهدافهم هو إيقاف ما أسموه بالمد الصفوي!
وصم السنة بالإرهاب حكم خاطئ وجائر، الواقع يشير أنه لا يوجد شعب أو طائفة مذنبة تماما، وأخرى بريئة تماما، فهذا ليس مفيدا للطائفة المبرأة،إذا من سيقتنع بشكواها إذا شكت أن إرهابيين في داخلها يضطهدونها أو يظلمونها؟ ومع ذلك ثمة أمل أن نسبة الأخيار والطيبين لدى الشيعة والسنة هي الغالبة، وإن كان من السهل التأثير على الناس البسطاء باللعب على وتر المقدس، أو بقضايا تخص وجودهم ومصالحهم!
وبذلك تتوارى الأحكام العمومية الفضفاضة المهلهلة،وتستدعى أحكام التخصيص الدقيقة والصائبة!
ثمة باحثون يقولون ان الكاتب الأمريكي اللبناني الأصل فؤاد عجمي كان بين الكتاب النشيطين الذين ساهموا بصياغة ذهنية الإدارة الأمريكية وهي تخطط لشن الحرب على العراق مستعملا مقولات عامة عن الشيعة، ومقولات عامة عن السنة لا يعرف من أين استقاها وأية أدوات سبر للواقع قد استعملها!
ففي رأيه أن الشيعة عموما يحبون أمريكا، بينما قادتهم؛ الخميني وآخرون يكرهون أمريكا! وإن السنة عموما يكرهون أمريكا، بينما حكوماتهم في السعودية والأردن ومصر ودول الخليج وغيرهم يحبونها!
وإن سايكولجية الشيعي حسب رأيه مسالمة وديعة بطبعها،فهي مازوشية توجه عدوانيتها ضد نفسها، تبكي وتلطم وتجرح نفسها، وتنتحر بسكينها،أي هي الضحية دائما، بينما سايكولجية السني شرسة قاسية متمردة تأبى الانقياد والخضوع، فهي سادية توجه عدوانيتها ضد غيرها؛ أي هي الجلاد دائما!
كما تحدث خبراء أمريكان عن أن المزاج السني محكوم بمذاهب متشددة تبدأ من الآيات القرآنية الصارمة الأخيرة،إلى أحاديث وأفعال معينة للرسول تقر العنف وسفك الدماء، مستشهدين بواقعة بني قريضة، إلى المذهب الحنبلي وابن تيميه إلى الوهابية وهم منذ فترة طويلة يعرفون الأحزاب المتطرفة كالأخوان المسلمين ومن ثم القاعدة.
وتحدثوا أن متزعمي الشيعة زرعوا لدى أتباعهم عقدة الاضطهاد والمظلومية،وابتدعوا لتكريسها شتى المنابر والمواكب والقصص والحكايات والأغاني والطقوس المريرة، التي تؤجج عندهم الحقد المقدس ومشروعية القصاص من أحفاد قتلة الحسين وعلي، وتلك هي تربة الإرهاب الخصبة! لكنه ظل يعتمل في الصدور فقط وهذا ما استثمرته المنظمات الإرهابية القادمة من إيران في أوساطهم وفجرته فيما بعد.
ورغم أنهم تطرقوا إلى الدعوات الإيرانية لإبادة إسرائيل، أو دواعي وجود جيش حزب الله في لبنان إلا إن هذه المقارنات انتهت إلى تغليب نزعة الإرهاب لدى السنة وفي أغلب التحليلات وجدوا أن السنة هم الأشد خطرا عليهم!
وسواء صح تأثر بوش ومستشاروه بهكذا مقولات أو لا فإن الواقع يكشف أن بوش اعتمد في دخوله العراق على متزعمي الشيعة الذين كانوا يترددون على واشنطن أو على سفرائه لدى المعارضة العراقية في لندن آنذاك!
لقد اتخذ بوش متزعمي الشيعة حلفاء له في الحرب واعتمد عليهم لا لكفاءتهم أو نزاهتهم وسواد عيونهم، بل فقط نكاية بالقاعدة وبالسنة؛ رحمها العام!
وحيث أن السنة هم الأكثرية المطلقة للمسلمين في العالم، ومن الصعب إن لم يكن من المستحيل شن الحرب التقليدية عليهم؛ لذا وجد أن أفضل طريقة لإضعافهم ومن ثم تدميرهم، هي في استمالة الشيعة وتعبئتهم وزجهم في حرب أو صراع معهم!بذلك يجعل قوة المسلمين الإرهابية تتبدد بينهم، ويشغلهم عن إسرائيل ويجعلهم سوقا للسلاح، ويؤثر إيجابيا على سوق النفط الأمريكي!
من المؤسف أن متزعمي الشيعة أكلوا الطعم بسرعة السمكة الجائعة، وكانوا في لهفة لتوقيع صك التحالف مع بوش غير منتبهين للعواقب الوخيمة التي ستنجم عن احترابهم مع السنة، وما سيجرونه على أبناء طائفتهم من مصائب!
أغرب ما في هذه الصفقة أن بوش سلم العراق هدية لإيران بينما هو ينعتها بمحور الشر، وتعهدت إيران سرا لأمريكا بالتعاون على رعاية الهدية الثمينة وهي تنعت أمريكا بالشيطان الأكبر!
كانت لدى إيران وراء ذلك أهداف كثيرة أقلها الخلاص من "الشيطان الأصغر" في بغداد، كانت تريد منازلة أمريكا في العراق ثم المساومة معها ومع إسرائيل فيما بعد على مشروعها النووي!
عندما أدخلت إيران ميليشيات الأحزاب المرتبطة بها وبكامل أسلحتها أثارت حفيظة السنة؛ ما سهل للقاعدة اختراقهم والكمون في أوساطهم، لكن إيران لم تغفل عن تسريب إرهابي القاعدة وغيرهم إلى العراق عبر المخابرات السورية! وكان الضحية الأعظم في كل ذلك هو الشعب العراقي بمختلف أديانه وطوائفه.
لكن الضيم الأكبر وقع على فقراء الشيعة، عشرات ومئات منهم يقتلون كل يوم في التفجيرات الإرهابية لانتحاريين قادمين بتنسيق بين المخابرات السورية والإيرانية!
ما يؤكد المقولة أن إيران مستعدة لإفناء شيعة العراق كلهم من أجل مصالحها القومية! ومن الغريب أن الكثيرين من الشيعة ما زالوا يسبحون بحمدها!
كان ذلك ثمن حكم الطائفة، وثمن حكمة بوش في الاعتماد على طائفة مهما كبرت، لا على شعب عانى كله من ويلات النظام السابق ويتطلع لحياة جديدة!
لأحد عشر عاما لم يتحقق شيء على صعيد البناء، لاشي سوى حرب طائفية تستعر فترة، وتهدأ قليلا فترة أخرى، تارة علنية سافرة وقحة وتارة خافتة سرية
لكن متزعمي الشيعة ظلوا يتحدثون عن انتصارات،فما داموا قد وصلوا الحكم وقعدوا على خزائن العراق، فليذهب كل شيء إلي سقر!
ظلوا غافلين ان المستقبل ليس في صالحهم وإن معاداتهم للأكثر من 90% من العالم الإسلامي معتمدين على أمريكا وإيران مجازفة خطيرة، فلا أمريكا سيدوم دعمها، ولا النظام الإيراني باق، فثمة تفاعلات وحركات ثورية قوية في إيران تعمل على التغيير الجذري فيه. وهو أصبح ضرورة تاريخية ممكنة أيضا،وأمريكا تبدل مواقفها حسب مصالحها!
حتى آخر لحظة من وجود بوش في البيت الأبيض، ورغم إنه تلقى رمية حذاء من شاب شيعي وطني في بغداد؛ ظل يتحدث عن نجاح حربه في العراق، مصرا على تحالفه مع الغلاة والمتعصبين من الشيعة، والذين لا يخفون ولاءهم لإيران، مهملا حتى المثقفين والعلمانيين الأحرار الوطنيين الشيعة!
معتقد أنه بذلك سيعاقب السنة وينتقم منهم ويحد من الإرهاب القادم من أوساطهم! لكن الإرهاب لم يتوقف وظلت بغداد تهتز كل يوم بالعديد من التفجيرات ويسقط العشرات والمئات قتلى وجرحى ثم أخيرا هاهي داعش تأتي بطوفان الموت الأصفر!
استمر أوباما في ولايته الأولى على خطى بوش في العراق بل أقدم على إجراء خطير زاد الأمور سواء حين سحب القوات الأمريكية بينما الوضع الأمني يتدهور باستمرار.
ثم وقف مع إيران إلى جانب المالكي ضد إياد علاوي عندما فاز في الانتخابات عام 2010! لقد كان موقفه هذا خطأ فادحا فهو إضافة لكونه ضربة لنتائج الانتخابات، كان ظلما لزعيم سياسي علماني معروف بتوجهاته الوطنية ويحظى بثقة أوساط واسعة جدا من الشيعة والسنة! بذلك أضاع أوباما على الشعب العراقي فرصة تاريخية لقيام حكم مدني بعيد عن الطائفية!
هذا جعل المالكي يمضي في سياساته الطائشة بمأمن من المحاسبة مستفزا قوى أخرى كثيرة لتنزل ساحة العنف والإرهاب أو تكون حاضنة لها وعندما ثار الناس وانتفضوا في بغداد والحويجة والموصل والرمادي شن الحرب عليهم وزاد من تداخلاته في سوريا؛ فتدفق الدواعش!
لكن أوباما وبما يشبه الانقلاب التحق أخيرا بالصحوات! فصرح قبل أيام للصحفي الأمريكي توماس فريدمان أن "الغالبية الشيعية الحاكمة أضاعت فرصة تقاسم السلطة مع الأكراد والسنة، فالشيعة أقروا قوانين اجتثاث البعث وقوانين ظالمة أخرى ضد السنة والأكراد" ومضى لا يضيع مناسبة إلا ويتحدث فيها عن الظلم الذي لحق بالسنة وضرورة إنصافهم مؤكدا أن استمرار تهميشهم وظلمهم سيفاقم الإرهاب!
إنه موقف معاكس لموقف ورؤية بوش، هل نستطيع القول الآن أن انقلابا قد حدث في البيت الأبيض اتجاه متزعمي الشيعة لكونهم طغوا وتمادوا في إذلال السنة،والخنوع لإيران وتسببوا بميلاد داعش! هل كان بوش رجل الشيعة؟ واليوم جاء أوباما ليكون رجل السنة؟
ربما تلك مجرد نكتة تاريخية! لكن صحوة أوباما جاءت متأخرة فالدواعش قد تكاثروا، وبيض الأفاعي يفقس دواعش لدى السنة والشيعة وهم اليوم في خندقين متقابلين، وتدخلات أمريكا ومن معها لا تجري وفق مصالح أهل المنطقة بل وفق مصالحهم، والمصبية الكبرى أنهم في أحيان كثيرة لا يعرفون كيف يحققون مصالحهم، فيتخبطون و يضلون، وكثيرا ما يجرون الناس وراء ضلالهم إلى الجحيم!
&
ينبع
التعليقات