بعد ما أعلنت أمريكا عن نيتها في تشكيل تحالف عالمي للقتال ضد الدولة الاسلامية (دس)، تحولت الانظار نحو تركيا. هل سيكون لتركيا مكان بين هذه الدول ؟ و ما هو الدور الذي يمكنها أن تلعبه؟. بعد قمة الناتو التي إنعقدت في ويلز في 5 أيلول، قال وزير الدفاع الامريكي جيك هيكال، أن مجموعة الدول الجوهرية في الحلف، ستسهل تشكيل مجموعة أوسع وأشمل من الدول الاخرى في المستقبل. كما ذكر وزير الخارجية الامريكي جون كيري، أن من أهداف التحالف الدولي، منع (دس) من التوسع و التمدد من خلال دعم قوات الامن العراقية واي قوات اخرى مستعدة للقتال ضد (دس) ما عدا القوات البرية لدول حلف الناتو.&
طبقاً للمعلومات التي وردت من وراء الكواليس من قناة (سي إن إن-تركيا)، و المتسربة من الاجتماع الذي عقد بين الرئيسين اوباما و اردوغان على هامش مؤتمر ويلز، تبدو تركيا غير راغبة للانضمام الى هذا التحالف الدولي. كما نشرت جريدة حريت اليومية ان تركيا لديها تحفظات عدة، وأن الرئيسين إتّفقا على ان تشارك تركيا في التحالف و لكن من وراء الكوليس أي بشكل سري، مشترطةً:&
- أن لا يلحق أي أذى بالرهائن الاتراك لدى داعش؛
- ان لا تتحول موازين القوى في المنطقة، أي ان لا تعطى الأسلحة مباشرةً الى الشيعة في بغداد؛
&- ضمان عدم وصول اسلحة الى حزب العمال الكوردستاني؛
- أن لا يؤدي التدخل الدولي الى تقوبة نظام الرئيس بشار الاسد.
المآزق التركية في حالة الانضمام الى التحالف الدولي ضد (دس):
المأزق التركي الاول لا يقتصر على وضع رهانئها عند داعش فقط، و انما تتعلق كثيراً بتأكيد امريكا ان قواتها و قوات التحالف الدولي سوف لن تشارك في العمليات العسكرية على الارض، و الاعتماد الكلي في هذه العمليات يقع على عاتق القوى المحلية فقط التي يجب عليها أن تمسك بالارض التي يتم تحريرها من يد داعش. المشكلة هنا، ان تركيا لا تحب المشاركة او التعامل مع هذه القوات المحلية و التي قامت بدور فعال في تحرير سد الموصل (البيشمركة و الدعم الجوي الامريكي)، و كذلك التي حررت مدينة آمرلي (قوات البيشمركة، سرايا السلام لجيش المهدي، قوات بدر، وحدات من الجيش العراقي المتكونة غالبيتها من الشيعة). كما أن العمليات العسكرية في أقليم كوردستان العراق تقوم بها قوات البيشمركة، وفي كوردستان الغربية (سوريا)، وحدات حماية الشعب YPG،PKK. و هي قوات لا تحب تركيا التعامل معها على الارض. التصدي ل (دس) دون الاعتماد على هذه القوات المحلية التي تتحفظ عليها تركيا يبدوا مستحيلاً، و السيد كيري عندما ذكر بأن عليهم دعم هذه القوى المحلية المستعدة للعمل ضد داعش، زاد من أهمية الدور المناط بهذه القوات.&
تركيا، التي فسّرت الانتفاضات التي قامت في الموصل، صلاح الدين و الانبار، كإنتفاضات سنية ضد الحكومة الشيعية في بغداد، و أقامت علاقات قريبة مع هذه المجموعات، لا تريد من التحالف الدولي ضد (دس)، ان يؤدي تدخلها الى تقوية القوات الشيعية. و مما يدعم هذا القول، التصريحات التي أدّى بها السيد داودأوغلو حول (دس)، و التي تؤكد رغبة تركيا في تغيير موازين القوى لصالح السنة: لان الغضب و التهميش و الاقصاء للسنّة في العراق، هي التي أدّت الى تفجّر الاوضاع بشكل واسع على حد زعم السيد أوغلو.&
المأزق الثاني لتركيا، هو التصاعد المستمر لقوة YPG وPKK في مقاومة داعش في المنطقة عامةً و زيادة مشروعيتها في أعين جماهير المنطقة و لدى المجتمع الدولي ايضاَ. بعد أن برز حزب الاتحاد الديموقراطي في كوردستان الغربية (سوريا) و فرض الأدارة الذاتية فيها للكورد كأمر واقع، كان على تركيا أن تغيّر سياستها العسكرية في حدودها مع العراق و سوريا و كذلك في ارسال قواتها العسكرية الى سوريا بحجة حماية ضريح السلطان سليمان على نهر الفرات و التي تعتبرها تركيا اراضٍ تركية. و لإكمال هذا التحرك للقوات التركية، كان عليها ان تنسق مع قوات (YPG). و على تركيا الآن ان تختار بين أمرين، أحلاهما مرّ بالنسبة لها، التنسيق مع (YPG) او داعش. كما عليها ان تقرر، إما ان تستمر في مسيرة السلام مع الكورد و تحوّل العداء بينهما الى تنسيق، أو أن تزيد من مخاوفها من مسألة وصول الاسلحة الى أل (YPG). طبعاً، هذه المخاوف التركية، ستقلل من فرص المناورة لديها للعب دورالفاعل الاقليمي المؤثر في الاحداث و هو الدور الذي طالما تمنّت تركيا للقيام به.&
المأزق الثالث لتركيا، هو ان تقوم داعش التي تجني أموال كثيرة من عمليات تهريب النفط عبر تركيا، بإستخدام الحدود التركية كممر لوجستي للقيام بعمليات داخل تركيا نفسها. داعش التي تمكنت من تنظيم نفسها داخل المدن التركية الكبيرة، تستطيع ان تستهدف نفس هذه المدن بعملياتها. وهناك تقارير وتحذيرات عديدة حول هذا الموضوع و التي تفترض انه في حالة انهيار داعش في سوريا و العراق، فإن تركيا ستكون اول دولة تنسحب اليها داعش و تعيد تنظيم خلاياها فيها. قد يبدوا هذا الاحتمال بعيداً، و لكن الامر الذي لا يمكن إنكاره، هو ان قلق تركيا قد إزداد بعد غزو داعش للموصل و حجز موظفي قنصليتها كرهائن في المدينة التي كانت تركيا تعتبرها جزءاً منها.
تركيا هي الدولة الوحيدة في حلف الناتو و مجموعة التحالف الدولي ضد داعش والتي تمتلك حدوداً مع داعش في نفس الوقت. بينما الدول الاخرى في المنطقة و التي من المحتمل ان تكون هدفاً لداعش لم يطلب منها ان تنضم الى هذا التحالف الدولي.&
الاردن مثلاً، والتي ظهرت في خريطة داعش كجزء من دولة الخلافة، لم يطلب منها الانضمام الى التحالف، و كذلك السعودية التي سوف تموّل هذا التحالف، لم يطلب منها كذلك الانضمام علنياً اليه.&
المأزق الرابع لتركيا، هو إمكانية إسترداد الاسد لقوته العسكرية بعد تنظيف المنطقة من داعش. اردوغان غير راغب في ان يصبح جاراً لسوريا تحكم من قبل الاسد ثانيةً. و لكن في الوقت ذاته و بعد رحيل الاسد، هناك قوتين مرشحتين لإملاء الفراغ الذي ستتركه داعش و الاسد في سوريا، إحداهما، الجبهة الاسلامية التي تضم عناصر اسلامية راديكالية، و الثاني، جبهة النصرة، إحدى فروع القاعدة. و هذان الأمران يشكلان العقبة الرئيسية نحو صياغة استراتجية أمريكية ضد داعش في سوريا ترضي الاطراف كافةً مثل الامريكان و الاتراك و الشعب السوري المنتفض.&
ألأمر في العراق يختلف، فالحكومة المركزية منتخبة و القوى الفاعلة على الارض (الحكومية و قوات البيشمركة) متحالفة الى حدٍ ما مع الادارة الامريكية، و الوضع السياسي يسير نحو الانفراج بعد رحيل المالكي و تولي السيد العبادي رئاسة الكابينة الجديدة.&
التعليقات