اتفق الامريكيون مع الروس.. لا، لم يتفقوا...

شيء من تردد عربي يومي، تحركه التمنيات وكثير من المخاوف، وربما بعض المعلومات. هو تردد العاجز طبعا، وتمنيات من لا يمتلك الدور، ومخاوف من يرى أن الاخرين اصبحوا لوحدهم أصحاب القرار.
الاهتمام بالاتفاق يشبه انشغال الفرد العادي بالانفجارات الشمسية التي تؤثر على حرارة الأرض. أراء عديدة نسمعها، جيدة في بعض الأحيان، وتصنع اشارات على اهتمام الانسان بشيء بعيد؛ نجمة تطلق النار، لكنها ليست المعرفة. الأولوية تكمن في كيفية تعامل الكائن الأرضي مع درجات الحرارة المرتفعة حين تعصف بالأرض. فنحن لسنا مؤثرين في حركة الكواكب، لكننا قادرون، في أكثر الأحيان، أن نتعامل مع نتائج تلك الحركة.
الاتفاق الامريكي الروسي المفترض، يشبه حركة الشمس وانفجاراتها، لا نمتلك الكثير حوله، وإن صح، لا نمتلك خيار تغييره. ومن يعتقد غير ذلك فهو موغل في أحلام اليقظة. كبار الشرق الأوسط عاجزون عن فعل الكثير، سوى بعض الازعاجات طبعا، فضلا عن الصغار.
المطلوب روسياً منع التحكم بالمنطقة من قبل الولايات المتحدة بشكل منفرد، وما تريده امريكا أن لا تكون روسيا وايران، قادرتين على مد نفوذيهما عبر جغرافيا مريحة ورحبة تصل الخليج العربي بالبحر المتوسط. او على الاقل، أن يكون ملف العراق، جغرافيا، مفصولا عن الملف الملف السوري، ومن ورائه اللبناني.
اصرار الامريكيين على منع اقتراب الحشد من الرمادي، وبالتالي منع روسيا وايران، يقف وراءه اسباب معينة، خصوصا وإن هذا الاصرار ليس نفسه مع معارك صلاح الدين التي لا حدود لديها مع بادية الشام. بل ان عمليات بيجي حققت نتائج ايجابية، دون اعتراض امريكي يذكر.
المؤشرات على الارض، سواء كان هناك اتفاق ام لم يكن، تدل على أن الصراع ليس على العراق، بل على الخط الواصل بينه وسوريا. هذه النقطة الأكثر مركزية في الصراع، وما سواها قابل للتفاوض. ليس سهلا أن ندرك أن ما يحصل في الحرب ضد داعش، اتفاق، لكن من السهل جدا أن نعرف أن هناك توافق ضمني على جغرافيا المواجهة في هذه الحرب. روسيا أو حلفاؤها يقاتلون في البلدين، وأمريكا تقاتل في المنطقة الوسطى، وهي المنطقة الواصلة بينهما. بمعنى، مسموح لموسكو وطهران الانتصار، لكن ليس مسموحا لهما أن يحولا الانتصار الى هيمنة.
السيطرة أو الهيمنة مشروطة بأن تكون مناطق النفوذ مترابطة جغرافياً، أي أن يكون الوجود في العراق متصلا حدوديا بالوجود في سوريا، وفي حال فقد، لن تكون هناك هيمنة على شمال الجزيرة العربية وجنوب تركيا، بل مناطق نفوذ. هذا اقصى ما تستطيع القيام به ادارة اوباما في الوقت الراهن. سيكون لروسيا وايران القدرة على التحكم في العراق وسوريا، ولكن ليس بمقدورهما ربط البلدين ببعضما عبر حدود خاضعة لهما. هذا ما يتضح من المعركة، وما تكشفه سياسة الادارة الامريكية التي لم تعترض على اطلاق يد حلفاء الجمهورية الاسلامية في كل مكان عدا الانبار.
وسط هذا الوضع، لا تبدو الدول الاقليمية غير الفاعلة، قادرة على القيام بالكثير من الخطوات والاحتواء. فهناك توازن معين صنعته التوافقات او أوجدته المعرفة المسبقة بالخطوط الحمراء بين القوى العظمى. هنا جوهر التسوية، سواء كان هناك اتفاق ام لم يكن. والاطراف الاخرى ليست ذات تأثير يذكر في هذا الصدد، هي منفعلة بالضرورة. ولا تكفي المحاولات المحدودة لعرقلة ما يجري. المطلوب رؤية ستراتيجية تفهم ما تريده كل من روسيا امريكا.
أما ايران، الأمهر في التعامل مع الجزئيات، فهي ستبقى بحاجة الى استثمار ما يجري عبر استغلال التفاصيل، وهي الان بحاجة الى ان تبقى فاعلة. وفي الوقت ذاته، السياسات العامة لم تعد تتيح انفراد جهة معينة بالواقع، لذا فإيران اليوم اكثر قيداً، لكنها تستطيع ان تجد لنفسها نفوذاً في تحديد اتجاهات الجزئيات التي تمثل بوابة لتلك السياسات.
هذه هي الوقائق، بمعزل عن وجود اتفاق هنا او اخر هنا، والتعامل مع كل هذه يستدعي خطوات جريئة.
&