تناقلت وسائل الاعلام بكثافة خبر مصادقة القضاء السعودي على حكم إعدام عالم الدين السعودي الشيخ نمر باقر النمر، وتزامن المصادقة على الحكم مع اصرار طهران على ضرورة الكشف عن ملابسات حادثة منى أوحى لبعض المحللين السياسيين إلى ثمة علاقة بين القضيتين، حتى أن بعضهم قال إن المملكة تريد من ايران التوقف عن متابعة موضوع حادثة منى مقابل العفو عن الشيخ النمر.

ربما يحتج البعض على هذا الرأي بأن الرياض وطهران قامتا بتسوية قضية منى واستقبلت السعودية الوفد الايراني الذي ترأسه وزير الصحة لاجراء مباحثات حول الحادثة، غير أن هؤلاء المحللين يردون على ذلك بأن طهران لا تزال تعلن أن أكثر من 300 حاج ايراني لا يزالون مفقودين ولم يتم الكشف عن مصيرهم وأنهم سيتابعون القضية حتى تحديد مصير آخر مفقود.

ولكنني أعتقد أن من الخطأ الربط بين القضيتين، فحادثة منى يمكن للرياض التوصل فيها الى حل مع طهران وإنهاء المشكلة برمتها، بل كان يمكن لحادثة منى أن تتحول الى فرصة لتطوي ايران والسعودية صفحة الماضي والبدء بصفحة جديدة من العلاقات قائمة على الود والاحترام والتوقف عن تراشق الاتهامات، وأعتقد أن الفرصة لا تزال قائمة، فمع أن المسؤولين الايرانيين اتهموا السعودية بالتقصير والاهمال في ادارة وتنظيم الحج، إلا انني لم أسمع أي مسؤول إيراني يتهم السعودية بالتعمد في وقوع الحادثة، وهناك فرق شاسع بين الاتهام بالاهمال والتقصير وبين التعمد في وقوع الحادثة.

وبالتالي فان هذا الموقف الايراني يمكن أن يفتح أفقا في العلاقات بين البلدين ويحل الكثير من الملفات الشائكة وفي مقدمتها أزمات اليمن وسوريا ولبنان، ويبدو أن يد طهران لا تزال ممدودة ولكن لا توجد مؤشرات على أن يد الرياض ستصافحها على المدى القريب.

أما قضية الشيخ النمر فهي داخلية بحتة للغاية ومن الخطأ جدا ربطها بأي موضوع آخر خاصة بعد الاحداث التي وقعت في عدة بلدات من المنطقة الشرقية، لأنني أعتقد أن تقديم المسؤولين السعوديين العزاء لذوي الشهداء الذين قتلوا في التفجيرات والهجمات الارهابية التي طالت عدة مساجد شيعية في المنطقة الشرقية أعطى انطباعا ايجابيا لدى أغلبية الشيعة الذين يقطنون في هذه المنطقة، بينما المصادقة على حكم الاعدام والمضي قدما في تنفيذه سيقوض بالتأكيد هذا الانطباع.

ومما لا شك فيه فان الغاء الحكم واصدار عفو ملكي سيعزز هذا الانطباع بل انه سيبرهن على أن السعودية تؤمن بالتعددية الطائفية وتوفر لأبناء الطوائف الظروف اللازمة لممارسة شعائرهم بحرية مطلقة وتتعامل معهم كتعاملها مع سائر المواطنين على السواء، وبذلك فانها تغلق الباب امام بعض المنظمات ووسائل الاعلام التي تتهمها بالتمييز الطائفي.

من الواضح أن الهدف الرئيسي من الهجمات الارهابية التي طالت المساجد الشيعية في السعودية هو اثارة النعرة الطائفية من خلال دفع الشيعة إلى الانتقام، وهذا لا يخدم لا الحكومة ولا الشيعة الأمر الذي دفع المسؤولين السعوديين إلى احتواء المشكلة قبل تطورها وتصاعدها، وفي هذا الاطار نتساءل هل المصادقة على حكم اعدام الشيخ النمر والمضي قدما في تنفيذه يصب في مصلحة هذا التوجه أم يتعارض معه؟

مما لاشك فيه أن يوم تنفيذ حكم الاعدام سيتحول الى عرس لكل أولئك المتطرفين الذين يعتبرون الشيعة كفرة وارجاس واجتثاثهم وقطع رؤوسهم سبيل للتقرب إلى الله، ومن يريد الدخول إلى الجنة مباشرة والجلوس على مائدة الرسول فعليه قتل 7 من الشيعة، وهي&ثقافة الذين أطلقوا النار في نفس اليوم وبساعات متقاربة على مراسم العزاء الذي اقامه الشيعة على الامام الحسين (ع) في المنطقة الشرقية والبحرين والأهواز والعراق؟