&

أعلن "سيلفان شالوم"، نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية الاسرائيلي، مساء الأحد من الاسبوع الماضي استقالته من منصبه واعتزاله الحياة السياسية، على خلفية اتهامات بأنه تحرش جنسيا بعدد من النساء اثناء حياته العملية.

وفي 25 مايو من العام الحالي، اصدرت المحكمة المركزية الاسرائيلية حكما بالسجن ثمانية اشهر على رئيس الوزراء الاسرائيلي الأسبق "إيهود أولمرت" عقب ادانته في فضيحة فساد لتلقيه رشاوى من اجل صفقات عقارية.&

وفي السابع من شهر ديسمبر 2011م، حكم على السياسي المحنك الرئيس الاسرائيلي السابق "موشيه كاتساف" بالسجن سبعة اعوام بعد ادانته بالاغتصاب والتحرش الجنسي بحق اثنتين من موظفاته عندما كان وزيرا للسياحة في التسعينيات من القرن الماضي.

حين يقرأ المواطنون العرب مثل هذه الأخبار، يتساءلون: لماذا لا يستقيل الوزراء والمسؤولون التنفيذيون في العالم العربي، عندما يتورطون في حالات الفساد المختلفة الذي يذهب ضحيتها مواطنون ابرياء، وتضيع الملايين من الأموال العامة؟&

عندما طرح هذا السؤال على بعض المختصين في علم الاجتماع من العرب، كانت خلاصة اجوبتهم كالتالي:

"الاستاذ عبدالله الشايع" يقول: في المجتمعات العربية لا يستقيل الوزير او المسؤول من منصبه لأنه يعتبر ان الوظيفة تشرفت بوجوده عليها، لذا لا يهتم بغير مصالحه الشخصية ومركزه الاجتماعي الذي منحته إياه الوظيفة، ويظل متمسكا بها طالما انه لم يحاسب على تقصيره. وفي ظل غياب ثقافة الاعتراف والاعتذار والتنحي الإرادي، فلن يتم تصحيح المسارات المنحرفة في العمل الحكومي، وهذا يدل على البعد عن الدين والانحراف في السلوك، والضعف في العلم والعقل والضمير الانساني. الاعتراف بالخطأ والتقصير وتحمل مسؤوليتهما سلوك اجتماعي حضاري مهم يجب تعليمه للأطفال منذ نعومة اظافرهم. وكما يقال: من أمن العقوبة أساء الأدب.&

"الدكتور ابراهيم المنيف" يعلق بالقول: انه من الصعب جدا ان يترك الوزير او المسؤول منصبه رغم وضوح فشله وتخبطه، وتسببه المباشر في تعثر المشاريع وحدوث تجاوزات مالية وادارية. الاستقالة في حالة الفشل تعتبر عملا وطنيا رائعا، لأنها تكشف عمق المشكلة لا سيما ونحن في عصر بناء الدولة الحديثة. ولكن وفق ثقافتنا لن نجد من يستقيل من منصبه ويتركه من اجل المصلحة العامة، او عند الفشل في تحقيق الأهداف. في المجتمعات المتحضرة، هناك ضمير وامانة ومحاسبة وحس وطني، وعندما يشعر الوزير او المسؤول انه ليس اهلا للمنصب، ولا الثقة الممنوحة له، فانه وبكل بساطة يقدم على الاستقالة.&

اما "الدكتور عبد الله الوقداني"، فيرى ان هناك ثلاث حالات تدفع الوزير او المسؤول للاستقالة. الاولى: ارتفاع مستوى الشعور الاخلاقي لديه مما يشكل ضغوطا داخلية تدفعه نحو الاستقالة. والثانية: ارتفاع مستوى الضغوط الخارجية عليه ممثلة في العوامل الادارية والاجتماعية والسياسية. والثالثة: سيطرة الضغوط الداخلية والخارجية عليه مما يعني رحيله اسرع من الحالتين الاولى والثانية. غير انه في العالم العربي، يندر ان يستجيب الوزير او المسؤول لنداء الضمير وذلك بسبب سيطرة المصالح المادية والسلطوية على النزعة الاخلاقية.

وحول المفهوم الاجتماعي لاستقالة الوزير او المسؤول، يقول "الدكتور عبدالله الفوزان": مفهوم الاستقالة يتطلب ايضا شيوع وتقبل مبدأ الشفافية والمصارحة حيال اسباب الاستقالة، وان يتفهم الاخرون المبررات ويتقبلونها بدلا من السقوط في فخ اتهام "المستقيل" بمحاولة شق عصا الطاعة، واعتباره مهزوما ومنسحبا بما لا يليق بأخلاق الفرسان. فمتى ما شعر الوزير او المسؤول بتقدير خطوته، وبحفظ حقه وصون كرامته، فانه سيقدم على تحمل المسؤولية وتقديم استقالته بكل شجاعة. إن غرس هذا المفهوم في المجتمعات العربية يتطلب الكثير من الجهد والدراسة، والوعي للعمل على تحويل هذه النظرة الاجتماعية السلبية الى خطوة ايجابية تصب في مصلحة المجتمع، وكخيار مهم تحتمه ظروف ادارية صرفة، واعتبارات عملية، مع التوقف عن تصوير الاستقالة وكأنها هروب وخروج عن العرف المألوف.&

في العالم العربي، الوزراء والمسؤولون التنفيذيون لا يستقيلون طواعية من انفسهم مهما ارتكبوا من مخالفات غير قانونية او قصروا في اداء واجباتهم الوظيفية، او ثبت عدم امانتهم ونزاهتهم وكفاءتهم العلمية والعملية، ولا يقالون إلا في حالات نادرة جدا، بل في اغلب الحالات - وحين يبلغ السيل الزبى – يحالون على التقاعد معززين ومكرمين (يستلمون كامل رواتبهم ومخصصاتهم) ليتفرغوا لإدراة اعمالهم الخاصة التي أسسوها خلال تقلدهم لمناصبهم الرسمية تحت أسماء اولادهم او زوجاتهم او اقرباءهم، وليصبحوا لاحقا من طبقة رجال الاعمال ونخبة المجتمع. واذا سنحت لهم الفرصة ترشحوا لعضوية البرلمان في بلدانهم، وربما يعينون في مجالس الشورى.

استقالة الوزراء والمسؤولون التنفيذيون هي ثقافة مجتمعية لم يتعود عليها العالم العربي، وهي تعد من الأمور الحضارية المتقدمة التي لم نصل اليها بعد، وهي تمارس بشكل طبيعي في الدول الغربية وبعض دول جنوب شرق آسيا خصوصا اليابان وكوريا الجنوبية. وفي هذين الدولتين لا يكتفي البعض بمجرد الاستقالة، بل يبلغ بهم تقدير جسامة المسؤولية في بعض الحالات الى الاقدام على الانتحار.&

في العالم العربي لا يحق للوزراء الاستقالة، طالما انهم لا يستشارون خلال تعيينهم إلا نادرا، فالكثير منهم لم يسمع بأنه اصبح وزيرا سوى في نشرة الاخبار، ومنهم من يعين على رأس وزارة وهو لا يفقه فيها شيئا. كما ان بعض انظمة الحكم علمت الوزراء ان الاستقالة تعني عداوة مع النظام وانشقاقا عليه، وفي هذه الحالة يحل العذاب المهين، ولا تنفع الشفاعة.&

آخر الكلام: الا يحق لاسرائيل ان تفتخر امام الدول المتحضرة، انها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط التي تقيل وتحاكم وتسجن رئيس وزراءها والوزراء.&