لا وجود لحياة حزبية دون قانون منظم لها. وأيضاً ليس أي قانون للاحزاب يخلق حياة حزبية جيدة.

بعضنا يطالب بالقانون كونه حلاً لمعالجة الترهل الحزبي، في ظل كثرة التوقعات الواهمة المستمرة في العراق، والافكار التي تطرح كقوالب غير مرنة، تنطلق من رؤية نظرية صرفة وحالة منفصلة عن الواقع. نعم، وجود القانون ضرورة، شريطة أن يكون قانون احزاب، وليس قانونا تكتبه الاحزاب المتورطة. لابد دائما من السؤال في حالتنا العراقية، عن الخلفيات التي يمكن أن تقف وراء التشريعات والقرارات المراد أن تعالج الخراب الحاصل بسبب جهات متورطة في تلك الخلفيات.

خطورة هكذا قوانين انها قد تكون معززا لحماية مصالح الحاكمين والقوى السياسية المتنفذة، على حساب الاخرين. ما يفرغها من محتواها الضامن للنظام والعدالة. قانون احزاب تكتبه جماعات تريد تكريس السلطة والنفوذ، بالتأكيد يصعب أن يكون قانونا عادلا. صحيح ان الآلية المعروفة للقوانين هو ان تشرعها السلطة النيابية، لكن هناك حاجة لدراسة آلية أخرى لتشريع قوانين حساسة وتمس العدالة السياسية والتناقل السلمي للسلطة في البلاد، مثل قانون الاحزاب. احد اعضاء اللجنة النيابية القانونية قال "سنرسل النسخة الى خبراء ونستشير اساتذة السياسة والدستور". غير أن الاستشارة لا تكفي، هي مجرد استشارة. لابد من أن يكتب القانون من قبل لجان مختصة، تشكلها المؤسسات البحثية والاكاديمية والقضائية، وليس ان تستشار فقط.

النسخة الموجودة للقانون كما احتوت على نقاط ايجابية، لكنها أيضا تضمنت مواداً غير كاملة او سيئة. مثلا، القضاء الاداري يحق له ان يحلّ أي حزب يفقد الشروط، والقضاء الاداري هو جزء من وزارة العدل، اي الحكومة... وهذه مفارقة، فكيف يمكن لحياة حزبية ان تعمل تحت رحمة السلطة التنفيذية، وليس القضائية؟!

ومثل موضوع الشفافية في التمويل. فلا تحتوي المسودة على آليات لتحقيق ذلك. ولا على اليات مماثلة لمواجهة امتلاك الاحزاب مليشيات. فمن المعروف ان جلّ التنظيمات السياسية لديها وجودات مسلحة، بشكل مباشر او غير مباشر. هذا يستدعي ضمانات قانونية صريحة تحول امام ذلك، بما يشمل ايضا الالتفاف على القوانين كمنهجية اعتمدتها هذه الاحزاب طويلا. كما لم يحدد موضوع الارتباط بدول العالم، وقيام قيادات حزبية من خارج القنوات الرسمية بزيارات او لقاءات مع مسؤولين في انظمة اقليمية أو عالمية. ومعروف ان الكثير من الزيارات التي تقوم بها عناصر حزبية عراقية لبلدان مجاورة تحصل بقرار حزبي ودون التنسيق مع السلطات المعنية.

ورغم أن القانون حظر العنصرية كخطاب وبرنامج، لكنه لم يحظر تشكيل احزاب من طائفة او قومية واحدة. بمعنى آخر ان القانون اعطى موافقة ضمنية للاحزاب الشيعية والسنية والكردية بالاستمرار. ونقطة جوهرية رئيسية أخرى، هي الديمقراطية داخل الاحزاب، المسودة الموجودة فاقدة لمراعاة التغيير على أسس ديمقراطية ضمن التنظيمات، بل سكت عنها. لم يتحدث عن سقوف زمنية للزعامات او المكاتب والهيئات القيادية، وسواها. وبذلك ان هذه المسودة تكرس زعامات تعتمد الميراث النسبي أو البقاء مدى العمر، او زعامات لا تمتلك صيغة تنظيمية انما صيغة دينية اكثر سطوة وأقل مسؤولية امام القواعد الشعبية.

ان النسخة الحالية تخلق حياة حزبية وفق مقاسات الموجود. لا قيمة لمثل هذا القانون، لأنه لن يغير شيئا، تلك الحياة موجودة وفق شروط معروفة ومحددة ضمنا دون وجود نص صريح، الفرق أن هذا القانون سيخلق النص اللازم. بمعنى سيشرعن للوضع بصيغته الحالية.
&