تتسابق الدول العربية، والخليجية تحديدا، على البناء. إنه تسابق على الحجر لكي يصبح عاليا حتى يلامس السحاب. ملايين تصرف من أجل ذلك، حتى بدت بعض العواصم العربية موطنا لأبنية شاهقة أكثر مما لدى الغرب كله.
ليس هذا بالأمر المعيب او الخاطئ، لكن يجب ان يكون هناك بالمقابل اهتمام بهامات الإنسان كي ترتقي وتصعد الى السماء هي الأخرى.
الثقافة والفكر والأدب كل ذلك جعل البشرية تصل اليوم الى ما وصلته. وقد أدركت معظم دول العالم ذلك باستثناء بعض قليل من عالمنا العربي.
أنا رجل مولع بالكتابة والأدب. لكني اشعر دوما وأنا اسير في شوارعنا العربية أن قيمة لوح حجري او نافذة زجاجية أكثر أهمية مني ومن كل ما أكتب.
نعم، هناك الكثير من الفعاليات الأدبية والثقافية، لكن ليست الجوائز والمؤتمرات وحدها ما يعطي الفكر مكانته، بل هو إيمان المجتمع والناس كلهم بأن الكاتب والمفكر والمثقف هم البناء الحقيقي للحضارة.
يقول البعض ان مدننا العربية والخليجية على وجه الخصوص هي مدن حديثة تفتقد الى العراقة والبعد التاريخي والثقافي. مثل دبي او الرياض او الكويت. وهذا قول خاطئ تماما. ذلك ان العراقة الحقيقة ليست في الحجارة أو الأبنية التي عمرها مئات السنين، بل هو الإنسان الذي عمره ملايين السنين. فحيث ما وجد هو وجدت الحضارة والعراقة والتاريخ.
القاهرة ليست أعرق من دبي. ودبي ليست أعرق من الرياض. والرياض ليست أعرق من بغداد. كل تلك المدن عريقة طالما عاش الإنسان فيها. لأنه هو أثمن كل شيء وأعرق من كل شيء.
عندما تسير في شوارع لندن على سبيل المثال، ستطالعك الكثير من الأبنية التي زينت بعض حوافها بعلامة دائرية زرقاء. تلك العلامة تقول ان شخصا، كاتبا، او مفكرا، او سياسيا، او مبدعا في مجال ما، قد سكن تلك الدار. وبناء عليه فإن لهذا العقار قيمة استثنائية كإرث وطني.
لماذا لا يكون هناك أمر مماثل في عالمنا العربي؟
اقترحت على بعض الأصدقاء المسؤولين في دبي، المدينة التي عرفتها رائدة في مبادراتها، بتبني مشروع مماثل. فقد سكن دبي العديد من المبدعين، أو زاروها. لماذا إذا لا تكون هناك جولات سياحية، تطلع الزائرين على الأماكن التي سكن فيها بعض من أثروا المدينة وأثرتهم؟
لماذا لا تفعل الرياض الشيء ذاته، والقاهرة والرباط وباقي المدن العربية التي سكنها او عاش فيها كم من المبدعين الذين ما عدنا نذكر أحدا منهم؟
الإنسان، والإنسان وحده، هو ما يصنع الحضارة. لا المال ولا الحجارة.
- آخر تحديث :
التعليقات