يرفض النشطاء الأمازيغ إقامة المغرب علاقات متينة ومستدامة مع محيطه العربي. لا يترددون في الجهر بذلك، إنهم يزايدون على بعضهم البعض في رفضهم هذا، يبدو أن من يريد منهم الحصول على لقب ناشط و(( مناضل)) من أجل القضية الأمازيغية، فإنه ينبغي عليه إشهار عدائه السافر للعرب. كلما كان (( معاديا)) للعرب وكارها لهم وأبدى ذلك في العموم بصوت عال، فإن صفة (( التميز النضالي والدفاع)) عن القضية الأمازيغية تلتصق به، ويصبح أهلا لها.

حين تسأل هؤلاء النشطاء عن السبب وراء رفضهم لكل انفتاح على ما هو عربي لا يقدمون لك أي جواب شاف ومعقول، يكتفون بالقول إن المغرب بلد أمازيغي، وأي علاقة مع هذا العالم العربي لا يأتينا منها إلا الإرهاب والتطرف والتعريب. فبالنسبة لهم، هم أمازيغ، ويتعين عليهم غلق الأبواب والنوافذ في وجه العرب، والعربية، والعروبة، والتوجه صوب الشمال، صوب فرنسا تحديدا، لأنها الخيار الأفضل في نظرهم.

الملفت في الأمر هو أن النشطاء الأمازيغ لا ينظرون من حولهم، أو إذا شئنا الدقة فإن عداءهم الإيديولوجي للعرب يعمي بصرهم وبصيرتهم ويجعلهم لا يرون ما يجري في العالم. فرنسا التي يهيمون حبا فيها تلهث وراء العرب في منطقة الخليج. تلهث معها كذلك أمريكا وبريطانيا العظمى. لدى هذه الدول قواعد عسكرية وجيوش تقاتل بواسطتها في تلك المنطقة. فكيف حلال على فرنسا وأمريكا وبريطانيا وألمانيا واليابان وكل دول العالم التوجه صوب العرب في الخليج والشرق الأوسط عموما ولا يحق الأمر بالنسبة للمغرب؟؟

نحن إزاء منطقة زاخرة بالثروات الطبيعية، ففيها النفط والغاز وعائداتهما الضخمة جدا، ولها موقع استراتيجي حساس، إنها في قلب العالم، وفي ملتقى طرقاته، وحضاراته، وثقافاته. ونتيجة لذلك، يسيل لعاب الشركات العملاقة لتضخيم ثرواتها بالاستفادة من التقارب والتعاون مع دول هذه المنطقة. فلماذا يريد النشطاء الأمازيغ للمغرب وحده أن يقطع معها ويبتعد عنها؟؟ أين مصلحة المغرب في هذا الاختيار، خصوصا عندما نستحضر أن بعض الدول الخليجية لا تبخل على المغرب بدعمها المالي في ظروفه الاقتصادية الحرجة؟؟

إذا كانت تلكم الدول تعيش مشاكل عدة، وتعاني من حروب وكوارث متفاقمة، فإن الواجب الإنساني، قبل القومي العربي، يتطلب منا عدم الابتعاد عنها وإنما بالعكس أن نقف، في هذه اللحظة الحرجة التي تمر منها، إلى جانبها، ونساعدها على التغلب على مشاكلها، فهذا هو&السلوك البشري الطبيعي الذي يتماشى مع عقلية وطبيعة الإنسان المغربي النزيه والشريف والأبي والكريم.

ففي نهاية المطاف، هذه مرحلة مخاض تعيشها دول تلك الجهة من العالم، ولاشك في أنها ستتجاوزها وتتغلب عليها، وحين يؤدي المغرب دوره بالوقوف مع أشقائه في ظروف المحنة والمشقات، فإنه يصبح مؤهلا لكي يتوقع منهم دعمه على كافة المستويات هو أيضا، عندما تستقر أوضاعهم ويستتب الأمن والسلام لديهم.

قد ننتقد سياسة بعض الدول العربية، سواء سياستها الخارجية وفي محيطها، أو سياستها الداخلية في علاقتها مع الشعوب التي تحكمها، وقد نعارض تلك السياسات ونحتج عليها ونطالب بتغييرها، فهذا حقنا، فكما ننتقد سياسة دولتنا حين تبدو لنا أنها تستحق الانتقاد، يحق لنا كذلك أن نتعامل بنفس الطريقة مع الدول الشقيقة، فهذا أمر لا اعتراض عليه، ولكن أن ندعو إلى القطع النهائي معها، فإننا نعلن هنا حالة من العداوة معها دون أن يكون لدينا سبب وطني واضح يدعونا لذلك.

لنفترض أننا قررنا، وفقا لأهواء النشطاء الأمازيغ، وضع حاجز بيننا والعالم العربي، واتفقنا على إقامة قطيعة تامة معه، ماذا سيكون انعكاس هذا التصرف على قضيتنا المجمعين حولها التي هي صحراؤنا؟؟ ألن يرحب خصوم وحدة المغرب الترابية في قرارة أنفسهم أشد ترحيب بقرارنا هذا؟ ألن يستغلوه في المحيط العربي للتشكيك في عدالة قضيتنا؟؟ ألن يسعوا للبناء عليه من أجل انتزاع اعترافات بالدولة صنيعتهم من طرف الدول العربية التي سنقاطعها نحن؟؟

وإذا تم للجزائر ذلك ونزعت اعترافا عربيا بالبولساريو وتبعه اعتراف من طرف الدول الإسلامية، ألا يكون المغرب قد خسر بذلك خسرانا قد لا يعوض في ملف صحرائه التي بذل الغالي والنفيس من أجل التمسك بها صحراء مغربية؟؟

ثم من يضمن لنا في نهاية المطاف أن فرنسا ومعها أمريكا وإسبانيا وبريطانيا، ودول الشمال.. ستظل غير معترفة بالبولساريو، وأنها لن تضغط على المغرب للتخلي عن أقاليمه الصحراوية، خصوصا ونحن نعيش في زمن تقاتل فيه الإمبريالية العالمية من أجل تفتيت دول العالم العربي وتجزئتها.

ما لا يريد النشطاء الأمازيغ الإقرار به هو أن منطقة العالم العربي ظلت لحد الآن عصية على الاختراق من طرف خصوم الوحدة الترابية المغربية، فكل دول العالم العربي باستثناء الجزائر لا تعترف بالبوليساريو ولا تقيم لها أي وزن، وهذا مكسب كبير بالنسبة لنا، فلماذا التفريط فيه؟؟؟

تخلي المغرب عن محيطه العربي وانعزاله عنه والإعلان عن أمازيغيته، كما يطالب بذلك النشطاء الأمازيغ، سيوفر الشرعية للبوليساريو للمطالبة بالانفصال عن المغرب ما دامت قد أعلنت من زمان عن تأسيس الجمهورية الصحراوية الديمقراطية العربية. المغرب الأمازيغي لن يحق له ضم أرض لسكان صحراويين عرب لا تربطهم به أي رابطة. على هذا الإيقاع ستنشط الدعاية الجزائرية.

العقل الاستراتيجي المغربي ينتبه إلى مثل هذه المنزلقات ويتحاشى السقوط فيها، ولذلك وجهت الدولة المغربية، رغم أنها ليست ذات عقيدة قومية، الدعوة لعقد مؤتمر القمة العربي المقبل في المغرب. المصلحة العليا للوطن أساسا تقتضي عقد المؤتمر ببلادنا، ولا يهم إن كان النشطاء الأمازيغ ضد ذلك، ما دام سبب رفضهم لعقد المؤتمر ببلادنا هو الحقد على العرب، حقد مجاني يسيطر عليهم، ويجعلهم يفقدون صوابهم وقدرتهم على قراءة الواقع القراءة السليمة.