استراتيجة لمكافحة الفكر المتطرف

آفتان خطيرتان تواجهان الشباب العربي بشكل عام، والإمارات ليست استثناء منهما، كلتاهما أسوأ من بعضهما، وكلتاهما تنتهيان بمصير شبه محتوم وهو الموت، آفة التطرف والاقتناع بالأفكار الإرهابية، التي تنتهي بتفجير النفس أو الالتحاق بميادين «الجهاد» المزيّفة للموت هناك، وآفة المخدرات التي تنتهي بجرعة زائدة وجثة مرمية على قارعة الطريق!

مواجهة المخدرات أمر صعب، لكنه واضح المعالم، هناك جهات أمنية ومجتمعية تتعامل معه، تُحقق فيه نجاحات بين فترة وأخرى، وتُحاول قدر الإمكان التقليل من تأثيرات المُهربين وتُجار الموت، مهمتها صعبة للغاية، لكنها مستمرة في التعامل مع هذا الوضع، أما مواجهة الأفكار المتطرفة فهي المهمة الأصعب والأعقد، وهي الآفة التي لا يمكن لجهة أو جهتين مواجهتها، هي تحتاج إلى تعاضد وتعاون الجميع، جميع أفراد ومؤسسات المجتمع التربوية والأمنية، والدينية والرياضية.

الخطر داهم، والمجموعات الإرهابية تُجيّش جيوشاً إلكترونية متغلغلة بين أوساط المراهقين والصغار، تُخاطبهم بلغة عاطفية ودينية «مشوهة»، تستغل حماسهم وجهلهم بأمور الدين، وتستغل فضولهم، وحب التغيير الذي يُسيطر على هذه الفئة، تدخل إليهم من أبواب عدة جميعها مقبولة لديهم، وفي نهاية الأمر تسيطر على عقولهم، وتلغيها نهائياً لتبدأ بحشوها من جديد، وهنا تكمن الخطورة والصعوبة، فنزع هذه الحشوة من العقول يحتاج إلى وقت طويل، وغالباً ما يلاقي الضحية مصيره، قبل أن يجد أحداً يغسل له تلك الحشوات المسمومة ويعيده إلى رشده!

نحتاج هُنا إلى استراتيجية وطنية، يُشارك في تنفيذها الجميع، نحمي من خلالها شبابنا وعقولهم من هؤلاء، ونحافظ عليهم من تلك الأفكار المتطرفة الشاذة، التي تدعو إلى نبذ الآخرين وقتلهم، تلك الأفكار التي تهدم ولا تبني، وتكره الحياة والتطور، وتبث الشؤم والموت في كل اتجاه!

نحتاج من هذه الاستراتيجية أن تتعهد بملء الفراغ المحتمل في الوقت والفكر عند الشباب، بكل ما هو مفيد، فالفراغ البدني والفكري هو المدخل السهل، الذي يتغلغل من خلاله الإرهابيون والمتطرفون وأصحاب الأفكار الهدامة للسيطرة على الشباب، وللأسف فقد نجحوا في ذلك حتى مع فتيات وشباب أوروبا، وليس ببعيد أن ينجحوا هنا، إن لم نُغلق هذا الباب!

ونحتاج أيضاً أن نضع في هذه الاستراتيجية متطلبات واحتياجات الشباب بناء على رغباتهم هم، ومتطلباتهم هم، وليس بناء على رؤى وأفكار خبراء أجانب أو شركات استشارية عالمية غير مدركة ولا مطّلعة على تفاصيل مجتمعنا وخصوصياته، ولا تعرف احتياجات ورغبات الشباب!

نحتاج أن نواجه بشدة كل فكر متطرف، في كل مكان، في البيوت قبل المدارس، والمنابر قبل البيوت، وأن نزرع التسامح وقيم الإسلام الحقيقية القائمة على المحبة والمودة، لا تلك المشوهة التي تقسم العالم إلى فسطاطين، لابد من الأول أن يقضي على الثاني، ولا فرق هنا بين مسلم وغير مسلم، فكل من يعارض أو يقتنع بفكرٍ آخر، يُصنف بأنه من الفسطاط الذي يستحق القتل!
&