تؤكد آراء اكثر العلماء المتخصصين في علم التاريخ الطبيعي للأديان على ان الاستبداد السياسي متولد من الاستبداد الديني، والبعض يقول: "ان لم يكن هناك توليد فهما أخوان، أبوهما التغلب وأمهما الرئاسة، او هما صنوان قويان تربطهما الحاجة الى التعاون على ذل الانسان، والمفارقة بينهما انهما متسلطان احدهما على الأجسام والآخر على العقول والقلوب".&
وهذا القول لا يعني ان الاستبداد من صلب الأديان وطبيعتها، انما هو من طبيعة الانسان الذي استغل الأديان على مدى التاريخ وحرفها وحور معانيها السامية لخدمة مصالحه. والحكام والكهنة وارباب المال هم من تحالفوا منذ قديم الزمان، ولا يزالون متحالفين حتى يومنا هذا في تسخير الأديان لخدمة مصالحهم، وهم من يعملون على تكفير ومحاربة كل من تسول له نفسه كشف جرائمهم واستغلالهم البشع للبسطاء من الناس بإسم الدين.&
في هذا السياق يأتي اغتيال شهيد الفكر والحرية "ناهض حتر" الكاتب والصحفي الاردني، بعد اطلاق رصاص الغدر عليه امام قصر العدل يوم الاحد من الاسبوع الماضي في العاصمة الاردنية عمَان. وفي هذا السياق ايضا يجب التذكير بإغتيال المفكر والكاتب المصري "فرج فودة، ومحاولة اغتيال الأديب الكبير الحائز جائزة نوبل "نجيب محفوظ" على ايدي اشخاص مصابين بهوس ديني نتيجة تحريض شيوخ الفتنة الذين يكفرون عامة المسلمين إلا من حذا حذوهم وسلك طريقهم وسار على نهجهم التكفيري الباطل.&
كما نذَكر في السياق نفسه بالحكم القضائي الشرعي الذي صدر على استاذ الفلسفة السابق في جامعة القاهرة "الدكتور نصر حامد ابو زيد" الذي قضت ظلما محكمة مصرية بالتفريق بينه وبين زوجته باعتباره كافرا مما اضطره الى ترك بلاده والهجرة قسرا الى الخارج، وقد مات مهموما ومغموما مما حل به نتيجة هذا الاستبداد.&
في التحقيق مع قاتل "ناهض حتر"، تأكد من اقواله انه شخص متعصب ومتأثر بفكر حزب التحرير التكفيري، وانه لم يعرف او يسمع بإسم الكاتب من قبل، ولكنه قرر اغتياله لأنه في اعتقاده كافر يحل قتله، وبحث عن صورته على شبكة الإنترنت. هذا الاعتراف يشبه الاعترافات التي ادلى بها كل من قاتل "فرج فودة" ومن حاول قتل "نجيب محفوظ" بطعنه بسكين حادة. كلهم يشتركون في صفات متشابهة كالأمية والتعصب الأعمى وعدم قراءة كتب او مقالات من اغتالوهم او حاولوا اغتيالهم.
ان ما يحدث في اغلب الدول العربية والاسلامية من محاربة وملاحقة للمفكرين والمبدعين بإسم الدين هو ارهاب واستبداد فكري ملتحفين عباءة الدين، وفي ظل مناخ عام معاد لحرية الفكر والابداع في العالمين العربي والاسلامي، تعتبر دعوات التوبة والاستتابة بمثابة تحريض علني على القتل ما لم يعلن المستتابون توبتهم على الملأ.
لقد عانت الدول الأوروبية في القرون الوسطى من محاكم التفتيش التي كان يشرف عليها الكهنة، حيث يحاكم المفكرون والعلماء على افكارهم في محاكم صورية ويحرقون وتحرق كتبهم ومؤلفاتهم، ولم تتطور الدول الأوروبية وتصل الى ما وصلت اليه اليوم من رقي حضاري وتطور على جميع الأصعدة إلا بعد ان تخلصت من محاكم التفتيش الظالمة التي اغرقت الشعوب الأوروبية في الجهل والفقر، وحصرت دور الكهنة في الأمور الدينية والوعظية، وحررت عقول وقلوب مواطنيها من الاستبدادين السياسي والديني.&
هناك سؤال يدور في خلد الكثير من العرب والمسلمين: لماذا نحن العرب والمسلمين دون الأمم الاخرى لا نستطيع التحاور مع بعضنا البعض ولا مع الآخرين، ولا نجيد ادب الحوار واحترام الرأي الاخر، وتضيق صدورنا وقلوبنا من الاختلاف في الرأي، ونميل الى العنف اللفظي والبدني ( كما نرى في الحوارات والمناظرات التلفزيونية) والتصفيات الجسدية بدلا من مقارعة الحجة بالحجة والرأي بالرأي؟&
اننا في هذه المنطقة من العالم يجب ان نتعلم كيف نختلف، فنحترم من يخالفنا الرأي او يعارضنا كما نحترم انفسنا، لا ان نبادر بإلقاء تهم التكفير والخيانة على كل من لا يتفق معنا في الرأي او يختلف معنا في الطريق. وهذا لن يتحقق إلا عبر اعادة النظر في مناهجنا الدراسية ووسائل اعلامنا المرئية والمكتوبة، حيث يجب اشاعة ثقافة التسامح واحترام الرأي والرأي الآخر على كل المستويات: السلطة الحاكمة، والاحزاب السياسية، ومؤسسات المجتمع المدني والأفراد.&
آخر الكلام: الحاكم السياسي المستبد يقتل معارضيه تحت ذريعة الحفاظ على القانون الذي سنه على مقاسه، ورجل الدين المستبد يحرض على قتل مخالفيه تحت ذريعة الحفاظ على شرع الله حسب فهمه الشخصي لهذا الشرع.&
التعليقات