"إنتصر لبنان على العدو الإسرائيلي..." بمثل هذه العناوين والتعابير يخرج علينا البعض أحيانا، لكن لا ليُبشرنا بأننا استطعنا سد شهية عدونا مِن شرب بترولنا الطازج، إنما ليخبرنا بأننا هزمناهم عبر تحضير 10452 كيلو حمص بطحينة على أكبر صحن فخار!. طبعاً هذا الانتصار ليس هو الوحيد المُعلن عنه بل كُشف لاحقاً عن العديد غيره مِن مثل 10452 دزينة فلافل، أكبر جاط تبولة وأضخم صينية كبة، ومن فترة ليست ببعيدة أطول منقوشة. ما يَلفت الانتباه أنه وعلى الرغم من شهيتنا المفتوحة على التهام الأرقام القياسية إلا أن "نفسنا بعدها مسدودة" عن إيجاد من يُحَضِّر لنا مَطمَراً بحجم كرتونة بيْض!. لذلك أرجوكم لا تُبشروني بهكذا إنجازات في الوقت الراهن ولا بتلك التي لها علاقة بذوي الأصول اللبنانية؛ لا تُخبروني عن نجوم لمعت في سماء هوليوود بينما ساحة النجمة عندنا تَعج بممثلين أفقدوها بريقها، فلا اهتزازات مؤخرة "شاكيرا" وضعتنا في المقدمة، ولا آخر صيحات "سلمى" حايك أسمَعَت الدنيا ما يحصل في بلاد العم "بو مرعي"، ولا التَثبُّت من حَبَل "أمل كلوني" سيُبشرنا بولادة الأمل على أراضينا. رجاء لا تَزفوا لي خبر مشية أول لبناني في دهاليز وكالة ناسا الفضائية ونحن لا نستطيع السير في شوارعنا التي تشبه سطح المريخ! ولا تُصوروا لي وصول أحدنا إلى قِمَمِ "إفرست" والدنيا تلتقط صُوَر عجزنا من النزول عن قُمَم القذارة! لا تُتعِبوا أنفسكم بالتفتيش عن أصل "بيليه" في حين أن البطاقات الحمراء تُرفع بوجهنا في ميادين السفارات، لنعود أدراجنا ونكتفي بمشاهدة لعبة الأمم في ربوعنا. أراكُم تتحدثون دوماً عن سياسيين تَبَوَّؤا مناصباً رفيعة في بلاد الإغتراب وكأنهم حكموا ما بين المشرق والمغرب ونسيتم أننا بلا رئيس، بلا نواب، وبلا حكومة فاعلة. من يدري! ربما كل هذا الفراغ سببه هجرة الأدمغة! أليس كذلك!؟ اتركوني، ولا تعدِّدوا أسماء أغنى المغتربين على قائمة "فوربس Forbes"، الذين لم يَستثمروا ولو "قرش مبخوش" واحد في وطنهم بينما جيشنا كان يعاني في قبض رواتبه منذ فترة قريبة، وبينما أجد سيرتي الذاتية مرمية في سلة مهملاتهم! اتركوني، ولا تحدثوني عن البطولة في زمن البطالة!
أي إنجازات هذه، سنطفو بها على وجه "السبع بحور" ومرساة العجز ما فتئت تُغرقنا أكثر فأكثر في أعماق المجهول! وأي فَهمٍ لمعاني الحرية والسيادة ونحن لا نتكلم إلا لغة الإستسلام لهذا الفيلم السنسكريتي الذي نشاهده دوماً من دون ترجمة! ثم ترانا نتعجب ونسأل لِمَ البلد لا نراه إلا يزداد تعقيدا وشحوبا ويكاد يكون خالياً من أي إنجاز بسيط ولو كان مجرد ابتسامة حقيقية وواعدة نرسمها على وجوه أولادنا! لذلك أرِحونا من "طلعاتكم التلفزيونية" التي كلما مررنا بأزمة تُطلون بها علينا-وما أكثر أزماتنا وما أكثركم وأكثر طلاتكم- لكي تستعرضوا عضلات أبناء لبنان، الخارجين من لبنان أصلاً وفصلاً! ومِن سماع شعارات الاستقلال التي لا زالت تُعْزَف على آلات صُنِعت في الـ1943!
أما نحن أبناء الداخل و"رغم كل شي" فلنُشَمِّر عن سواعدنا لتسجيل إنجاز حقيقي كلنا مدعوون لتحقيقه والتفاخر به، ولنعلق سوية لوحة جلاء جديدة نحفر عليها: "في عهد فخامة اليقظة تم جلاء جميع الطبقة السياسية الفاسدة عن لبنان"، لنحتفل بعدها في هذا التاريخ برحيل واقع مرير طال انتِدابه. وإلا فلن نجد من رقم قياسي جديد لنقدمه على مائدة "غينيس Guinness" وشاشة CNN سوى 10452 كيلو فوفاش!!!
&